هي مدينة تاريخيّة أثريّة مُوغِلة في القِدَم، تقع في العراق في المنطقة التي تقع عليها قلعة شرقاط حاليّاً، حيث كانت تُعتبَر العاصمة الأولى للحضارة الآشوريّة، وذلك قبل أن ينقل الملك (آشور ناصربال الثاني) عاصمة البلاد إلى منطقة نمرود المعروفة كذلك ب(كالح)، بالإضافة إلى أنَّها تُمثِّل واحدة من أهمِّ المراكز الحَضَريّة في الجزء الشماليّ من العراق، ويعود تاريخ مدينة آشور إلى نحو 10,000 سنة، وقد شَهِدت خلال تاريخها القديم نشاطاً حضاريّاً، ودينيّاً، وتجاريّاً، ممّا جعلها ذات مكانة مُهمّة في المنطقة، إلّا أنَّها سقطت، وانهارت بحلول عام 605ق.م.
وتُعتبَر الحضارة الآشوريّة من الحضارات العريقة؛ فهي من علَّمت العالَم الأبجديّة، والحضارة، وقد ساهمت بشكلٍ كبير في تأسيس البُنية الأولى لعِلم الفلك، وتميَّز الشعب الآشوريّ بالقُوَّة، والبأس؛ حيث برع الآشوريّون في صَيْد الأُسُود، وتميَّزوا بفنِّ النحت على الصَّخر، كما أبدعوا في تطوير، وابتكار أدوات، ووسائل الدفاع، والقتال، وحصار الأعداء، ومن الجدير بالذكر أنَّه قد تناوب على حُكم مدينة آشور العديد من الملوك، ومن أشهرهم: الملك آشور ناصربال الثاني (884-858ق.م)، والملك سنحاريب (705-681ق.م)، والملك آشور بانيبال (669-629ق.م).
تقع مدينة آشور بمُحاذاة نهر دجلة من ضفَّته الغربيّة قُرب التقاء الزاب الأعلى بنهر دجلة، ويحدُّها من الشمال سهلٌ مُنخفض تَشكَّل بفعل مياه نهر دجلة، أمّا من الجهة الغربيّة فتحدُّها عِدَّة هضاب صخريّة، ويحدُّها من الجانب الشرقيّ سهلٌ واسع يُسمَّى (سهل مخمور)، وتَبعُد مدينة آشور نحو 350كم إلى الشمال عن مركز مدينة بابل، وإلى الجنوب من مدينة الموصل بمسافة تُقدَّر بنحو 110كم.
يعود أصل تسمية آشور إلى كلمة (أشارو) التي تعني في اللُّغة الآشوريّة القديمة: البداية، علماً بأنّ الآشوريّين كانوا يُطلقون اسم (أشارو) على إلههم؛ دلالة على أنَّه هو بداية كلِّ شيء في الكون، وتجدُر الإشارة إلى أنَّ الآشوريّين هم من اعترفوا بوجود الإله غير المنظور، وممّا يدلُّ على ذلك أداء الملوك الآشوريّين القُدامى للصلوات، والعبادة، ومع مرور الوقت، أُطلِق على الآشوريّين عِدَّة تسميات، وذلك بالتزامن مع انقسام كنيسة المشرق إلى طوائف مختلفة، إلّا أنَّ اسم الآشوريّين ما زال يُطلق إلى وقتنا الحالي على الجماعات المسيحيّة في العراق، والجزيرة السوريّة (محافظة الحسكة)، وهم من اعتنقوا المسيحيّة على يَد القدِّيسَين ماري، وتداوس.
بدأت أعمال التنقيب في مدينة آشور خلال القرن التاسع عشر، وقد اقتصرت هذه الأعمال على الرحَّالة الأجانب، حيث زاروا المدينة في عام 1847م، وعثروا فيها على أوَّل تمثال للملك الآشوريّ (شلمنصر الثالث)، وكشفوا في عام 1849م عن منشور من الطين وُضِعت فيه كتابات تاريخيّة تعود إلى الملك (أداد نيراري الأوَّل 1305-1274ق.م)، وفي بداية القرن العشرين تمكَّن المُنقِّبون الألمان أمثال: روبرت كولدفاي، وفالتر أندريه من رَسْم مُخطَّط لمنطقة بوَّابة تابيرا، وقصر الأواوين ذي النمط العمرانيّ المُميَّز، ونظراً للأهمّية التاريخيّة لمدينة آشور، تمّ في عام 1978م البدء في مشروع الإحياء الأثريّ الذي يتضمَّن أعمال التنقيب، والصيانة، والترميم للمعالِم الأثريّة في المدينة، مثل: الأبواب، والقُصور، والشوارع، وخلال أعمال التنقيب تمّ العُثور على غُرَف، وساحات، وبقايا من البوَّابات، وعدد كبير من الكؤوس، والجِرار، بالإضافة إلى رقيم طينيّ عليه كتابة مسماريّة.
ضمَّت مدينة آشور التاريخيّة عدداً كبيراً من المعالِم الأثريّة التي ما يزال بعضها ظاهراً إلى اليوم في حالة جيّدة، ومن هذه المعالِم: