تعرف على نشأة العلمانية و قواها في تركيا

الكاتب: رامي -
تعرف على نشأة العلمانية و قواها في تركيا
"

تعرف على نشأة العلمانية و قواها في تركيا

وإذا كان ما سبق يمثل الإرهاصات الأولى للعلمانية في إمبراطورية إسلامية فإن تولي مصطفى كمال الحكم بعد حرب التحرير وضع للعلمانية قواعد وأسسا ظلت راسخة حتى الآن بشكل أو بآخر.

في البدء لم يظهر أتاتورك أي مظاهر معادية للدين، بل إنه بعد أن قاد حرب التحرير قام بممارسات ذات طابع ديني محض حيث ألقى خطبة الجمعة في مدينة بالي كسير، وعندما ترأس المجلس الوطني الكبير عين مساعدين له من شيوخ الطرق الصوفية، ولكن أتاتورك لم يخف نياته طويلا، وما لبث أن قام بحملة على المجتمع التقليدي في تركيا والمظاهر الدينية التي تمثل أبرز معالمه وحارب ممارسات المجتمع وقمع رموزه مع إعلان الجمهورية العلمانية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1923، ثم ألغى الخلافة الإسلامية في العام التالي وبعدها المحاكم الشرعية الدينية، وبدأ منذ العام 1925 في تغريب تركيا ثقافة وحضارة وممارسات، وتكريس دور الجيش كحارس للنظام الجديد.

ومن أجل تكريس مظاهر النظام العلماني أصدر أتاتورك مراسيم عدة تضمنت:


إغلاق الزوايا والتكايا الموجودة بالدولة.

إلغاء كل أنواع الطرق ومشايخها، وإلغاء ألقاب الدرويش والمريد والسيد والبابا والأمير والخليفة، والعرافة، وحظر السحر والتنجيم وكتابة التعاويذ والأحجبة والتمائم.

حظر استعمال عناوين وصفات وأزياء تدل على الطرق الصوفية.

إغلاق جميع المزارات وقبور السلاطين والأولياء ومشايخ الطرق.

تشريع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لمن يخالف هذه المراسيم.

وفى إطار التوجه نفسه استمدت في تركيا قوانين سويسرية عام 1926 وألغيت القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، بما في ذلك منع تعدد الزوجات وإعطاء المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم وأن تغير دينها، والمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، كما أعطت القوانين الجديدة للأب حق الاعتراف بولده الذي يولد نتيجة علاقة غير شرعية.

وفى نهاية ذلك العام فرض أتاتورك السفور على النساء وحظر عليهن لبس الجلباب وألزمهن ارتداء الفساتين، والا قدم أزواجهن وأقاربهن للمحاكمة. واستكمل محاولة تدمير المجتمع التقليدي بتغريب التعليم من خلال توحيد المدارس واستبدال الحروف اللاتينية من العربية. واستكمل أتاتورك ""ثورته"" عام 1938 قبيل وفاته بإلغاء المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة في الدستور.


الحرب على التدين

تقوم فكرة العلمانية بالمفهوم الكمالي السائد في تركيا على عدد من الأفكار الأساسية التي تؤسس لأيديولوجيا من أبرز محاورها:


فكرة الجمهورية بديلا للنظام الملكي السلطاني والخلافة الإسلامية.

الفكرة القومية، أي أن يكون الرابط الأساسي بين أبناء الشعب التركي ""ملية"" أو وطنية وليس الدين.

فكرة الشعبية، بمعنى ضرب نفوذ الأرستقراطية العثمانية والملاك والإقطاعيين ورجال الدين بتصعيد الطبقات الدنيا من المجتمع في إطار المساواة بين أبناء الشعب.

فكرة هيمنة الدولة وتحولها إلى أداة لفرض العلمانية والتغريب والتحديث الصناعي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

فكرة الانقلابية، أي الثورة على كل ما هو سائد من الأفكار والأوضاع والمؤسسات التي تعتبر تقليدية ومتخلفة.

والأهم في كل ذلك أن مفهوم العلمانية في تركيا لا يقتصر على تحييد دور الدين وفصله عن الدولة كما هو في الغرب مثلا، لكنه يمضي أبعد من ذلك بإجبار الناس على المفهوم الذي يراه لممارسات الدين في الحياة العامة بل وفي أداء العبادات، حيث حاول عصمت إينونو إجبار الأئمة في المساجد على قراءة الفاتحة في الصلاة باللغة التركية ومنع الأئمة من الدعاء باللغة العربية ومنع قراءة الأذان باللغة العربية ومنح المرأة كل الحقوق إلا حقها في ارتداء الحجاب مثلا.

وهكذا يظهر أن هدف العلمانيين كان مسح تأثير الدين على حياة الناس وإن لم يكن هجومهم على الدين مباشرة فهم يعلنون الحرب على التدين، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن شن الحرب على التدين يخفي في ثناياه ضمنيا شن حرب على الدين ذاته، ومثال ذلك الحرب المفتوحة التي يشنونها على مدارس الأئمة والخطباء ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، ومنع الملتزمين بالدين من العمل بحرية في الوظائف العامة، كما أن حرمان النساء اللواتي يرتدين الحجاب من الدراسة وحقهن في العمل في الوظائف العامة وتخصيص مسابح خاصة بالنساء، وعدم السماح بإنشاء بنوك إسلامية تعمل بالنظام الإسلامي، وطرد كل من يثبت أن له علاقة بالدين من الجنود في الجيش التركي هي من مظاهر محاربة التدين.

والعلمانية التركية متطرفة معادية للدين، مستبدة، وهي ليست العلمانية العقلانية المعتدلة التي تفصل السياسة عن الدين ولكنها لا تعاديه ولا تحاربه . فقد ضربت العلمانية التركية أسس الديمقراطية بآلة المؤسسة العسكرية بحجة حماية الثابت الدستوري للدولة التركية أي العلمانية، وذلك على ضوء الأسس التي وضعها كمال أتاتورك. وما زال بعض العلمانيين يفكرون بطريقة لإضفاء القداسة على العلمانية تلك القداسة التي تبرر لهم هدم أركان الديمقراطية إذا مثلت تهديدا لعلمانيتهم.

ويرى العلمانيون أن العمل من أجل تحكيم الشريعة الإسلامية يعد رجعية وتخلفا وجريمة كبرى تستحق أقصى العقوبات، كما أنهم ينظرون إلى المطالبة بتغيير الدستور من أجل توفير الحرية الدينية اعتداء على الدستور ومحاولة لقلب نظلم الحكم، حتى إنهم يرفضون الديمقراطية إذا كانت توفر الحرية الدينية للشعب.

ويحاول العلمانيون في تركيا حبس التدين في وجدان الفرد وخفض درجة تأثير الدين على الفرد إلى أقل مستوى، والعمل على إبقاء المرافق العامة في الدولة بعيدة عن تأثير الدين وعدم الاعتماد على أي مصدر يتعلق بالدين فيما يخص المرافق العامة في الدولة.

فالعلمانية التركية فرضت بوصفها أيديولوجية صارمة وحادة وقمعية على المجتمع التركي ولم تترك للشعب حرية ممارسة عباداته بل سعت إلى السيطرة على الدين من خلال تأسيس مؤسسة الشؤون الدينية وتعيين وزير دولة مسؤولا عنها حتى تسيطر على المساجد والأوقاف الإسلامية وحبس مشاعر الدين داخل المساجد.


"
شارك المقالة:
77 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook