إنّ المسرح (بالإنجليزيّة: Theatre) مأخوذ لُغةً من المادّة الُّلغويّة سَرَح، وهو يعني المكان الذي يتمّ تقديم المسرحيّة فيه، أمّا اصطلاحاً فهو أحد الفنون الدّراميّة التي تهتمّ بالعروض المُباشرة المُخطط تقديمها على نحو دقيق لتوليد شعور قويّ ومُترابط ومُهمّ من الجانب الدّرامي، كما أنّ كلمة المسرح تعود إلى أصل يونانيّ من الكلمة اليونانيّة (Theaomai)، والتي تعني"لنرى" , وهناك اختلاف في معنى المسرح من النّاحية النّظريّة والعمليّة الواقعيّة لدى أصحاب المسارح، والنّاقدين، والفنّانين، فمثلاً يقول المُلحّن الأمريكيّ جون كيج أنّ: "المسرح يحدث طوال الوقت أينما كان"، كذلك قول النّاقد برنارد بيكرمان في رؤيته للمسرح، فهو يُعرّفه على أنّه "أداء يقوم به شخص أو مجموعة من الأشخاص في إطار معزول زمانيّاً، ومكانيّاً أمام أشخاص آخرين"، وهُم بذلك يقومون بتعريفيه بحسب ما يرونه
من الجدير بالذِّكر أنّ الاختلاف في معنى المسرح موجود منذ القدم، فالمسرح عند المصريّين القُدامى كان يتمثّل بالمهرجانات التي تعتمد على الأداء، في حين أنّ الأمريكيّين الأصليّين كانوا يرون في "رقصة الجاموس" مسرحاً بالنّسبة لهم، لذا وفيما يلي نذكر بعض التّعريفات لمفهوم المسرح عند الكثيرين، والتي يغلب عليها الطّابع المجازيّ:
هي المعنى المُراد من المسرحيّة والتي تتضمّن القضايا والعاطفة التي تنتج من العمل الدّراميّ، وقد تُذكر الفكرة بصريح العِبارة كعنوان واضح للمسرحيّة أو من خلال الحوارات التي تتقمّصها الشّخصيّات كما يُصوّرها الكاتب المسرحيّ، بالإضافة إلى أنّه يُمكن ألا تكون ظاهرة بشكل واضح للعيان إلّا بعد التّمحيص والتّفكير.
إنّ هيكلة المسرحيّة وتركيبها يختلف عن هيكلة القصّة وتركيبها في جانبين هُما:
هي الأحداث المسرحيّة التي تحدث على عكس ما يمثّله موضوعها الرّئيسيّ، إذ يجب على الحَبكة أن تكون ذات طابع موحّد وواضح لدى كلّ المشاهد، وأن تمتلك اتّصالاً مع الأحداث السّابقة والّلاحقة، بالإضافة إلى أنّها تُشرك الشّخصيات فيها من خلال نمط حركيّ ومُتواصل بعد الأثر الأول المُتمثّل في الصّراع، وخلال الحركة التّصاعديّة للأحداث يتم الوصول إلى قمّتها والانتهاء إلى العمل والفكرة الدّقيقة للمسرحيّة.
هم الأشخاص الذين تقع على عاتقهم مهمّة الأداء المسرحيّ، والذين يتميّزون بامتلاك كلّ شخصيّة منهم شيئاً مُميّزاً سواء كان في المظهر، أم العمر، أم التّوجهات المُختلفة الاقتصاديّة منها والاجتماعيّة والّلغويّة، حيث تنقسم شخصيات المسرحية إلى قسمين:
يتمثّل عُنصر الّلغة والحوار بالأسلوب الذي يتّبعه الكاتب المسرحيّ في إنشاء الشّخصيّات المسرحيّة والحوارات النّاشئة بينهما، سواء كان ذلك باختيار المُفردات من قِبل الكاتب، أم بتمثيلها من قِبل مُمثّلي المسرح، وهذا مع الخيارات المُتاحة لاستخدام الّلغة المُناسبة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ تنوّع استخدام الّلغة والحوار يعمل على إيجاد الحركة في الأداء المسرحيّ، ويحدّد الشّخصيّات ويميّزها، لكن مع ظهور مشكلة الاختلاف في استخدام الكلام الفصيح أم العاميّ في المواسم الأدبيّة أصبحت المسرحيّات لا تتخذ لغة واحدة، كما يرى الأستاذ توفيق الحكيم الذي يعدّ أحد روّاد الحوار الأدب العربيّ أنّه على الفنان التخلص من كلّ تقييد يقف بينه وبين حريّته في التّعبير وصحّة أدائه، بالإضافة إلى أنّه عندما يشعر الفنّان أنّ عمله لن يكون كاملاً مُتكاملاً وحيّاً إلّا عند استخدامه أسلوباً ما فيجب عليه اعتماده.
ممّا يقوله الأستاذ توفيق حكيم في المسرح: "أمّا في المسرح فالأمر أكثر وجوباً على المؤلف، فالقراءة قد تجعل من السّهل على القارئ أنْ يُترجم لنفسه لغة الأبطال، ولكنّ المسرح لا يُتيح للمشاهدة فرصة التّأمل، بل هو يتلقى كلام الأبطال مباشرة من أفواههم، فكلّ تنافر بين مظهر الأبطال على المسرح والُّلغة التي ينطقونها يحدث في الحال شعوراً باختلال الصّورة الفنيّة في الذهن؛ لذلك كانت الرّوايات المسرحيّة التي تمثل أشخاصاً أجانب في المكان، أو الرّوايات التّاريخيّة أو الأسطوريّة التي تمثل أشخاصاً أجانب في الزّمان، لا بأس في جعل لغتها فصحى أو شعريّة لا علاقة لها بالواقع الذي يعيشه المشاهد. أما إذا شعر المشاهد أن الأشخاص يتّفقون معه في الزّمان والمكان فلا بد حتماً عندئذ من أنْ يتكلموا الُّلغة التي تفرضها عليهم حياتهم الحقيقيّة الواقعيّة في الزّمان والمكان"، ومن الأمثلة على اختلاف لُغة المسارح:
هي كافّة المُؤثّرات الصوتيّة التي تتمثّل في أصوات المُمثّلين، مثل الخِطابات والحوارات الإيقاعيّة لهم، والأغاني المُدرجة، والآلات الموسيقيّة المُدرجة في العرض المسرحيّ، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الموسيقى ليست جُزءاً أساسيّاً في كلّ مسرحيّة إلّا أنّها تُوجِد حالة من الإيقاع في المسرح خاصّة في الحالات التي يُراد فيها تقديم الحدث بشكل أكثر بروزاً وقوّة، ممّا يجعله أمام المُشاهد بمستوى عالٍ، لذلك يتمّ التّعامل مع ملحنين وكُتّاب أغانٍ للعمل على رفع مستوى موضوعات المسرحيّة وأفكارها، وإن لم تتواجد الموسيقى في العرض المسرحيّ يُمكن إضافتها له لاحقاً في برامج الإنتاج، كما يتميّز كلّ عرض مسرحيّ بلحن مُختلف عن غيره وبأسلوب خاصّ به.
هي العناصر الظّاهرة لعين المُشاهد من المسرحيّة، والتي يتمّ تحديدها من قِبل الكاتب المسرحيّ، ومنها: المشاهد، والأحداث، والأزياء، وأيّة مؤثرات تتعلّق في إنتاج الّلوحة المسرحيّة.
إنّ النصّ المكتوب من قِبل الكاتب المسرحيّ والذي يُعتمد لبناء العرض المسرحيّ هو أولّ ما يتمّ البدء فيه عند التّفكير في المسرحيّة، فقد يكون النّص مُبسّطاً مثل سيناريوهات فِرق التّمثيل المُسمّاة باسم "كومديا ديل آرتي" في القرن السّادس عشر، ومن النّصوص المسرحيّة التي تمتلك طابعاً تفصيليّاً أيضًا هي الأعمال المسرحيّة لوليام شكسبير.
هي الطّريقة التي يقوم بها مُخرج المسرحيّة لتنسيق العرض المسرحيّ كاملاً، والتي تقوم على إظهار ما كُتب في النّص المسرحيّ إظهاراً إبداعيّاً، وتشمل هذه العملية أي عُنصر يُساهم في المسرحيّة، مثل: المُمثّلين، والمُصمِّمين، والفنِّيين، كذلك الرّاقصين، والموسيقيّين، وغيرهم ممّن وُجِدوا ضمن إطار الخُّطة المسرحيّة.
هو الصّورة النّهائيّة للعمل المسرحيّ، وهو ما سيُعرض أمام عين الجمهور المُشاهِد للعرض المسرحيّ، والذي ينتج عن تجميع كافّة من يعملون داخل العمل المسرحيّ، ويكون ذلك بالتّرتيب والتّنسيق مع كلّ من تعاون في إنجاح الخطّة المسرحيّة.
هم المُشاهدون للعرض المسرحيّ، إذ إنّ وجود الجمهور الفعليّ أمام منصّة المسرح يزرع نوعاً من الإلهام للمُمثّلين في تغيير أدائهم ونموّ التّوقّعات لديهم في الأداء، خاصّة لأنّ المسرح على عكس غيره من أشكال الفنون كالأفلام الحديثة أو التّلفزيون، وغيرها، فهو شكل من أشكال حُريّة التّنفس في الأداء التّمثيليّ.
هو الشّخص الذي يكتب المسرحيّات بحسب قاموس التُّراث الأمريكيّ، حيث تختلف طُرق الكُتّاب في كتابة نصّ المسرحيّة، فمنهم من يَعْمد للكتابة من خلال فِكرة، ومنهم من يُعطي كلّ تركيزه لشخصيّة ما ثمّ يقوم ببناء القصّة بالاعتماد عليها، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الكاتب المسرحيّ يُعنى كذلك بتحليل التّجارب الإنسانيّة والبشريّة العالمية، لذا عليه أن يكون مُلمّاً بالعديد من الأمور أهمّها:
هناك العديد من الاعتبارات التي تخصّ المسرح وتنعكس على تركيب المسرحيّة، كانحصارها بمكان وزمان مُحدَّدين، وهذا يجعل الكاتب المسرحيّ يستبعد بعض الأمور الموجودة في المسرحيّة ممّا يُمكن حجبه منها ليتناسب مع التّركيب الخاص بالمسرح، وعلى هذا الأساس يجعل الكاتب مسرحيّته لا تصل إلى الخمسة فصول كحدّ أقصى، ولا تقلّ عن الثلاثة فصول كحدّ أدنى، وفي هذه الحالة يستعرض الشّخصيّات في الفصل الأول منها بالإضافة إلى المُشكلة، ثمّ يتبعها بالفصل الثّاني مُتناولاً فيه الحَبكة، ثمّ ينتهي بالفصل الثّالث الذي يتناول الحلّ والنّهاية، ويتمّ التّعامل مع المسرحيّة ذات الأربعة فصول على نحو تدريجيّ كذلك، فالأول منها يتضمّن عرض الشّخصيّات مع البدء في إظهار أطراف المُشكلة، ثمّ يتناول في الثّاني مُكمِلاً حديثه حتّى يستعرض المُشكلة كاملة، وحتّى ينتهي بالثّالث والرّابع، وهذا التّسلسل التّقسيميّ في العناوين والتّوجُه إلى هيكل مُعين للمسرحيّة ناجم عن تأطير الزّمان الذي يرتبط بالمسرح.
أمّا بالنّسبة إلى الاعتبار المكانيّ للمسرح، فالكاتب المسرحيّ أثناء كتابته للنّص يدرس المسرح وخصائصه المكانيّة كاملة، سواء البنائيّة أم غير البنائيّة، وهذا يجعل الكاتب يُمعن في تفاصيل المسرح ويتخيّل المسرحيّة التي ستُقام عليه بالضّبط، ولهذا أهميّة كبيرة في عملية الكتابة المسرحيّة، فمثلاً بعض المشاهد لا تُقام أمام الجمهور، فالمُمثل لا يقتلع عينه أمامهم فيدخل إلى سِتارة المسرح ثمّ يعود مفقوء العين ومُمتلئاً بالدّماء، ومثلها المشاهد التي لا تتناسب مع القُدرة المكانيّة للمسرح، ومن الأمثلة على أكثر المسارح مُلاءمة من الجوانب جميعها والتي تُعد من أكثرها سِعة حيث تتراوح سِعته (30-40) ألف إنسان هو المسرح الإغريقيّ القديم الذي وُجد في الهواء الطلق، في حين أنّ سِعة المسارح الحديثة تتّسع إلى ألف إنسان أو أقل.
تنقسم المسرحيّة عامّة إلى نوعين الأول هو المسرحيّة الكوميديّة المعروفة باسم "الملْهَاة"، أمّا الثّاني فهو المسرحيّة التّراجيديّة المعروفة باسم "المأساة"، وفي العصر الحديث تم التّفريق بين هذين النّوعين بناءً على نهاية المسرحيّة، "هل كانت سعيدة أم حزينة؟"، فالنّهاية السّعيدة ارتبطت بالملهاة، أمّا النّهاية التي يُهزم فيها البطل أو يموت -وهذا على الأغلب- فهي مسرحيّة المأساة، وتُعتبر هذه النّهاية مُميّزة مُقارنة بالملهاة، وفيما يلي الأنواع كاملة بالتّفصيل:
يعود أصل المسرح إلى الطّقوس اليونانيّة التي كانت في احتفالات الرّبيع مع بداية القرن السّادس قبل الميلاد، وكانت قد اختُصّت لآلهة الخصوبة على اختلافها، كما انتشرت عند الهلنستيّين في شمال الهند، وفي عهد الإمبراطوريّة الرّومانيّة تحديداً في المناطق الأوروبيّة الوسطى، ومن الجدير بالذِّكر أنّ عصر النّهضة يُعدّ ذروة التّطور لهيكلة المسرح التي بقيت إلى الآن إذ انتشر في هذه الفترة إلى كافّة دول أوروبّا، ثمّ إلى العالم أجمع.
اختلفت ثّقافات دول العالم في أخذها للنموذج المسرحيّ الذي انتُشر، فمنها ما أخذت في النّموذج الغربيّ التّقليديّ للمسارح كما هو، ومنها ما قامت بإعادة تكييفه بما يتناسب معها، وتتمثّل آثار المسارح الأولى بأربعة قصور مينويّة تقع في جزيرة كريت، وهي عبارة عن مساحات حجريّة مبنيّة على شكل حرف "L"، وقد تمّ تصنيفها كونها مناطق مسرحيّة، كما أنّ أقدم هذه القصور موجود في مدينة "Phaestus"، ويرجع في تاريخ بنائها إلى عام 2000 قبل الميلاد، بالإضافة إلى وجود أحد القصور في مدينة "Amnisus"، والذي بُني في مرحلة لاحقة من الأول تحديداً عام 700 قبل الميلاد.
ذُكر المسرح في العالم العربيّ لأولّ مرّة على لسان الطّهطاويّ، وذلك في كتابه "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز" أثناء مكوثه في فرنسا في الفترة التي تتراوح بين عام 1826م إلى عام 1831م، فكان بذلك المُتحدّث العربيّ الأول عن التّفصيلات المسرحيّة للمسرح الغربيّ من حيث الشّكل، والوظائف المُختلفة، ومواقع الإضاءة، والدّيكور، وغيرها، كما تطرّق للحديث عن أنواع التّمثيل كذلك، إلّا أنّ الظّهور الأول للمسرح العربيّ على يد مارون النّقاش بعد تناوله الموضوع في كتابه "أرزة لُبنان"، فمن الجدير بالذِّكر أنّه بعد أنْ انتقل مُسافراً إلى إيطاليا راقت له المسارح وما يُصاحبها من تصوير للرّوايات على المسرح، فَعَمد بعد عودته إلى بيروت إلى إنشاء فرقة مسرحيّة مكوّنة من أصدقائه، ثمّ دربهم ليقوموا بأداء تمثيليّ لرواية البخيل، فعندما تمّ إتقان الأداء قام بدعوة الأعيان والقناصل إلى بيته لمُشاهدة العرض التّمثيليّ في عام 1848م.
استمّر مارون في هذا المِنوال فقام بتمثيل رواية أبي الحسن المُغفّل، وهي رواية هارون الرّشيد، فحضرها العديد من نُخبة الوطنيّين والأجانب عام 1850م، ومع تشجيع النّاس له لهذا العمل بنى مسرحاً خاصّاً له، حيث حصل ذلك إثر مرسوم من السُّلطان آنذاك، وكان المسرح يقع إلى جانب بيته الواقع في حيّ الجميزة تحديداً في الشّارع الذي سُمّي باسمه، وممّن ساعد مارون في عمليّة التّمثيل: بشارة مرزا، وخضرا الّلبنانيّ، وحبيب مسك، كذلك عبد الله كميد، ونقولا نقّاش، وسعد الله البُستانيّ، وكان أبو خليل القبّانيّ ممّن عُنوا بالشّأن المسرحيّ العربيّ كذلك، فكان من مُؤسّسيه الأوائل خاصّة في مِصر والشّام، فبنى مسرحاً خاصّاً له في دمشق وعرض فيه روايات مُغنّاة كانت من تأليفه وتلحينه، وكانت مُقتبسة من أحداث كتاب "ألف ليلة وليلة"، ومن مسرحيّاته: ناكر الجميل، وهارون الرّشيد، وأنُس الجليس.
تُعدّ كتابة العمل المسرحيّ عملية غير مُتشابهة عند الكُتّاب جميعهم، فهناك اختلاف في الخطوات المُتّبعة لديهم، إلّا أنّ على كلّ كاتب مسرحيّ أن يُراعي وِحدة العمل المسرحيّ ليكوّن عملاً مُتناغماً، كما أنّ الخطوات الرّئيسيّة التي تتسلسل تدريجيّاً وُصولاً إلى النّهاية يُمكن أن تتغيّر بحسب طريقة كلّ كاتب وأسلوبه التّفصيليّ في الكتابة، وفيما يلي الخطوات الأساسيّة لإنشاء العمل المسرحيّ:
من الأمور التي يجب على كلّ كاتب مسرحيّ أن يكون مُلمّاً فيها:
تحتوي المسرحيّة على ثلاثة عناصر تُميّزها عن غيرها من الفنون الأدبيّة، وهي: الحوارات المسموعة، والجانب الحركيّ للمسرحيّة، والصّراع الذي يحتويها، وتشترك مع الأدب القصصيّ بوجود الفكرة، والحدث، والشّخصيّة، ووِحدة الموضوع، لذلك يُمكن القول إنّ كلّ مسرحيّة تضمّ قصّة، لكنّها تُمثَّل على أرض الواقع ولا تُسرد سرداً فقط، وممّا يجعل المسرحيّة تختلف عن القصّة الأسلوب الذي يتّبعه الكاتب المسرحيّ في هيكلة الحدث الرّئيسيّ، واستخدام العناصر المناسبة لذلك وتكونيه، فعلى الكاتب ألا يسرح بخياله كثيراً ممّا يُبعد فِكر المُشاهد عن الحدث الرّئيسيّ أثناء كتابة النّص المسرحيّ على عكس القصّة التي يستطيع الكاتب فيها الاستطراد، وبعضهم من يُخصّص فصلًا كاملاً لهذا الغرض، وقد يكون مُفيداً لخيال القارئ، ولأنّ الكتابة المسرحيّة مؤطّرة بشكل قويّ في حدود المسرح وبيئته، يحتاج أن يكون الكاتب المسرحيّ ناضجاً فنيّاً بشكل مُميّز، ويحدث ذلك بعد مُمارسة الكتابة القصصيّة.
هناك فرق من النّاحية الوصفيّة بين المسرحيّة والقصّة، فمثلاً يُمكن للكاتب أن يصف شخصيّات قصّته بشكل أوسع، فيتطرّق للصّفات الأخلاقيّة، والصّفات الشّكليّة، وهذا يُساهم في فهم الشّخصيّة وتصويرها، في حين أنّ الكاتب المسرحيّ لا يستطيع إلّا أن يتّحكم في حركات الشّخصيّة، وما تنطق من كلمات مع غيرها من الشّخصيّات في كلّ مشهد، وذلك تحت مُسمّى "وِحدة الشّخصيّة" بحسب قول الكاتب عزّ الدّين إسماعيل، ومن الجدير بالذِّكر أنّ ذلك لا يقف أمام نمو الشّخصيّة في العمل المسرحيّ، إنّما الأمر في صعوبة التّحكم في شخصيّة ما ضمن إطار مكانيّ وزمانيّ مُشاهَد، وهي أنجح من النّاحية التّأثيرية في مُستقبلها من القصّة، وبالنّسبة إلى تواجد الفكرة لدى كلّ من المسرحيّة والقصّة، فالقصّة لا يُشترط أن تمتلك فكرة إلّا في القصص ذات الطّابع الدّراميّ، أمّا المسرحيّة فتوجب ذلك.
تدور أحداث المسرحيّة لصاحبها شكسبير حول انتقام الأمير الدّنماركيّ هاملت لأبيه الذي ظهر شبحه له طالباً منه الانتقام لمقتله، وكان أبوه قد قُتل على يد أخيه أي عمّ هاملت الذي استولى على الحُكم فأصبح الملك الجديد حينها، وفي أثناء تفكير هاملت بالانتقام جعل الجميع يعتقدون أنّه مُصاب بالجنون، إلّا أنّ عمّه كان يحيك المُؤامرات لقتله خوفاً على حياته منه، ثمّ تستعرض المسرحيّة المشهد الأخير من هذه القصّة الذي ينتهي بمُبارزة تُفضي إلى موت هاملت والذي كان يُنازله في القتال، بالإضافة إلى الملك والملكة.
تتناول هذه المسرحيّة لصاحبها أمير الشّعراء أحمد شوقيّ قصّة الشّاعر الهوزانيّ قيس بن الملوّح بشكل فريد منذ بداية حبّه إلى مماته مُتحسّراً، ويُعدّ الملوّح أحدُ أشهر شُعراء الغزل والعشق، والذي عاش في فترة القرن الأول الهجريّ أثناء العصر الأُمويّ، كما لُقّب بمجنون ليلى لِما وصل إليه من الحبّ الكبير لها، فجعله هذا مِثال العاشقين، وكان المُلوّح قد عاش قصّة حبّه لوحده خاصّة بعد رفض أهل ليلى تزويجها له فأصبح يقول الشِّعر فيها في كلّ البلاد التي يتنقّل بينها حتّى انتهى به الأمر إلى الموت مع حبّه.
نُشرت مسرحيّة بيجماليون كعمل كتابيّ مسرحيّ عام 1940م في مِصر على يد مُؤّلفها الكاتب توفيق الحكيم، وبعد ثمانية أعوام تمّت ترجمتها إلى الفرنسيّة عام 1950م، وهو يُشير في مُقدّمة روايته أنّ استلهم كتابة هذه الرّواية بعد مُشاهدة مسرحيّة لبرنارد شو في أحد أشرطة السّينما، وكانت المسرحيّة آنذاك بعنوان "بيجماليون"، وتتألّف مسرحية توفيق حكيم من أربعة فصول، وتدور أحداثها حول قصّة النّحاث الشّاب بيجماليون الذي أحبّ التّمثال الذي نحته بنفسه والمصنوع من العاج على هيئة امرأة، بل ادّعى أنّها زوجته وأطلق عليها اسم جالاتيا التي كان قد أحبّها حُبّاً أوصل النّاس إلى اتّهامه بالجنون خاصّة أنّه كان يُعاملها معاملة الإنسان حقيقيّ الموجود، فكان يُكرمها بكلّ أنواع النِّعم ويذهب إلى معبد فينوس ليُقدّم القرابين من أجلها.
تجري أحداث المسرحيّة كاملةً في مكان واحد هو بهو بيت بيجماليون، وأحد أهمّ عناصر المسرحيّة في هذا البيت هي نافذته الكبيرة المُطلّة على غابة كثيفة بالأشجار والأزهار الغريبة، والتي تحتوي على باب يُمكن الدّخول من خلاله إلى البيت، كما أنّ هناك العديد من الشّخصيّات التي تتمحور حول الشّخصيّة الرّئيسيّة