تُعرّف الجنابة لغةً بأنّها ضد القرابة وتعني البُعد، وسميّ الجُنُبُ بهذا الاسم؛ لمجانبته الناس ما لم يغتسل، أو لبُعده عن الصلاة حتى يتطهر، ويصح استخدام لفظ جُنُب للذكر، والأنثى، والجمع، والمفرد، وأمّا الجنابة اصطلاحاً ؛فهي أمرٌ معنويّ يقوم في البدن يمنع صحة الصلاة، وتُطلق على من جامع أو أنزل المني، وقد انعقد الإجماع على وجوب الغُسل للجنابة عند الرجل والمرأة، في حالتين: أولاهما الجِماع، حتى لو لم يحصل إنزالٌ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا جَلسَ بينَ شُعَبِها الأربعِ ثم جهَدَها فقَد وجبَ الغسلُ أنزلَ أو لم يُنزِلْ) ، والثانية إنزال المني، وهو ماءٌ أبيضٌ غليظٌ، يخرج بدفقٍ عند الرجل وأصفر دقيقٌ يخرج من غير دفق عند المرأة، ويُصاحب خروجه لذةٌ وبعد خروجه يشعر الإنسان بالفتور.
إنّ للغسل من الجنابة صفتان: غسل مجزئ وغسل كامل، كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- واصفةً غُسل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسلَ مِن الجَنَابَةِ، يبدأُ فيَغسلُ يدَيْه، ثم يُفْرِغُ بيمينه على شِمَالِه، فيَغسلُ فرجَه، ثم يَتوضأُ وضوئَه للصلاةِ، ثم يأخذُ الماءَ، فيُدخِلُ أصابَعَه في أصولِ الشَّعرِ، حتى إذا رأى أَنْ قد استبرأَ، حَفَنَ على رأسِه ثلاثَ حَفَنَاتٍ، ثمّ أفاضَ على سائرِ جسدِه، ثم غسلَ رجليه)، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
ومن الجدير بالذكر أنّ العلماء اختلفوا في وجوب بعض الشروط لصحة الغُسل، منها:
بالرغم من أنّ الشريعة الإسلامية قائمةٌ على الحكمة والتعليل، ولا تتعارض مع العقل، والمنفعة، والمصلحة، إلا أنّ هناك بعض الأحكام الشرعية التعبّدية التي لا يعلم الحكمة منها إلا الله تعالى، مثل؛ عدد ركعات الصلاة، وتخصيص بعض الأماكن لبعض العبادات؛ مثل جبل عرفة للحج مثلاً، والواجب على المؤمن السمع والطاعة لله تعالى بمجرد علمه أنّ الله تعالى فرضها عليه، ولكن لا بأس بأن يعلم جوانب الحكمة في بعض الأمور كغُسل الجنابة مثلاً، حيث قال العلماء: إنّه سببٌ لاستعادة نشاط الجسم وتقويتة، وتعويض الطاقة المبذولة في عملية إخراج المني، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (الاغتسال من خروج المني من أنفع الأشياء للبدن والقلب والروح ، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن؛ فإنّها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلّل منه بخروج المني، وهذا أمرٌ يعرف بالحسّ)، بالإضافة إلى ما بيّنه بعض الباحثين المعاصرين من آثار الجنابة على الجسم، والتخلص منها عن طريق الغسل؛ إذ إنّ هناك وحداتٍ إخراجيّةً منتشرةً في الجسم، ترتبط إفرازاتها بالأمور الجنسية فقط، وتعمل على إخرج السموم التي تتراكم على جسم الإنسان وتسبب مشكلات صحية إذا بقيت عليه؛ ولذلك شرع الله تعالى الغُسل.
موسوعة موضوع