تقوى الله.

الكاتب: حنان حوشان -
تقوى الله.

تقوى الله.

 

تقوى الله

 
عرّف السلف الصالح التقوى بعدة تعريفات، منها قول على بن أبي طالب رضي الله عنه: (هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل)، وعرّفها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قائلاً: (تقوى الله؛ أنّ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر)؛ فالتقوى تتحقق بفعل الطاعات واجتناب الذنوب والمعاصي؛ خوفاً من الله تعالى، ووقايةً من سخطه وغضبه، والتقوى سببٌ للفرج عند النوازل والمصائب، ولفتح أبواب الرزق، ولتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالجنة، والنجاة من العذاب والهلاك والسوء، كما قال الله تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
 
 
 

كيفيّة تقوى الله

 
يمكن القول أنّ التقوى تتحقق بالحرص على جملةٍ من الأمور، منها ما يأتي:
 
العبوديّة لله تعالى: وتتحقّق العبوديّة بالانقياد لأحكام الله تعالى التي أحلّ بها الحلال وحرّم بها الحرام، والخضوع لشرعه وما فرض من فرائض وحدّد من حدودٍ بحبٍّ وذلٍّ له سبحانه، كما قال الإمام ابن تيمية: (العبوديّة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبه الله تعالى و يرضاه؛ من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنه)، وهي أعمال العبد السلوكيّة والقلبيّة الموافقة لطلب المعبود، ومن الجدير بالذكر أنّها الغاية الأسمى التي خلق الله تعالى الإنسان من أجلها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، ولا يمكن الوصول إلى التقوى إلا من خلالها.
ذكر الموت وأهوال القيامة: إذ إنّ ذكر الموت وأهوال يوم القيامة، يحرّر المسلم من أسر الدنيا، ويعالج نفسه من أمراض الحسد، والكبر والغرور، والأنانية، والطمع، ويدفع الإنسان إلى العمل الصالح والتقوى.
العمل الصالح: إذ إنّ المحافظة على الفرائض والمسارعة إلى النوافل؛ يزوّد المسلم بالهمة لمجاهدة النفس، ويرتقي به إلى التقوى، أمّا إذا تهاون بالفرائض و قصّر بالنوافل؛ فإنّ الهمّة ستضعف، وتجدر الإشارة إلى أنّ القليل الدائم من الأعمال الصالحة خيرٌ من الكثير المُنقطع، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سدِّدوا وقارِبوا، واعلموا أنَّه لن يُدخِلَ أحدُكم عملُه الجنَّةَ، وأنَّ أحبَّ الأعمالِ؛ أدوَمُها إلى اللهِ وإن قلَّ)]
العلم النافع: فالعلم يقود المسلم إلى معرفة ربّه عزّ وجلّ؛ فيخافه ويخشاه، ويدفعه إلى العمل الصالح، والخُلق الفاضل، والاعتصام بالكتاب والسنّة؛ ممّا يؤدي إلى تقوى الله تعالى، ويمكن القول أنّ العلم النافع؛ هو كلّ علمٍ يُقرّب الإنسان من ربّه، والاستزادة منه ترفع قدر العبد عند الله تعالى، حيث قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).[]
مداومة التوبة والاستغفار: والتوبة النصوح تكون بالإقلاع عن الذنب مباشرةً، والندم على ما فات من الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل، هكذا تكون التوبة صادقةً؛ فتمحو السيئات، وتبعد صاحبها عن المعاصي والذنوب، ويجب على المسلم أن يداوم على التوبة والاستغفار؛ لأنّ الإنسان لا يخلو من الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
الصبر ومجاهدة النفس: إذ إنّ مجاهدة النفس تؤدي إلى الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على البلاء، كما قال تعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
اختيار الصحبة الصالحة: فالصديق الصالح يذكّر صديقه بالله تعالى، وينصحه ويوصيه بالخير، ويؤثر في أخلاقه، ويقوي عزيمته على الطاعات، مما يكسبه الصلاح والتقوى، ويقرّبه من الله تعالى، ويقيه من مكائد الشيطان، وقد بين رسولنا الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- أهمية اختيار الصديق الصالح والبعد عن أصدقاء السوء؛ فقال: (إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ؛ كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحًا خبيثةً).]
 
 

مواقف من تقوى السلف

 
حفلت حياة السلف الكرام -رحمهم الله- بقصصٍ عظيمةٍ ومواقف جليلةٍ، تنمّ عن تمكّن تقوى الله تعالى في نفوسهم وتحلّيهم بها، ومن هذه المواقف ما يأتي:
 
خبيب بن عدي: بعث النبي -عليه الصّلاة والسّلام- خبيب وجماعةً من الصحابة رضي الله عنهم؛ ليُعلّموا قوماً ويفقهوهم بالدين، فغدر بهم القوم، وقتلوا الصحابة وأسروا خبيب رضي الله عنه، وباعوه في مكّة المكرّمة بعد معركة بدر، فلبث عندهم مدةَ من الزمن قبل أن يتفقوا على قتله، فطلب من إحدى بنات بني الحارث موساً؛ ليستحد بها، فأعارته، فدخل طفلها الصغير على خبيب، فلمّا شاهدت ابنها وقد أجلسه خبيب على فخذه وبيده الموس، خافت خوفاً شديداً، فقال لها خبيب: (أتخشين أنّ أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك)، وقد روت هذه المرأة فيما بعد، أنّها رأت خبيباً -رضي الله عنه- يأكل العنب، وهو مكبّلٌ بالحديد، ولم يكن في كلّ مكّة يومها عنبٌ، فلما خرجوا به إلى الحرم؛ ليقتلوه، طلب منهم أن يصلي ركعتين، فتركوه فصلّى ركعتين، ثمّ قال: (والله لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزعٌ لزدت، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً)، فقالوا له: أتحب أنّ محمداً مكانك؟ فقال: (والله ما أحب أنّي في أهلي وولدي، وأنّ محمداً شيك بشوكة)، ثمّ أنشد أبيات من الشعر قبل أن يقتلوه رحمه الله، قال فيها:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
سعيد بن عامر بن حذيم: استعمل عمر بن الخطاب سعيدً بن عامر -رضي الله عنهما- على حمص، ولمّا زار عمر حمص، سأل أهلها: كيف تجدون عاملكم؟ فشكوا إلى عمر بن الخطاب، وذكروا له أربع خصالٍ لسعيد بن عامر، الأولى؛ أنّه لا يخرج إليهم حتى يتعالى النهار، والثانية؛ أنّه لا يجيب أحداً في الليل، والثالثة؛ أنّ له يوماً في الشهر لا يخرج إليهم، والرابعة؛ تأخذه موته من حين إلى آخر، فجمع بينهم عمر بن الخطاب، وسأل سعيد بن عامر عن ذلك، فأجابهم سعيد؛ بأنّه يتأخر في الخروج عليهم؛ لأنّ أهله لا خادم عندهم، فكان يعجن عجينهم، ويخبز لهم، ثمّ يتوضأ ويخرج إلى الناس، وأما عدم إجابته لأحدٍ في الليل؛ فكان يجعل النهار للناس والليل لله عزّ وجلّ، وأمّا بالنسبة لليوم الذي لا يخرج فيه؛ فأجابهم بأن ليس له خادمٌ يغسل ثيابه، وليس عنده ثيابٌ يبدّلها، فكان يغسل ثيابه وينتظر حتى تجفّ، ثمّ يلبسها ويخرج إلى الناس في آخر النهار، وأمّا الغنظة بين الأيام؛ فأجاب بأنّ سبب ذلك؛ أنّه عندما كان مشركاً في مكّة، شهد مقتل الصحابي خبيب بن عدي رضي الله عنه، فكلّما تذكر حال خبيب، وأنّه لم ينصره، ظنّ أنّ الله تعالى لن يغفر له ذلك الذنب أبداً فتصيبه الغنظة.]
شارك المقالة:
70 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook