تقييم ثورة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تقييم ثورة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

تقييم ثورة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
من الأمور التي تناولها الباحثون دراسة أسباب ثورة المدينة المنورة، فاختلفت آراؤهم فيها بين من يميل إلى السبب الاقتصادي، فيجعل معاناة أهل المدينة المنورة من سياسة معاوية بن أبي سفيان الاقتصادية في المدينة المنورة هي السبب الرئيس في الثورة  .  ومنهم من يورد أسبابًا عدة منها عدم الرضا عن يزيد وعدم أهليته للخلافة بالمقارنة مع بعض زعماء الثورة الذين يرون أنفسهم أولى بها من يزيد، ومنها ضعف ولاة يزيد وعدم حزمهم، كما أن حدوث ثورة ابن الزبير في مكة المكرمة شجع أهل المدينة المنورة على الثورة، ومن الأسباب أيضًا مقتل الحسين بن علي، وقلة الجند في المدينة المنورة وغير ذلك من الأسباب  .  غير أن هناك سببًا مهمًا يستحق الوقوف عنده والتأمل فيه، وهو حرص أهل المدينة المنورة على إحياء مبدأ الشورى انطلاقًا من دورهم القيادي فيما سبق، ورفضهم تهميش دورهم.
 
ويمكن تفسير ثورة المدينة المنورة بأنها من منطلق التمسك بمبدأ الشورى الذي أوصى به الإسلام وحث عليه في جميع أمور المسلمين المهمة وعلى رأسها مسألة الخلافة، وهو المبدأ الذي حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على تطبيقه في اختيار الخلفاء الراشدين في المدينة المنورة، فلا غرابة إذن أن يتمسك بقية الصحابة في المدينة المنورة بهذا المبدأ، ويحرصوا على تطبيقه عمليًا برفض البيعة ليزيد لعدم توفر الشورى في خلافته، ويرون في مركزهم وموقعهم في المدينة المنورة ما يحتم عليهم النهوض لإنكار ما حدث من خلافة يزيد. وهم في تمسكهم بهذا المبدأ وإصرارهم عليه كانوا يرجون أن يؤدي ذلك إلى الثورة في سائر أقاليم العالم الإسلامي لإسقاط يزيد وإعادة أمر الخلافة إلى الشورى بعد وفاة معاوية. ومما يؤكد حرصهم على الشورى عدم مبايعة واحد منهم بالخلافة على الرغم من أن فيهم مؤهلين لها لأن في ذلك ما يخالف مبدأ الشورى، إذ يجب أن يشارك في اختيار الخليفة جميع أقاليم العالم الإسلامي، كما أن المدينة المنورة لم تعد مركزًا للعالم الإسلامي يجتمع فيها أهل الحل والعقد كما كان الحال عليه زمن الخلفاء الراشدين. ولكن هل يعد حرص المدنيين على الشورى وتمسكهم بها سببًا كافيًا لخوض الحرب والتضحية؟ الجواب بالنسبة إليهم نعم. ولو أمعنا النظر في حروب المسلمين الأولى مع بعضهم لوجدنا أن معظمها قام على الإيمان بمبدأ معين واختلاف الآراء في مسألة معينة ما جرهم إلى تجريد السيوف في ظل انعدام لغة الحوار.
 
ومما بالغت فيه الروايات التاريخية عن هذه الموقعة كثرة القتلى من أهل المدينة المنورة وهي روايات فيها مبالغة ظاهرة، فقد قيل إن عدد القتلى بلغ سبعمئة من وجوه المهاجرين والأنصار، وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف  ،  بل إن المبالغة واضحة أيضًا في نوعية الرجال الذين سقطوا في هذه المعركة من أهل المدينة المنورة، فقد قيل إن عدد من قُتل من الصحابة بلغ ثمانين رجلاً، ولم يبق بالمدينة المنورة بعد ذلك بدري، وقيل قتل من حفظة القرآن سبعمئة رجل   وهذا العدد لا شك أنه مبالغ فيه بصورة واضحة، ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد القتلى في المعركة من مصدر موثوق به، ولكن الذي يمكن قوله إن معظم الفئات النشطة الفاعلة في المجتمع المدني قد أصيبت في هذه الوقعة بالقتل أو الجراحات البالغة ما أفلّ حدهم وأضعف قوتهم، وما كان له أثر واضح على مستقبل المدينة المنورة السياسي خلال العهد الأموي أن الناس الذين سلموا من القتل أو الجراحات قد أضنتهم المأساة، وجعلتهم لا يفكرون في القتال مرة أخرى ما جعل المدينة المنورة تركن إلى الهدوء والاستكانة طيلة العهد المرواني  
 
شارك المقالة:
52 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook