تنظيم النسل

الكاتب: المدير -
تنظيم النسل
"تنظيم النسل




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..

فقد وردت النصوص من الكتاب والسنة تحث على الزواج وتكثير النسل لما في ذلك من المصالح العظيمة الدينية والدنيوية، قال تعالى: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ? [الرعد: 38].

 

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ [1].

 

فالأمة كلما كثرت حصل لها من العزة والهيبة ما لا يحصل لها في حال القلة، ولهذا مَنَّ الله على بني إسرائيل بقوله: ? وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ? [الإسراء: 6].

 

وذكَّر شعيب قومه بذلك فقال سبحانه عنه: ? وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ? [الأعراف: 86]. روى أبو داود في سننه من حديث معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ [2].

 

والأولاد منذ القديم كانوا أمنية الناس حتى الأنبياء المرسلين، وسائر عباد الله الصالحين، وسيظلون كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، قال تعالى: ? هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ? [الأعراف: 189].

 

ولما دعا إبراهيم قومه إلى توحيد الله وعبادته دون سواه، وصبر على أذاهم وثابر على دعوتهم، ألقوه في النار وأنجاه الله منها، واعتزلهم وما يعبدون من دون الله؛ فوهب الله له إسماعيل ثم إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب استجابة لقوله: ? رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ? [الصافات: 100]. بشره بإسماعيل أولًا، ولما بلغ معه السعي ابتلاه فيه وأمره بذبحه، وآثر امتثال أمر ربه على حبه لولده، وصدق في تنفيذ أمره، فبشره ثانيًا بإسحاق نبيًّا من الصالحين، وجعل النبوة في ذرية خليله من بعده، جزاءً كريمًا لصبره على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، ونجاحه فيما ابتلاه الله به من الكلمات.

 

فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها، لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قرة عين لها في الدنيا والآخرة، ولذلك طلبها إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: ? رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ? [الصافات: 100]. وطلبها زكريا من ربه، قال تعالى: ? رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ? [الأنبياء: 89]. وأثنى سبحانه على عباده الصالحين، فقال: ? وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ? [الفرقان: 74].

 

الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

1- منع الحمل: هو استعمال الوسائل التي يظن أنها تحول بين المرأة وبين الحمل، كالعزل، وتناول العقاقير، ووضع اللبوس ونحوه في الفرج، وترك الوطء في وقت الإخصاب.. ونحو ذلك.

2- تحديد النسل: هو الوقوف بالنسل عند الوصول إلى عدد معين من الذرية باستعمال وسائل يُظن أنها تمنع من الحمل.

3- تنظيم الحمل: هو استعمال وسائل معروفة لا يراد من استعمالها إحداث العقم أو القضاء على وظيفة جهاز التناسل، بل يراد بذلك الوقوف عن الحمل فترة من الزمن لمصلحة ما يراها الزوجان، أو من يثقان به من أهل الخبرة.

 

ولا شك أن الدعوة إلى تحديد النسل، أو منع الحمل من الأمور التي أثارها أعداء الإسلام في الأزمنة الأخيرة لإضعاف شوكة المسلمين والسيطرة على ثرواتهم، واستعمار بلادهم، مع ما في تلك الدعوة من أضرار كثيرة دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية، ومنافاتها للفطرة والإسلام [3].

 

وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية برقم 42 وتاريخ 13 /4 /1396هـ يوضح الحكم الشرعي في منع الحمل، وتحديد النسل، وتنظيمه، وهذا نصه: نظرًا إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره، وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة منَّ الله بها على عباده، فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها.

 

ونظرًا إلى أن القول بتحديد النسل، أو منع الحمل، مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده، ونظرًا إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة، حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد وأهلها، وحيث أن في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية، وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافًا للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها.

 

لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها.

 

أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة، ككون المرأة لا تلد ولادة عادية، وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان، فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره، عملًا بما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشيًا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة [4].

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




[1] صحيح البخاري برقم (5065)، وصحيح مسلم برقم (1400).

[2] برقم (2050)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن أبي داود (2 /386) برقم (1804): حسن صحيح.

[3] بحث من إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مقدم لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورتها المنعقدة في النصف الأول من شهر شعبان لعام 1395هـ في مدينة الطائف.أبحاث هيئة كبار العلماء (2 /503-528) بتصرف.

[4] أبحاث هيئة كبار العلماء (2 /529-530).


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook