يحتاج المسلم بين حينٍ وآخرٍ، أن يجدّد معلوماته الدينية، ويستذكرها، حتى لا يمضي في حياته، تُنسيه مشاغل الدنيا عمّا هو أهم منها، وأعظم وأدوم؛ وهو العلم الشرعي، وهو المحرّك للأفعال الحسنة، التي تُوصل إلى النجاة في الآخرة، والفرح، والهناء الدائمين، وحتى لا يُطيل المسلم الانقطاع عن أمور دينه كثيراً؛ عليه أن يخصّص وقتاً محدداً في الأسبوع، أو الشهر، بحسب ما يراه مناسباً، يتذاكر فيه شيئاً من أمور دينه؛ كبعض الاحكام الشرعية، التي يحتاجها في حياته اليومية، أو في محيط عمله، أو شيءٍ في التزكية والأخلاق، أو أن يقرأ في سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ ذلك ولا شكّ سببٌ في إقبال الإنسان على صالح الأعمال، وفهمه الجيد للدين، الذي يوصله إلى خيري الدنيا والآخرة.
يحتاج المسلم أن يتوّجه لربّه بالدعاء؛ لقضاء حاجاته على الدوام، فيدعو في أيّ وقتٍ شاء، فذلك كلّه يسمعه الله تعالى، ومن أوقات الدعاء: آخر الليل، والدعاء في السجود، وفي آخر الصلاة، وفي آخر التحيات، وبين الأذان والإقامة، ويجوز أن يدعو المسلم ربّه بما تيسّر له، وإن تمسّك بدعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الوارد عنه كان ذلك أفضل، ومن الأدعية الواردة عنه: (اللَّهمَّ اغفِرْ لنا ذنوبَنا وظُلمَنا وهَزْلَنا وجِدَّنا وعَمْدَنا، وكلُّ ذلك عندَنا، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن غلبةِ الدَّينِ، وغلبةِ العبادِ، وشَماتةِ الأعداءِ)، وكثيراً ما كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يردّد أيضاً: (اللهمَّ أَصلِحْ لي ديني، الذي هو عصمةُ أمري، وأصلِحْ لي دنيايَ التي فيها معاشي، وأصلِحْ لي آخرتي التي فيها مَعادي، واجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ)، وكان من استغفاره قول: (اللَّهمَّ اغفِرْ لي ذَنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، وأوَّلَه وآخِرَه، وعلانيتَه وسِرَّه).
ثبت لدى أهل العلم بأنّ هناك تفاوتٌ بين الصحابة في الفضل والمرتبة، وذلك بحسب معاييرٍ محددةٍ؛ كالسبق إلى الإسلام، والهجرة، والنُصرة، والجهاد، فيُذكر أنّ أفضلهم بشكلٍ عامٍ؛ من أنفق في سبيل الله قبل صلح الحديبية، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)، وفضّل الله -تعالى- المهاجرين على الأنصار، حين قدّمهم في الذكر في الآيات القرآنية، منها قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)، وكان من بين معايير التفضيل؛ تفضيل أهل بدرٍ من المهاجرين والانصار؛ بالاطلاع عليهم، حيث قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوماً للصحابة عن أهل بدر: (أوَ ليس من أهلِ بدرِ، وما يدريك، لعل اللهَ اطَّلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتُم، فقد أوجبتُ لكم الجنةَ)، وكذلك فقد نزل في القرآن الكريم عن رضا الله -تعالى- عن أهل بيعة الرضوان، قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
وخصّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعض الصحابة بأن بالتبشير بالجنة، وتلك الفضيلة من أعظم الفضائل التي نالها أهلها، وذكر أيضاً على وجه الجمْع عشراً من الصحابة، الذين بشّرهم جميعاً بالجنّة، وهم: أبو بكرٍ، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليٍ بن أبي طالب، وطلحة بن عُبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجرّاح، وأمّا من جاءت بُشراهم كلّ على حدا، وذلك بحسب موقفٍ جمعهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهم: الحسن والحسين، وأمّهات المؤمنين، وعكاشة بن مُحصن، وعبد الله بن سلام، وثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهم جميعاً، وكانت البشرى من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للصحابة بدخول الجنة واحدةً من دلائل صدق نبوّته، فإنّهم لم يزالوا على الدين مستقيمين، حتّ توّفاهم الله على الإيمان، فلم يضلّوا، ولم يُفتنوا، حتى ماتوا، وهم في الجنة، كما شهد لهم النبي.
رغّب الله -تعالى- المسلمين بدوام ذكره، ورتّب لذلك الفضل العظيم، فإذا لزم العبد ذكر الله في سائر أوقاته، فإنّه ينال بركاتٍ كثيرةٍ في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعض فضائل الذكر العائدة على الذاكرين:
موسوعة موضوع