جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
هي إحدى الجزر السعودية في الخليج العربي، وتقع على بعد 4كم من بلدة القطيف ويذكر أن الجزيرة تتمركز في خليج تاروت الذي كان يعرف باسم خليج كيبوس وخليج القطيف أيضًا، ويحد الخليج صحراء من الشمال، ومرتفعات من الجنوب، ومدينة القطيف من الغرب ومنفذ البحر من الشرق، وتبلغ مساحة الجزيرة نحو 40كم  ، ويصل أقصى طول لها من الشمال إلى الجنوب إلى ثمانية كيلومترات ومن الشرق إلى الغرب خمسة كيلومترات، وتأخذ الجزيرة الشكل الدائري بقطر يبلغ أربعة كيلومترات، وتفصلها عن مدينة القطيف أربعة كيلومترات لا يمكن عبورها في أوقات المد إلا باستخدام الزوارق، أما في أوقات الجزر فيمكن أن يصل إليها الإنسان والحيوانات عبر ممر ينحسر عنه الماء بعرض كيلومتر واحد وبطول أربعة كيلومترات  
 
ويوجد في الجزيرة عدد من البلدات والقرى، أهمها: بلدة تاروت الواقعة في وسطها، وبلدة سنابس الواقعة في الجزء الغربي منها، وبلدة دارين الواقعة في الجزء الجنوبي منها، بالإضافة إلى قرى الربيعية والرفيعة، والزور وغيرها  
 
وتقع بلدة تاروت في وسط الجزيرة على هضبة كبيرة مرتفعة وسط بساتين النخيل التي تشغل مساحات واسعة منها تصل إلى نصف مساحة الجزيرة، ولذا عُرفت باسم الجزيرة الخضراء، ويظن بعض الباحثين أن أقدم مكان في الجزيرة سُكن وعُمّر هو وسطها؛ حيث تقوم البلدة التي تعرف باسم الديرة بجوار قلعتها الشهيرة المعروفة باسم قلعة تاروت. وتحتوي البلدة على عدد من المساجد ومبانيها متلاصقة وتكثر فيها الأزقة والممرات الضيقة. وكان للبلدة عدد من الأبواب تفتح نهارًا وتغلق ليلاً. ويحد الديرة من الشمال سوق تاروت التجارية الكبيرة، ويحدها من الغرب مصب الينبوع والقلعتان البرتغاليتان اللتان شيدتا في القرن العاشر الهجري 951هـ /1544م، ويحدها من الجنوب مزارع النخيل، ويحدها من الشرق طريقان زراعيان: أحدهما يؤدي إلى بلدة الربيعية والآخر إلى بلدة سنابس  
 
ويظن بعض الباحثين أن اسم تاروت اسم غير عربي الاشتقاق؛ نظرًا إلى عدم وجوده في قواميس اللغة العربية، ما جعل بعضهم يظن أنه مأخوذ من الاسم (تيروس). وبسبب العثور على تمثال من الذهب الخالص للمعبودة الفينيقية عشتاروت في إحدى مزارع الجزيرة، ووجود هضبة صخرية عالية يقوم عليها تل تاروت، دفع بعض الباحثين إلى الاعتقاد أنها مكان عبادة المعبودة المذكورة، وأن الاسم في الأصل هو عشتاروت، ومع مرور الزمن تُرك المقطع الأول وأبقي على المقطع الثاني ليصبح الاسم (تاروت) ليكون اسمًا للجزيرة  
 
ويذكر بعض الباحثين أن اسم تاروت جاء في كتابات الكاتب اليوناني هيرودوت المتوفى أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، وفي كتابات الجغرافي الروماني استرابو، وفي الكتابات الصينية باسم (تارو)  .  وجاء ذكرها في شعر الأعشى قبل الإسلام. ويذكر ابن بطوطة أنه زارها عام 732هـ / 1332م  .  وتحدث عنها أبو الفداء المتوفى عام 732هـ /1332م قائلاً: "وتاروت بليدة في الشرق من القطيف، وإذا مد البحر أحاط بها وبأرضها فتصير جزيرة وإذا جزر البحر انكشف جزء من الأرض التي بينها وبين القطيف فيصل إليها الناس، وهي من القطيف على نصف مرحلة، ولتاروت الكروم الكثيرة والعنب المفضل"  
 
ومع نشوء المدن الكبيرة على أثر تدفق الزيت في المنطقة الشرقية اضمحل الاستقرار في الجزيرة وبلداتها فبدأت بعض البلدات في الاختفاء. ولكن بعد أن رُبطت الجزيرة باليابسة بخط مسفلت جيد عام 1385هـ / 1965م   عادت إليها الحياة ونمت بعض بلداتها وتطورت الزراعة والمشروعات والطرق فيها.
 
وتُعَدّ جزيرة تاروت ذات أهمية زراعية؛ إذ تكثر فيها أشجار النخيل التي تشغل نصف مساحة الجزيرة، وقد ذكر بعض الباحثين أنها بلغت في أيام ازدهارها خمسين ألف نخلة   إلى جانب البساتين الوفيرة. وتشكل المدينة مركزًا تجاريًا مهمًا، حيث كانت محطة نقل التجارة من جزيرة البحرين والمناطق الجنوبية من الخليج العربي وبلدان ما وراء الخليج العربي ناحية الشرق إلى اليابسة على ساحل الخليج العربي الغربي، ومن ثم إلى بلاد الشام وبلاد الرافدين وبقية بلدان العالم القديم.
 
ومن ناحية البحث في العصر الحديث فإن هذه الجزيرة لم تحظ باهتمام الباحثين على الرغم من أهميتها؛ فما كُتب عنها قليل ويقتصر على القليل من المعلومات التاريخية المتكررة  .  ومن ناحية الرحالة الأوروبيين فإنهم قلة أيضًا، فقد ذكر أحد الباحثين عام 1234هـ /1819م، أنها واقعة في وسط خليج القطيف الذي يبلغ عرضه عشرين ميلاً، ويبلغ طولها عشرة أميال، ممتدة بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي، غرست فيها أشجار النخيل بشكل كثيف، ولديها كمّ كاف من الماء  
 
وبخصوص العمل الأثري المنفذ في الجزيرة فإنه قليل أيضًا، فكانت الجزيرة مجالاً من مجالات أعمال البعثة الدنماركية في الخليج العربي عام 1388هـ / 1968م  ،  كما حُفر فيها عام 1392هـ /1972م مجسان في التل المعروف باسم تل تاروت  .  وفي عام 1395هـ /1975م تم التنقيب في مواقع الرمال في بلدة الرفيعة، وعُثر على أوانٍ من الحجر الصابوني المزخرف وغير المزخرف وحجر اللازورد والمعدن وفخار الألف الثالث قبل الميلاد
ونُشر بحث عام 1398هـ /1978م بخصوص الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني التي عثر عليها في الجزيرة نتيجة لأعمال تشييد طرق ومنشآت معمارية وأنشطة زراعية. وبعد أن جمعت الأواني سلمت إلى مندوب إدارة الآثار والمتاحف عام 1385هـ /1965م، وسلمها بدوره إلى متحف الإدارة بالرياض. وتحتوي المجموعة على أوانٍ جمعت بين عامي 1385 و 1392هـ /1965 و 1972م  .  وجميع القطع الستمائة التي تعود إلى الألف الثالث  .  ثم التنقيب عام 1411هـ /1990م، في إحدى مزارع بلدة الربيعية، ونُشر تقرير عنه عام 1414هـ / 1993م  
 
وبالنسبة إلى عمل البعثة الدنماركية فقد بدأته بزيارات استطلاعية للجزيرة قام بها بعض أعضائها عامي 1384هـ و 1385هـ /1964م و 1965م. ونظرًا إلى ما تتمتع به الجزيرة من أهمية أثرية وموقع إستراتيجي، وبتشجيع من نتائج الزيارتين الاستطلاعيتين قرر رئيس البعثة أن ينجز عملاً ميدانيًا فيها؛ إذ بدأت البعثة عملها في الرابع عشر من شهر فبراير من مخيمها الذي نصب في صفوى عند النهاية الشمالية الغربية لخليج تاروت، واستمر العمل حتى الرابع والعشرين من الشهر نفسه.
 
وفي تقرير البعثة المنشور جاء أن جزيرة تاروت تحتوي على ثلاث مدن رئيسة، هي: سنابس في الغرب، ودارين في الجزء الرملي في نهاية الجزيرة الجنوبية، وتاروت في الوسط، إضافة إلى عدد من القرى الصغيرة، وشمل عمل البعثة تل تاروت نفسه الذي تقوم عليه القلعة فجُمع منه كسر فخارية ظُن أنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وكسر أخرى مضلعة ظُن أنها تعود إلى زمن أقدم من الألف الثالث قبل الميلاد. ووصفت البعثة تل تاروت بأنه يأخذ الشكل الدائري بقطر يبلغ خمسين مترًا، وقامت بحفر مجس جاءت نتائجه مخيبة للآمال حيث لم يسفر إلا عن بضع أدوات حجرية وإناء فخاري إلى جانب الأواني الفخارية التي التقطت من السطح والعائدة إلى الألف الثالث قبل الميلاد (فخار باربارا). ويُظن أن استيطان التل يعود إلى العصر الحجري الحديث، وأنه أقدم موقع استيطان في الجزيرة العربية، وهناك إمكانية أن يكون (تل تاروت) قصرًا أو قلعة لمستوطنة أكبر من التل بكثير  
 
العمل الذي تلا عمل البعثة الدنماركية عام 1392هـ /1972م هو تنفيذ مجسين في تل تاروت، حيث نفذ الأول في الجزء الغربي للتل بمساحة 2×4م  ، وأسفر الحفر عن اكتشاف تسع طبقات حضارية. وجدت الطبقة السفلى تقوم على الصخر البكر، على حين احتوت المستويات الأربعة العليا على أوانٍ فخارية إسلامية مبكرة ومزججة، وأوانٍ فخارية برتغالية. أما المستويان الخامس والسادس فوجد أنهما معاصران لجدار حجري ضخم، ويظن أنهما يؤرخان بالفترة السلوقية اليونانية؛ أي القرن الثالث قبل الميلاد. أما مواد الألف الثالث (فترتا دلمون وباربارا) فقد أسفر عنها المستويان السابع والثامن حيث وجدت الأواني المضلعة، إضافة إلى أوان فخارية يُظن أنها محلية تؤرخ بالألف الثالث قبل الميلاد  
 
وحفر مجس آخر بمساحة 2 ×4م  عند قاعدة التل، وعثر على طبقتين أثريتين تحتويان على مواد أثرية مختلفة ربما أنها ناتجة من أعمال خلطت التعاقب الطبقي في الموقع  
 
ويُرجح أن استيطان الجزيرة كان نشطًا خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وخلال فترة دلمون، عندما أصبحت حركة التجارة في الخليج العربي قوية استدلالاً من الوجود الكثيف للأواني الفخارية العائدة إلى فترتي دلمون وباربارا،  بالإضافة إلى المواد الأثرية الأخرى، ويُظن أنها ربما كانت منطقة عبور للتجارة بين جزيرة البحرين والساحل الغربي للخليج العربي  
 
شارك المقالة:
79 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook