حركة النشاط الثقافي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود - 1 نوفمبر, 2020
 حركة النشاط الثقافي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

 حركة النشاط الثقافي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
أسهمت حركة الطباعة والنشر، وتهيئة سبل التواصل مع الحركة الثقافية في العالم العربي في ظهور حركة ثقافية بدا عليها التحمس للفعل الثقافي, والإيمان بدوره في النهضة والإصلاح، وتحقيق رسالة إنسان هذه المنطقة الدينية والتاريخية، وسنلقي على ذلك ضوءًا في المحاور الآتية:
 
 بروز الخطاب الأدبي وامتزاجه بالإصلاح
 
 الاتجاه نحو الحضور الثقافي والأدبي
 
 الحضور في الأجناس الكتابية الجديدة وفي الإنتاج الشعري
 
 المؤتمر الأول للأدباء السعوديين
 
 تكريم الأدباء والجائزة الأدبية
 

 بروز الخطاب الأدبي وامتزاجه بالإصلاح

 
ما إن دخل الملك عبدالعزيز منطقة مكة المكرمة، حتى هبت على أهلها بشائر النهوض والحرية، والمشاركة في بناء الوطن ومؤسساته الحضارية، فقد وجد الحجازيون في هذا الواقع السياسي الجديد عهدًا جديدًا يفتح لهم باب المشاركة في إدارة الشؤون العامة عبر التشكيلات الإدارية الوليدة؛ لذلك كان خطاب الملك عبدالعزيز لهم في مكـة المكرمـة عام 1343هـ / 1924م، يمثـل الوقوف على عتبات عهد جديد، تظهر فيه الشورى، وطلب الخبرة، وتسخير الطاقات لبناء البلاد، فلقد قال: "إن ديارًا كدياركم، تحتاج إلى اهتمام زائد في إدارة شؤونها، وعندنا مثل يعرفه الناس جميعًا، وهو أن أهل مكة أدرى بشعابها، فأنتم أعلم ببلدكم من البعيدين عنكم، وما أرى أحسن لكم من أن تلقى مسؤوليات الأعمال على عواتقكم"
 
وبذلك تلتقي إرادة القائد مع إرادة أهل المنطقة، الذين حمل كتابهم (أدب الحجاز) الذي صدر عام 1344هـ / 1925م مطامحهم في الحرية والإصلاح. لقد كان أدب الحجاز والملك عبدالعزيز على ميعاد، يدخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة في جمــادى الأولـى سنـــة 1343هـ / 1924م, وتسلم له جدة في أوائل جمادى الآخرة عــام 1344هـ / 1925م  ،  ويصــدر أدبــاء الحجاز مجموعتهم (أدب الحجاز) عام 1344هـ / 1925م، فتصافح مطالب الحرية، والإصلاح، والنهضة إرادة عبدالعزيز. يقول جامع الكتاب محمد سرور الصبان في المقدمة: "وإذا كان لنا من أمل نرجوه، ونطلب بحرارة أن تحققه لنا الأيام، فلا شيء أكثر من حرية صحيحة، ونهضة صادقة تعيد إلى الحجازيين مجدهم المندثر, وكرامتهم التي يستحقونها، وما ذلك على الله بعزيز، ولكل أجلٍ كتاب"
 
ويحدد عبدالله الحامد القيمة التاريخية لهذا الكتاب بأنه: "أول كتاب ضم مجموعة من النثر والشعر، واتجه إلى ربط الأدب بدواعي الإصلاح، سجل بدايات الأدب أثناء السنوات العشر التي سبقت صدوره، وهي بدايات تصور نشأة الأدب الجديد" 
لقد تشكل أدب هذه المجموعة مع الثورة العربية التي أثارت الحماسة، واستثارت طاقة إنسان هذه البلاد في النهضة الإصلاحية والفكرية، فشهدت بذور حركة أدبية يانعة أمام الملك عبدالعزيز  ،  وكانت مطالب الحرية والوطنية التي بثتها هذه الحركة "النواة التي ألَّفت الرعيل الأول من المثقفين في مكة المكرمة والحجاز عامة  ،  ولذلك كان منصور الحازمي حين عدَّ البداية الحقيقية للأدب الحديث في بلادنا ابتداءً من أوائل العهد السعودي في الحجاز  ،  ناظرًا إلى زمن نضوج تلك التطلعات الحجازية
 
لقد حملت أقلام الأدباء في هذا الكتاب هموم الحجاز في التطلع إلى نهضة علمية، وفكرية، واجتماعية؛ مما يشعر قارئها بتحول في التفكير إلى تفاعل عصري، وتحويل للعلم والفكر إلى إنتاج وإبداع ينهض بطاقات الإنسان، ويجدد حياته، وتحول عن علوم المتون والحواشي إلى علم عصري تشير إليه المقدمة ويشير إليه العواد حين يذكر ما ينبغي أن يكون عليه حاله وحال مجتمعه في تلك الفترة، فيتحدث بلسانهم مشيرًا إلى أنه ينبغي عليهم أن يكونوا عصريين في اللسان، في التفكير، في الدفاع، في الأقلام، وفي العادات شرط ألا يتفرنجوا أو يشطُّوا، أو يزدروا كل قديم 
 
وحين نمضي مع مقالة أخرى ندرك مدى حماسة هؤلاء الأدباء, وتطلعهم إلى نهضة حجازهم في شتى المجالات, يقول الصبان: "أين هم الحجازيون، هل في الحجاز علم أو تعليم؟ هل في الحجاز حكماء... هل في الحجاز صحافة؟ هل في الحجاز نوادٍ أدبية؟ بل هل في الحجاز رابطة دينية أو وطنية؟ لا... لا يوجد كل هذا اليوم" 
 
لقد كان الكتاب محمَّلاً "بمفاهيم فكرية وسياسية تنتمي إلى قيم الدولة الوطنية الحديثة، وعصر القوميات كالأمة، والوطن، والوطنية، والشعب، وهي بعض فيوض الفكر السياسي العربي في عصر النهضة" 
 
لقد أدرك أدباء تلك الفترة ذلك التحول الذي بدأ يؤتي ثماره، وجعلوا هذا الكتاب دليلاً عليه، فعبدالمجيد شبكشي يكتب بعد عشر سنوات ليجعل هذه الفترة (دور التكوين للنهضة الفكرية)، ويقرن بين الإنتاج الأدبي ودبيب الحياة في الحجاز "فشعر الحجاز حينئذٍ بدبيب الحياة يتمشى فيه", ويجعل مختارات هذا الكتاب دليلاً على وجود أدب راقٍ يدعى الأدب الحجازي، مع أنه يعترف بأن ذلك الأدب تعتوره بساطة البداية، وأنه مقدمة لنهوض وازدهار  ؛  لذلك كان هذا الكتاب علامة تحول ثقافي وفكري، وجد مناخًا مهيأً في التحول السياسي والاجتماعي الذي يقوده الملك عبدالعزيز
 
ويبلغ الإحساس مداه بمخاض هذا التحول حين نسمع ذلك الصوت الجهير بالتغيير في كتاب (خواطر مصرحة) لمحمد حسن عواد  الذي صدر مقاربًا لكتاب (أدب الحجاز) إذ صدر عام 1345هـ / 1926م، محملاً بلغة جريئة وصارخة في نقد الحياة الأدبية، والحياة الاجتماعية، طرب لها عبدالوهاب آشي وهو يقدم الكتاب، ورأى فيه نموذجًا لكتابة شباب الحجاز المتأدب في تلك الفترة: "إذا كتب للأمة فإنما يكتب بأقلام من حديد، ومداد من الغاز الخانق على صحائف من نار"  ،  وكان العـواد يستنهض في الشباب البحث عن أسلوب أدبي مختلف عما ألفوه، ويحاول أن يتلمس مثل ذلك الأسلوب في كتابات المحدثين من مصر والشام والمهاجر 
 
ويرى العوين أنه بصدور هذا الكتاب تنتهي الفترة الأولى من الخطاب الأدبي لتتوقف عشر سنين تقريبًا إلى أن تبدأ فترة ثانية ناشطة  ،  مع أنه يرى أن الصحف في هذه الفترة برزت فيها أسماء جديدة في نطاق الكتابة النثرية والشعرية، وبرزت حوارات حول التقليد والتجديد، ومفهوم الابتكار والاحتذاء والاتباع؛ إذ يرى أن صحيفة (صوت الحجاز) ساعدت على ارتفاع قيمة النقد وتقدير النص المقالي الجيد ورفعت مع وصيفتها (أم القرى) لواء الحيوية في الأدب  ،  ويرى أيضًا أن الحماسة تمادت إلى أن استبدت بالعاطفة؛ فجعلتها تنكر بادرات الوعي الجديدة التي نبتت في السنوات الخمس الماضية قبل صدور وحي الصحراء  ،  فكيف يكون الركود مع هذه البوادر، وهذه الحماسة، وهذه القضايا المثارة، وهذا التقدير للمقال الجيد
 
وعلى كل حال فقد وجد التحمس الظاهر في كتابات الأدباء مجاله في الصحافة؛ إذ كانت الصحف والمجلات كالمنهل "هي الوسيلة الجوهرية للنشر الأدبي أو الثقافي على وجه العموم... "  ،  فصحيفة أم القرى على الرغم من صبغتها السياسية والرسمية كان لها اهتمام بالأدب، وزاد اهتمامها بالأدب أيام إشراف محمد عبدالمقصود على تحريرها، ثم جاءت (صوت الحجاز) بمساحتها الرحبة للأدب كما سبقت الإشارة، وقد استبشر الأدباء بذلك ورأوا فيه انفراجًا، وفتحًا لآفاق الكلمة؛ مما يجعل بداية هذا العهد فاتحة لتحول فكري هدفه الإصلاح وقوامه الحرية؛ وهذا ما جعل محرر صحيفة (صوت الحجـاز) يعلن أن "باب القول والعمل قد فتح على مصراعيه، وميدانهما رحب لمن يريد الاقتحام"   ولم يقتصر هذا الجهر على الأساليب الأدبية، بل ناقش كثيرًا من القضايا الاجتماعية، كما سبقت الإشارة في كتاب (خواطر مصرحة) وكما هي الحال في عدد من المقالات الصحفية في صحيفة (صوت الحجاز) مثل: مقال إبراهيم هاشم فلالي عن تعليم الفتاة  ،  وكما هو واضح فيما يشير إليه محمد سعيد عبدالمقصود، حين يقول في صوت الحجاز في 17 / 1 / 1351هـ الموافق 1932م: "ونحن الآن ساعون إلى محاربة عادات فينا لا تقل مقاومتها عن الحرب، وسيغضب الكثيرون من رجال هذه الأمة التي نحن ندافع عنها ونسعى لخدمتها، ولكن هذا يجب أن نتغلب عليه بالصبر ونتحمل كل شيء في سبيله"
 
وإذا كان الإصلاح، والنهضة، وطلب الحرية من سمات الخطاب الأدبي في هذه الفترة، فإن ذلك قد يكون شاغلاً دون البحث عن القيمة الأدبية، والتجويد الفني في الأعمال الأدبية، لذلك كان (الصبان) جامع الكتاب لا يجد غضاضة في أن يطرح من الاختيار ما لا يتناسب مع هذه الهموم، ولـــذلك تجافى عن "وصف الطبيعة... وعن مجالس الأفراح والليالي الملاح، وما في ذلك من عبث الشباب ودعابته"  ،  لهذا كان الحامد يرى: "أننا نفتري على الحقيقة إذا اعتبرنا هذا الكتاب كتابًا أدبيًا محضًا، إنما هو كتاب الدعوة إلى النهضة والإصلاح... فكل الأدب الذي ورد فيه أدب ذو مغزى إصلاحي لا يخفى"
 

 الاتجاه نحو الحضور الثقافي والأدبي

 
كان لنوافذ التواصل الثقافي للحجازيين - التي وصلتهم بثقافة مغايرة لما ألفوه، ولما ران على منطقتهم فترة طويلة - أثرها في تحريك همتهم نحو وصل حاضر الحجاز بماضيه، ونحو إيجاد فعل ثقافي في المنطقة يماثلون به أولئك الأدباء، وتلك الثقافة التي يتواصلون معها، لذلك نجد الضجر من أن يكونوا قانعين بما يقدمه لهم أدباء الأقطار المجاورة في التواصل مع إرثهم الثقافي ويرون - كما عبر أحدهم - أن يكون الموقف من ذلك "مشرفًا لمركزنا رافعًا لرؤوسنا، فنبحث مع الباحثين، وننقب مع المنقبين، ونشترك مع الكاتبين فنعيد لأنفسنا شيئًا من زعامتنا الأدبية الضائعة"  ،  وعمل الأدباء مع هذا الأمل الذي يعيد للحجاز مكانته، فمحمد سعيد عبدالمقصود يقول: "ونؤمل أن تتقدم الأيام بالأدب الحجازي؛ فيستعيد ما كان له من مقام ممتاز، وليس ذلك على الله ثم على أولي الأمر ببعيد"  ،  وجاء مجموع (وحي الصحراء)، جامعًا لآثار الأدباء المعاصرين لتأليفه؛ ليكون هذا الجمع "كتابًا مستقلاً يكون صفحة صادقة من الأدب العصري في الحجاز"  ،  عُني فيه الجامعان بالاختيار، فقد جندا نفرًا من زملائهما الأدباء لذلك، وسعيا بهذا المجموع إلى (محمد حسين هيكل) ليطلع عليه، وليشهد هذا الإنتاج في الحجاز، ويقدم شهادته حوله من خلال كتابته المقدمة التي يقول فيها: "وترى تفكير هؤلاء الأدباء مصورًا في قوالب تكاد تردها إلى مصادرها في تفكير العصر الحاضر وأدبه" 
 
ويبدو للعيان في هذا المجموع نقاش كاتبه لهموم الفكر العربي، وقضاياه في الوحدة الإسلامية، وفي نمو الفكر وإبراز أهميته، وفي ضرورة التواصل مع الحضارة الحديثة، والثقافة الحديثة، إضافة إلى القضايا التي تمس هذه المنطقة ومعاشها في ضرورة نشر التعليم وتعليم المرأة، والتطوير العلمي والاجتماعي، (فأمين بن عقيل) يكتب عن التعليم في الحجاز، ويجعل عنوان مقاله على هيئة أسئلة:
 
ما مثل التعليم الصالح للحجاز؟
 
ما التربية الملائمة لإصلاح حياتنا الاجتماعية؟
 
هل يكفي التعليم وحده لتكوين مبدأ الوطنية في الحجاز؟
 
ويأتي عنوان مقاله الثاني على هيئة سؤال أيضًا:
 
الحجاز، وإلام يدعو؟
 
أَ لِلْجَامِعَةِ الإسلامية؟
 
أم للوحدة العربية؟
 
أم للرابطة الوطنية؟
 
وإذا بحثت عن الهم الأدبي في هذا المجموع وجدت مقال عبدالسلام عمر يؤكد مهمة الأدب في الحياة وأنه "ما من نهضة علمية أو فنية أو سياسية أو دينية إلا للأدب يد في إنشائها وتقويتها في بدء تكوينها"  
 
وتجد من المقالات ما يمعن الخوض في المسائل الأدبية، مثل: الصراع بين ثقافة الشيوخ وثقافة الشباب، كما في مقال حسين خزندار (الطموح والاعتدال)  ،  وتفسير النـزعة التمردية في الأدب العربي، كما في مقال (التطور في الأدب) بجزئيه الأول والثاني لمحمد سعيد العامودي   الذي يرى أن هذه الظاهرة التمردية تكاد تشمل الأدب العربي الحديث في أغلب مناحيه، في المعاني، والألفاظ، والأساليب، والموضوعات والاتجاهات  ،  ويقرن بين هذه النـزعة وحياة الشعوب العربية وما تعانيه من قلق وارتباك ويأس وألم  ،  ويشيد بهذه النـزعة، ويجعلها دليلاً على أن "روح الحياة والطموح قد دب دبيبها في نفوس الناطقين بالضاد"
 
ولم يخف على المطلع على هذا المجموع، ما فيه من تجربة الكتابة بالأساليب الحديثة "فأنت ترى شعرًا منثورًا، وترى أوزانًا في الشعر من أوزان المدرسة الحديثة"  ،  وترى فيه كذلك أساليب قصصية وحوارية كما هو عند أحمد السباعي، وعزيز ضياء، ومحمد حسن كتبي؛ مما يشير إلى تحول تحمله الكتابة في شكلها، وأسلوبها، وممارسة في التجديد فيما تقدمه في عالم الفكر والثقافة، حين أخذت تبحث عن أسلوب جديد يثبت الحضور الأدبي، والتفاعل مع المتغيرات والثقافة الحديثة
 
وهذه التحولات الشكلية تنمُّ عن تحول في النظر إلى الكتابة من حيث هي ضرورة تعبيرية، وقيمة جمالية، ليست قيمتها الوحيدة فيما تعبر عنه، ولكنها تعتد أيضًا بما تعبر به، فنجد في هذا التلوين في الأسلوب الذي يتجه إليه الكتاب قيمة تفسر الاتجاه إليه والتجويد فيه، فمنه ما يتيح للكاتب القرب من القارئ، ووضعه في خيال الكاتب وفي إنتاجه، وجعله مناط بث همِّ الكاتب، ومن ذلك مثلاً مقال (أتأكل الرطب؟)   لإبراهيم هاشم فلالي الذي أداره على حواره مع آخر، والذي يبدؤه بقوله:
 
"أتأكل الرطب؟
 
إنه غذائي الطبيعي"
 
ويستمر الحوار، ليظهر المفارقة بين حال استجابة الإنسان لحاجاته الضرورية التي يلبيها العلم، واستخدام المخترعات الحديثة، ومن يزعم بخطر بعض العلوم مثل: المنطق، الفلك، الرياضيات، ويجافي استخدام المخترعات الحديثة، من خلال الحوار الذي يقرُّ فيه صاحبه بذلك في حال الحاجة الشخصية، ويناوئه في حال رسم الطريق لبلوغ هذه الغايات الحضارية
 
وقد أراد الكاتب بهذه الطريقة استثمار حالة الحوار؛ للقرب من القارئ المجسد في شـخصية المحاور، ولاتخاذ حالة هذا الموقف الذي تعيشه الشخصية وسيلة للإقناع بالأفكار التي يطرحها، فالكاتب يستحضر حال السلوك حين الحاجة؛ ليبين منه الحاجة إلى هذه العلوم، وما تنتجه من مخترعات
 
ولا تقتصر أهمية مثل هذه الأساليب على قرب القارئ، ومحاولة إقناعه، بل إن بعض هذه الأساليب يتعمد إيجاد القارئ المشارك الذي ينتج الفكرة التي يريد أن يصل إليها الكاتب، فلا يظل الكاتب هو المرسل فقط، إذ يمتد ذلك إلى أن يجعله هو ذاته مع قارئه، تحت سلطة الكتابة والنص، يجعلهما تحت حكم النتيجة التي آل إليها الحوار؛ ومن هنا فقد يضع الكاتب نفسه تحت طائلة السخرية، وهذا يخفف من تعالي الكاتب، ومن كونه قطب الإرسال في كتابته، ويتجه إلى الإعلاء من شأن الناتج الكتابي، وجعله سلطة مسيطرة على موقف الكاتب والقارئ كما هي الحال في مثل هذا النص الحواري، لأحمد السباعي بعنوان (هات رفشك)  ،  إذ يبدأ النص بقوله:
 
"يا صاحبي هات رفشك واتبعني.
 
هاته وقم في إثري ولا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه أمرًا... ألست من غراري؟ أنت تعتلج في صدرك الآمال"
 
ثم يمضي في تساؤلات على هذا النحو ليقول: "قل: إي.. وإذن أي أثر تركته في حياتك..؟
 
أتمتعض ثاني عطفك؟ هوِّن عليك، إن أريدك إلا صريحًا، فقل هل أنت تستحق الحياة؟
 
لا وربك، وإذن أنت مثلي وأنا مثلك فاتبعني، اتبعني ورفشك.
 
اتبعني إلى حيث ترقد الجثث الهامدة، هناك نواري جسمينا بين الحجون وكدا"
 
ثم يرسم صورة التلكؤ على صاحبه، فيقول: "أتتلكأ. ولمَ يا صاحبي؟ ألأنك تحب الحياة؟ إن للحياة رجالها، في كل يوم لهم أثر جديد فيها؛ لأنهم ملكوا فجاج الأرض، وذللوا من البحار، وسيطروا على الهواء، ورادوا الجبال في كنوزها؛ فأسلمتهم مفاتيحها والحديد، فعكفوا على تسخيره في مختلف شؤونهم". ليقول في نهاية المقال:
 
"أرجل أنا وأنت؟ إذن أين هي مميزات الرجولة وأنفتها وإباؤها؟
 
الحق - والحق أقول لك - إنني وإياك لا نستحق الحياة، فهلمَّ هلمَّ برفشك واتبعني.
 
اتبعني وتعال نحتفر لأنفسنا هناك في حضن الأبد مأوى نهائيًا..."
 
وقد حرص أدباء المنطقة في هذه المرحلة على إظهار أدبهم خارج البلاد، وخصوصًا في مصر، حيث أدباؤها المشهورون، ومجلاتها الأدبية، ومنها مجلة الرسالة. فالعطار يهدي ديوانه الأول إلى العقـاد والمازني ويصدره برسالة (طه حسين) إليه في شأن ديوانه، والزمخشري يهدي ديوانه إلى الدكتور محمد حسين هيكل، والفلالي يهدي رباعياته إلى علي محمود طه، ويصدِّر هذه الرباعيات بمقدمة له  .  وحين نستعرض الأسماء التي كتبت في مجلة (الرسالة) نجد مشاركات لعدد من أدباء المنطقة، منهم:  
 
إبراهيم هاشم فلالي، وأحمد عبدالغفور عطار، وأحمد محمد جمال، وأحمد علي المكي، وعبدالقدوس الأنصاري، وحسن عبدالله القرشي، وعبدالمجيد شبكشي
 
شارك المقالة:
188 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook