المحتوى

حسرة

الكاتب: المدير -
حسرة
"حسرة




بعد خروجي من قاعة الاختبار ألقيتُ نظرةً سريعة على الأسئلة، ووجدتُ أني تركت سؤالًا من دون إجابة! أصابني ذهول، وغَشِيني من الهمِّ والحسرة ما لا أستطيع وصفه، زاد ذلك أني كنتُ أعرف الجواب! جعلتُ أتأمَّل وأتأمَّل، بعدها خاطبتُ نفسي قائلًا: لو كان همك وحسرتك على فواتِ شيء من أمر الدين، وتقصيرك في أوامر رب العالَمين، كحسرتِك على ما فات مِن أمر الاختبار، فوالله إني لأرجو نجاتك!

 

سمعتُ بداخلي صوتَ قارئ يتلو ويُردِّد: ? وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ? [مريم: 39]، نعم يوم الحسرة، الحسرة التي هي أشد الندم، والتلهف على الشيء الذي فات، ولا يمكن تدارُكُه، فلقد أضاف اليوم إلى الحسرة؛ لكثرة ما يحدُثُ فيه من التحسُّر!

 

فيا نفسُ، تذكَّري أن أنفسًا في ذلك اليوم ستقول: ? يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ? [الزمر: 56]، واحذري، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: فليس مِن نفسٍ إلا وهي تنظرُ إلى بيتٍ في الجنة وبيت في النار، قال: وهو يوم الحسرة، فيرى أهلُ النار البيتَ الذي في الجنة، قال: ثم يقالُ لهم: لو عمِلتم، فتأخذهم الحسرةُ، ويرى أهل الجنة البيتَ الذي في النار، قال: فيقال لهم: لولا أَنْ منَّ الله عليكم.

 

تذكَّرتُ حالنا وحال مَن سبق، شتَّان بين مَن يتحسر على دينه ومَن يتحسر على دنياه، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: كان السلف الصالح يُحِبُّون جمعَ كلِّ فضيلة، ويبكون فواتَ واحدة منها، فهذا ابن عمر رضي الله عنهما لَمَّا بلغه أجرُ مَن تبِع جنازة، أن له قيراطًا، قال: لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة!

 

وجاء قوم يطلبون مِن الرسول صلى الله عليه وسلم المشاركة في الجهاد ولكن لضيق ذات اليد قال لهم: ? لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ? [التوبة: 92].

وآخر يُعزَّى، فقيل: ما شأنه؟ قالوا: فاتَتْه صلاة الجماعة!

وسمِع أحدُهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غُرِست له نخلةٌ في الجنة))، فيقول: سبحان الله؛ كم فاتَنا من النخلات!

 

وقال إبراهيم بن أدهمَ: دخَلْنا على عابدٍ مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: ما لك تبكي؟ فقال: ما اغبرَّت في سبيل الله!

 

وبكى أحد السلف، فقيل له: ما يُبكِيك؟ قال: على يومٍ مضى ما صُمْتُه، وعلى ليلة ما قمتُها!

ولكن الفرق بيننا وبينهم أنَّ (مَن قرَّت عينُه بالله قرَّت به كلُّ عين، ومَن لم تقرَّ عينه بالله تقطعت نفسُه على الدنيا حسراتٍ)!

 

و(الناس في هذا الحزن والتحسر على قسمين:

• أصحاب الحزن الكاذب، وهم يُصِرُّون على تكرار الأخطاء، ويدَّعون الحزن.

• وأصحاب الحزن الصادق، وهم الذين يحزنون على فوات الطاعة، ويُتبِعون ذلك بالجد والاجتهاد).

 

قال ابن عقيل في الفنون:

مِن عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرةُ ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسُّر على الأرزاق، بذمِّ الزمان وأهله، وذكر نكد العيش فيه، وقد رأَوا من انهدام الإسلام، وشعث الأديان، وموت السُّنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضي العمر في الفارغ الذي لا يُجدِي، والقبيح الذي يُوبِق ويُؤذِي - فلا أجدُ منهم مَن ناح على دينه، ولا بكى على فارطِ عمره، ولا آسَى على فائتِ دهره، وما أرى لذلك سببًا إلا قلة مبالاتهم بالأديان، وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح؛ يرضون بالبلاغ، وينوحون على الدين).

وقفة: قيل: الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها - من علامات الاغترار.


"
شارك المقالة:
13 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook