حضارة دلمون بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حضارة دلمون بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

حضارة دلمون بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
تجب الإشارة إلى أن مصطلح دلمون لا يقتصر على جزيرة البحرين فقط، بل يشمل جميع السواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية من الكويت شمالاً وحتى سلطنة عُمان جنوبًا، وكانت أهم مراكزها جزيرة البحرين وواحات المنطقة الشرقية، مثل: الهفوف، والقطيف؛ بسبب غنى هذه الواحات بالمواد الأولية التي يتكرر ذكرها في المصادر السومرية  
وشكَّل العثور على أعداد كبيرة من الأواني الفخارية المتميزة برقابها ذات الحافة الحمراء في المنطقة الشرقية دليلاً على ارتباطها الوثيق بحضارة دلمون، ويؤكد ذلك الأختام الدلمونية المكتشفة في المدافن الركامية بالظهران التي اشتهرت بها حضارة دلمون في المنطقة الشرقية والبحرين، ويميل بعض الباحثين إلى أن كثيرًا من المقابر الركامية في البحرين تعود إلى رفات أشخاص من خارج الجزيرة تم دفنهم فيها؛ لاعتقادهم بقدسيتها، وهذا يفسر العدد الكبير من المقابر الموجودة في الجزيرة، إذ تصل إلى نحو مئتي ألف مدفن تغطي نحو 20 ميلاً مربعًا  
 
وما لا شك فيه أن مراكز الحضارة الدلمونية في المنطقة الشرقية سبق ظهورها في البحرين، ويستدل على ذلك من خلال اللقى الأثرية، ووجود أعداد كبيرة من المدافن الركامية في عدد من المواقع، مثل: يبرين، وبقيق، والظهران، وتسبق مدافن بقيق مثيلاتها في البحرين، إذ يعود تاريخ هذه المدافن إلى نحو 3000 سنة قبل الميلاد، فقد أسفرت أعمال التنقيب التي تمت في المدفن (29ب) جنوب الظهران عن تحديد تاريخ الدفن بين سنة 3000 و 1700 ق.م بناء على المعثورات الأثرية ونتائج التحليل الكربوني  
 
إن أول ظهور لدلمون في السجلات التاريخية يرجع الفضل فيه إلى السومريين واختراعهم الكتابة، إذ تشير الكتابات المسمارية إلى تجارة المدن السومرية، مثل: أور، وأريدو مع دلمون، بالإضافة إلى ارتباط دلمون بمعتقداتهم الدينية.
وإن أقدم إشارة إلى دلمون تعود إلى نحو 3000 سنة قبل الميلاد، حيث كان يوجد أحد موظفي ضرائب دلمون في المنطقة الشرقية  
 
ونتيجة للموقع الإستراتيجي والموارد الطبيعية فقد حظيت دلمون باهتمام السومريين والأكاديين، حيث قام سرجون الأكادي 2369 - 2325 ق.م بإرسال ثلاث حملات عسكرية على الأقل للسيطرة على المملكة التي تقع في البحر الأسفل (الخليج العربي)، ونصح خلفاءه بأهمية السيطرة على المدينة 
ويذكر الملك الأكادي منشتوسو 2306 - 2292 ق.م أنه تجمع 32 ملكًا لحرب قواته على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية  
 
وفي عهد الدولة البابلية القديمة بلغت دلمون قمة ازدهارها الاقتصادي حيث أصبحت الواردات البابلية تأتي عن طريق التجار الدلمونيين الذين نجحوا في جعل موانئ دلمون مركزًا للاستيراد والصناعة في عمليات منها: تنقية النحاس وصهره قبل تصديره على شكل قوالب  
 
ساعدت النصوص المكتشفة في العراق على تحديد موقع مملكة دلمون؛ ففي أحد نصوص الملك سرجون الآشوري الذي تناول حملته على ملك بيت أكين بسبب ثورته على والده، يشير إلى قيامه بغزو مملكة بيت أكين حتى حدود مملكة دلمون، وتقديم ملكها أبيري الهدايا والطاعة، وقد حدد النص وقوع دلمون في وسط البحر المر (الخليج العربي)، واستنتج جفيري بيبي أن إشارة النص إلى اتصال دلمون بحدود بيت أكين يدل على امتداد مناطق دلمون إلى ساحل المنطقة الشرقية  
 
كما توجد مجموعة أخرى من النصوص التي تربط بيت أكين بشبه الجزيرة العربية ودلمون، ومن هذه النصوص نص الملك الآشوري سنحريب الذي دوّن عن حملته على بيت أكين ما يأتي: لقد قمت بنقل سكان بيت أكين مع آلهتهم، كما نقلت شعب ملت الأم، ولم يهرب أي مذنب؛ فوضعتهم جميعًا في السفن وأحضرتهم إلى هذا الجانب ثم شرعت في طريقي إلى أشوريا، كما أنني دمرت وخربت وحرقت مدن هذه الأقاليم وحولتها إلى أكوام وخرائب  
 
وفي نص آخر يذكر سنحريب هروب ملك بيت أكين في مجموعة من السفن عبر البحر المر إلى عيلام (إيران)، ما يؤكد أن مملكة بيت أكين تقع على السواحل الغربية للخليج العربي، وأن مملكة دلمون المجاورة لها تقع على الساحل نفسه جنوب مملكة بيت أكين  .  ويرى عدد من المؤرخين والآثاريين أن المراكز الأولى للحضارة الدلمونية نشأت في المنطقة الشرقية، بسبب البيئة الغنية للمنطقة، وسهولة النقل البري في تلك الفترة.
 
وقد حدث تحول مراكز الحضارة الدلمونية إلى جزيرة البحرين في فترة متأخرة نسبيًا، نحو منتصف الألف الثالث قبل الميلاد؛ بسبب الهجمات المتواصلة لقبائل أهل البادية من المناطق الداخلية، ولقد وفر انتقالهم إلى الجزيرة الحماية الطبيعية للمملكة ولاقتصاد دلمون   
 
ويستدل على ذلك من المصادر الدلمونية التي تشير إلى هجمات قبائل الأخلامو والسوتو ونهبهم المستمر للقوافل المرسلة إلى الدولة الكيشية في العراق، ويرى بعضهم أن كلمة الأخلامو ربما تعني الآراميين الذين برزوا خلال منتصف الألف الثاني قبل الميلاد  
 
فقد ذكر النص الذي كتبه أحد حكام دلمون (اللي - يباسرا) في عام 1370 ق.م وقوع مراكز مهمة للدلمونيين في المنطقة الشرقية تحت سيطرتهم بقوله: إن الأخلامو يحيطون بنا، وقد قاموا بأخذ جميع التمور، ولا أستطيع القيام بشيء ضدهم، ولكن لن أسمح لهم بنهب أي مدينة  . 
 
وتبرز أهمية دلمون في الأدب السومري من خلال ربطها بأساطير الخلود والجنة السومرية، كما نسبوا إليها اختراع الزراعة، وطرق الري، والعلوم، وأنها مركز الآلهة السومرية  
 
وقد استمرت هذه المكانة الدينية العالية للدلمونيين حتى بعد سقوط السومريين وقيام الحضارة الأكادية والبابلية، ويبرز بشكل أكبر دور المنطقة في المصادر السومرية عند الحديث عن التجارة، حيث استورد السومريون من دلمون أو عن طريقها عددًا من السلع، مثل: التمور، والمعادن، والأخشاب، واللؤلؤ، والأحجار الكريمة.
 
ومن المهم التأكيد على أن النظام التجاري في الخليج العربي لم يكن قاصرًا على تصدير المواد الأولية واستيرادها فحسب، لأنه لا يمكن لأي نظام تجارة عالمي التعامل بالمواد الأولية فقط، بل هو نظام متكامل يشمل المواد الأولية، والمنتجات الزراعية، والمصنوعات، وكانت سلع وادي الرافدين والهند تشمل المنتجات الزراعية والمصنوعات التي تمر عبر موانئ دلمون إلى مناطق تصدير المواد الأولية في مجان وملوخا. يعود بروز دلمون إلى موقعها التجاري بين حضارة الهند وبلاد الرافدين، إذ كان الخليج العربي في تلك الفترة يشكل المعبر الرئيس للتجارة الدولية، وكانت التجارة الدولية تمر من دون الحاجة إلى مشاركة الدلمونيين في نقل التجارة؛ فقد كان وجود الماء والطعام أمرًا ضروريًا للرحلات البحرية الطويلة المتجهة إلى مجان في عُمان حيث مناجم النحاس، أو إلى بلاد وادي السند حيث حضارات ملوخا وهارابيا، ولم يقتصر التبادل الحضاري والاقتصادي على الطريق البحري فقط، بل يوجد عدد من الدلائل على استخدام الطرق البرية؛ ما يجعل مدن المنطقة الشرقية من المراكز الرئيسة لحضارة دلمون  
 
وفي مرحلة لاحقة كان الدور الأساسي لدلمون هو القيام بدور الوسيط في نقل البضائع بين حضارتي الهند وبلاد الرافدين، وكذلك مناطق مجان وملوخا، بسبب تطور التجارة الدولية والحاجة إلى التنظيم والإشراف، وبحكم موقعها الجغرافي المتوسط بين مناطق التصدير والاستيراد، فقد أسهمت في التنظيم والإشراف على التجارة العالمية وتقديم الخدمات للتجار والبحارة خلال رحلاتهم الطويلة.
 
كانت التجارة تمر عبر السواحل الغربية للخليج العربي؛ بسبب توافر الموانئ المناسبة للرسو، وقربها من الواحات الغنية بالمياه العذبة والمؤن، ولذلك انتشرت المستوطنات على طول سواحل المنطقة الشرقية، ونظرًا لارتفاع منسوب المياه في الخليج منذ نحو 4000 ق.م، فإن عددًا من المستوطنات ربما اختفى تحت مياهه الحالية.
 
ولم تكن التجارة قاصرة على الطرق البحرية، بل قامت الطرق البرية بدور حيوي في مجال نقل البضائع على امتداد الساحل الشرقي، ويمكن الاستدلال على استخدام الطرق البرية من النصوص المكتشفة في مدينة إيبلا في سورية التي تشير إلى وجود التجار الدلمونيين في المدينة  
 
وكنتيجة طبيعية لانخراطهم في التجارة الدولية وتمرس السكان في التعامل التجاري بدأت دلمون في السيطرة على هذه التجارة انطلاقًا من الألف الثالث قبل الميلاد، إذ شهد ازدياد ذكر تجارة دلمون في الكتابات الأكادية، في الوقت الذي تقلص فيه ذكر تجارة مجان وملوخا، وقد شهدت الحقبة الأخيرة من الحضارة الدلمونية اختفاء أسماء مجان وملوخا من الكتابات البابلية والآشورية ونسبة السلع القادمة من هذه المناطق إلى الدلمونيين؛ ما يدل على احتكار الدلمونيين للتجارة القادمة من جنوب الخليج العربي والهند  
 
انعكس تطور التجارة في الخليج على التطور السياسي في المنطقة، وازدهار مراكزها الحضارية بشكل عام، وأصبحت قبلة للتجارة والعلاقات الدولية، وعلى الرغم من هذه التطورات فقد حافظت دلمون على طبيعتها التجارية، ولم تزودنا المصادر بأي محاولات توسعية للدلمونيين على حساب جيرانهم في بلاد الرافدين، ومن الموضوعات الغامضة بالنسبة إلى دلمون، عدم العثور على سجلاتهم التجارية أو نقوش يمكن الاستفادة منها في تأريخ هذه الحضارة التي من المؤكد أن تجارها وملوكها الذين يرد ذكرهم في كتابات بلاد الرافدين، قد استخدموا الكتابة لتوثيق تعاملاتهم التجارية مع السومريين، والبابليين، والآشوريين.
ولا توجد صعوبة في تحديد صادرات تلك الفترة ووارداتها، ويعود الفضل في ذلك إلى العدد الكبير من الكتابات السومرية والبابلية التي سجلت بدقة أنواع هذه البضائع وكمياتها التي طغت عليها المواد الأولية.
 
ويمكن تقسيم هذه البضائع إلى مجموعتين، اشتملت المجموعة الأولى منهما على المواد الأولية، مثل: النحاس، والبرونـز، والحديد، والعاج، والأحجار الكريمة، والأخشاب، وهي البضائع التي كان الدلمونيون يستوردونها من مجان في جنوب الخليج العربي ومن السند، أما المجموعة الثانية فقد كانت تصدر عن المراكز الدلمونية، ومنها: التمور، والبصل، والأخشاب، واللؤلؤ، والنفط 
وكان للتمور المصدرة من الواحات الدلمونية في المنطقة الشرقية مكانة خاصة لدى السومريين، وفي مقابل هذه البضائع كان يتم استيراد القمح، والشعير، والدقيق، والزيوت، والمنسوجات الصوفية، والمصنوعات المعدنية من الذهب، والفضة، والنحاس، حيث كانت ترسل إلى المعابد والقصور الملكية 
 
ونستدل على أهمية دلمون من خلال وجود تجارها في المدن السومرية، مثل: أور، ولاجش، وتقديمهم النذور إلى الآلهة السومرية والدلمونية، وتدل النصوص التي تم اكتشافها على أن نشاط هؤلاء التجار لم يقتصر على نقل البضائع من دلمون فقط بل إنهم أسهموا في التجارة الداخلية بين مدن آشور، وماري، وبابل وغيرها من المراكز الحضارية في منطقة الهلال الخصيب، وللتعرّف إلى أحد هؤلاء التجار تشير نصوص مدينة أور خلال فترة حكم الملك ريم سن 1822 - 1763 ق.م إلى تعامله في بيع الأقمشة والحبوب وشرائها وتقديم القروض، غير أن نشاطه الرئيس - كما تبين المراسلات - تركز على تجارة المعادن، خصوصًا النحاس، وبكميات كبيرة 
وتكمن أهمية هذه النصوص في أن ملكيتها تعود إلى أحد تجار الدلمونيين (أي - ناصير) الذي كان يدير تجارة ضخمة من أور مع عدد من المعابد والتجار المحليين في المدن السومرية، وقد بلغت كمية النحاس التي يتعامل بها في أحد النصوص نحو 18.5 طنًا
ولم تقتصر التجارة على المدن السومرية فقط، بل عثر في الألواح المكتشفة بمدينة إيبلا في سورية على عددٍ من النصوص التاريخية التي تعود إلى نحو 2500 ق.م، أي خلال الفترة التي شهدت ازدهار مراكز الحضارة الدلمونية في المنطقة الشرقية  
 
وقد أعطت المعابد السومرية معلومات أكثر عن التجار والبضائع الدلمونية من خلال تعامل هذه المعابد في التجارة أو الهدايا التي تقدم إلى المعابد؛ ففي معبد نينقل في أور عثر على عدد من الرُّقم الطينية التي تقدم معلومات دقيقة عن البضائع المستوردة والمصدرة لدلمون، مثل: النحاس، واللؤلؤ، والذهب، والفضة، والعاج، والأخشاب، والأحجار الثمينة، مثل: اللازورد، والدوريت، والتمور، وزيت السمسم، والملابس، ومن المؤكد أن بعض هذه البضائع لم يكن مصدرها دلمون، مثل: العاج، واللازورد، والنحاس، وأن دلمون قامت بدور الوسيط في هذه التجارة الدولية، كما ذكر أحد نصوص المعبد السابق أنه تم إقراض تاجرين كميات من الفضة وزيت السمسم، وثلاثين قطعة ملابس لأجل حملتهم التجارية إلى دلمون لشراء النحاس 
 
وفي المنطقة الشرقية قامت جزيرة تاروت بدور مهم بوصفها حلقة وصل بين المراكز السياسية والتجارية في جزيرة البحرين والواحات الداخلية، في مجال نقل المنتجات المحلية، وبخاصة التمور والأخشاب، ويستدل على ذلك من طبقات الاستيطان المتعددة من تلك الفترة، والعثور على كميات كبيرة من كسر الفخار الدلموني الذي ينتشر في الموقع، كما عثر في الموقع على بعض الآثار، ومن أهمها تمثال من الحجر الجيري لرجل في وضع العبادة  يبلغ طوله نحو المتر، وقد تم تحديد الفترة الزمنية لهذا التمثال ببداية الألف الثالث قبل الميلاد، ويمكن مقارنة ذلك التمثال بالتماثيل السومرية خصوصًا في تقاطيع الوجه وأسلوب النحت 
لم تكن تاروت المركز الوحيد في مجال الاتصال السياسي والتجاري بالبحرين، بل قامت مراكز أخرى، مثل: مستوطنة بقيق، وواحة يبرين، إذ أظهرت المسوحات الآثارية وجود عدد كبير من المدافن الركامية  التي تشبه مثيلاتها في البحرين، وقد قدر عدد مدافن الظهران بنحو 2520 مقبرة، كما شكَّلت واحة يبرين الواقعة جنوب الأحساء أحد مراكز الحضارة الدلمونية من خلال وجود آلاف المقابر الركامية 
 
تم الكشف عن عددٍ من الأختام الدلمونية التي تؤكد مدى ارتباط سكان المنطقة بالجزيرة وعمق الصلات الحضارية والتجارية، وكذلك اكتشفت أختام تعود إلى حضارة جمدة نصر والوركاء في العراق  .  إن العثور على عددٍ من اللقى الأثرية، مثل: أختام حضارة السند والتماثيل السومرية في موقع الرفيعة في جزيرة تاروت وغيرها من المواقع يؤكد ارتباط المنطقة بحضارة بلاد الرافدين، وحضارة السند، ودورها بوصفها حلقة وصل بين هاتين الحضارتين  .  ويبرز التقارب بشكل واضح مع الهند والسند عند مقارنة الأختام المكتشفة في مراكز الحضارة الدلمونية وأختام تلك المناطق، سواء في طريقة صناعة الأختام أو موضوعاتها التي تأثرت بها، كما يتضح هذا التقارب أيضًا في اعتماد الدلمونيين على المقاييس الهندية عوضًا عن المقاييس المستخدمة في بلاد الرافدين  
 
لم تقتصر علاقات دلمون ببلاد الرافدين فقط بل امتدت صلاتها الحضارية لتشمل عددًا من المناطق الأخرى، مثل: مصر، والهند، وإيران؛ فقد عثر في أحد مراكز الحضارة العيلامية في إيران على معبد لإله الدلمونيين (إنـزاك)؛ ما يدل على وجود جالية كبيرة من الدلمونيين لرعاية المصالح التجارية والسياسية بين المملكتين  .  وفي ميناء العقير تم العثور على إناء من المرمر من سوسة يعود إلى العصر الأخميني، وأختام أسطوانية تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد  .  كما تم الكشف عن عدد من الأختام الفرعونية في مدافن الظهران وكذلك أختام محلية حاول صانعوها تقليد الأختام المصرية؛ بما تحمله من رموز مصرية تمثل الإله حورس، والتاج الأعلى، والتاج الأسفل لمصر  .  وأيضًا تم العثور في قلعة تاروت على وعاء من وادي السند، وهو معروض حاليًا في المتحف الوطني في الرياض  
 
وكما عاصرت دلمون فترة طويلة من الاستقرار السياسي والحضاري خلال الألف الثالث قبل الميلاد، فإنها تأثرت بالتطورات السياسية التي شهدها الشرق الأدنى خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد. فقد دخلت مناطق الهلال الخصيب ومصر مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة غزو قبائل عدة، مثل: الهكسوس وتدميرهم المراكز السياسية والحضارية في الشرق الأدنى، كما تزامن مع موجة الفوضى سقوط مراكز الحضارة في الهند والسند لأسباب غير معروفة  .  وقد أدت التطورات السياسية إلى تحول مراكز القوى من الخليج العربي إلى البحر المتوسط الذي بدأ يتبوأ مركز الريادة في الصلات الحضارية والتجارية منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد، وأصبح دور الخليج العربي هامشيًا حتى بداية الألف الأول قبل الميلاد.
وعلى الرغم من ذلك استمرت دلمون في تجارتها البحرية مع العراق، إذ تذكر المصادر الآشورية والبابلية استمرار التجارة مع ملوك دلمون، وسَعْي الآشوريين والبابليين إلى فرض سيطرتهم على دلمون.
 
وظهور بعض الدلائل التي تشير إلى ضعف النشاط التجاري مع المنطقة في بداية الألف الأول قبل الميلاد، بسبب تحول هذا النشاط إلى المناطق المحيطة بالبحر المتوسط، من دون الإشارة إلى العلاقات التجارية؛ حيث تؤكد نصوص الملك سرجون الثاني والملك سنحريب من القرن الثامن قبل الميلاد تمسكهم بلقب ملك دلمون بجانب المناطق الأخرى؛ فقد ذكر الملك سرجون الثاني هزيمته لملك دلمون إبيري، وقاد الملك سنحريب حملة على بيت أكين أدت إلى هروب ملكها إلى إيران وخضوع المملكة للآشوريين
قاد الملك أسرحدون حملة ضخمة ضد عدد من ملوك خازو وبازو التي يرى بعض الباحثين احتمال وجودها في شرق شبه الجزيرة العربية، وأن خازو هي الأحساء  ،  وقد نتج من الحملة مقتل عدة ملوك، هم: قيسو ملك خلديلي، وأكبرو ملك البياتي، ومنسك ملك مجلاني، ويأفا ملكة دخراتي، وخبيصو ملك قدابأ، ونخارو ملك جعباني، وبائلة ملكة اخيلو، وجبن ملك بداء، وليلي ملك ياديا الذي عينه أسرحدون ملكًا على خازو وبازو  
 
وترد في نصوص الملك الآشوري آشورباتيبال 668 - 631 ق.م سيطرته على دلمون وتقديم ملوكها عددًا من الهدايا القيِّمة من النحاس والأخشاب والمواد المصنعة؛ ما يدل على غنى المدينة واستمرار أهميتها التجارية 
وخلال العصر البابلي الأخير استمرت محاولات السيطرة على المنطقة الشرقية حتى عهد آخر ملوكهم الملك نبونيد 557 - 539 ق.م، فقد ذكر نص من عام 544 ق.م قيام ملك دلمون بدفع الإتاوة إلى الملك البابلي نبونيد  
ويدل تكرار هذه النصوص وكثرتها على وجود دول وإمارات مستقلة في شرق شبه الجزيرة العربية كانت تنعم بقدر كبير من الاستقلالية؛ ما دفع الآشوريين والبابليين إلى إرسال الحملات المتعاقبة لإخضاعها والسيطرة عليها.
 
أدى قيام الإمبراطورية الأخمينية 562 - 331 ق.م إلى ضعف الاهتمام بالمنطقة، فلم يتم العثور على أي نص يشير إلى مملكة دلمون أو الدلمونيين؛ ما قد يدل على سقوط المملكة وانحسار أهميتها في تاريخ المنطقة، والنص الوحيد الذي عثر عليه يعود إلى فترة الملك داريوس 521 - 485 ق.م، إذ ورد في أحد النصوص ذكر هجر ضمن الشعوب الخاضعة للدولة الأخمينية الذين قدموا الجزية إلى الملك داريوس، وقد تم ربط هذا الاسم بالمنطقة الشرقية  
ويرجح أن المنطقة الشرقية تقع ضمن أراضي البحر التي تذكر المصادر الإغريقية أنها كانت خاضعة للحكم الإخميني، ويذكر هيرودوتس أن الملك دارا قام بإسكان مجموعة من الأسرى الإغريق في مستوطنة أمبي (Ampe) على ساحل الخليج العربي  
وربما يعود اضمحلال دور المنطقة التجاري إلى رغبة الأخمينيين في تحويل الخليج العربي إلى بحيرة داخلية خوفًا من غزو خارجي؛ ما دفعهم إلى تحويل التجارة إلى البحر الأحمر، وبالتالي إضعاف التجارة البحرية في الخليج العربي  .
 
شارك المقالة:
58 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook