حكم اجهاض الجنين المشوه

الكاتب: مروى قويدر -
حكم اجهاض الجنين المشوه

حكم اجهاض الجنين المشوه.

 

 

حكم الإجهاض:

 

كلمة الإجهاض مشتقّة من الفعل أجهض، ويُقال: ساهم في إجهاض المشروع؛ أي في إفساده وإرباك إنجازه، ويُعرّف الإجهاض لغةً بخروج الجنين من الرحم قبل الشهر الرابع،[١] وأمّا بالنسبة لحكم الإجهاض فقد أجمع العلماء على حُرمته بعد تمام الجنين الطور الثالث، حيث ينفخ في الجنين الروح، ويصبح إجهاضه قتلاً للنفس التي حرم الله، ويكتمل الطور الثالث من الحمل بعد مرور مئةٍ وعشرين يومٍ على الحمل، وفي الحقيقة ثمة العديد من الأقوال في حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح؛ فقد قال فريقٌ من الحنفية بجواز الإجهاض ما لم يتخلّق شيئاً من الجنين، والمقصود من التخلّق في قولهم هو نفخ الروح، وقال الرملي: (لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيّل الجواز قبل نفخ الروح)، وانفرد اللخمي من المالكية، وأبو إسحاق المروزي من الشافعية بإباحة الإجهاض قبل بلوغ الحمل الأربعين يوماً، وكذلك ورد قول للحنابلة بجواز الإجهاض في بداية الحمل، وبالتحديد قبل أن تصبح النطفة علقة، وذكر ابن عقيل أنّه لا يُبعث ما لم تُنفخ فيه الروح، ولذلك لا يحرم إسقاطه، وقال فريقٌ من العلماء بحرمة الإجهاض، وهو المعتمد عند المالكية، والأوجه عند الشافعية، وهو مذهب الحنابلة مطلقاً، حيث روى ابن رشد أنّ الإمام مالك قال: (كلّ ما طرحته المرأة جناية، من مضغةٍ، أو علقةٍ، ممّا علم أنّه وُلد ففيه الغرّة)، وعلّل الشافعية التحريم بأنّ النطفة بعد الاستقرار مهيأة لنفخ الروح، وقال الدردير: (لا يجوز إخراج المني المتكوّن في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً)، ومن العلماء من قال بالكراهة مطلقاً، وهو قولٌ محتملٌ عند الشافعية، ورأي عند المالكية فيما قبل الأربعين يوماً، وقول علي بن موسى من فقهاء الحنفية.

 

حكم إجهاض الجنين المشوه:

 

اختلف علماء العصر في حكم إجهاض الجنين المشوّه، فقال بعضهم يجوز في حال ثبتت تشوّهات الجنين بشكلٍ يقينيّ، ولم يبلغ الحمل مئةً وعشرين يوماً، بينما قال الجمهور بعدم جواز إجهاض الجنين المشوّه إلّا قبل بلوغ اثنين وأربعين يوماً من الحمل، فإذا بلغ الحمل اثنين وأربعين يوماً فلا يجوز إجهاض الجنين مهما كانت درجة التشوّه، إلّا إذا شكّل خطراً على الحامل، وقد بيّن الشيخ يوسف القرضاوي أنّ بعض العلماء المعاصرين يجيزون الإجهاض بعدّة شروطٍ أساسيةٍ؛ وهي: التأكّد من أنّ التشوهات غير معتادة، فلا يجوز الإجهاض بسبب العمى، أو الصمم، أو الشلل، وأن يكون الفريق الطبيّ الذي يُثبت التشوّهات على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة، والأمانة، ويشترط عدم بلوغ الحمل مئةً وعشرين يوماً، وبعد ذلك خلص الشيخ إلى أنّ الأصل في الإجهاض الحُرمة، وكلّما استقرّ الجنين في رحم أمّه كانت الحُرمة أعظم، حيث يكون الإجهاض في الأربعين الأولى أخفّ حُرمةً، وقد يجوز لأعذارٍ معتبرةٍ، وبعد الأربعين تصبح الحُرمة أعظم، ولا يجوز الإجهاض إلّا لأعذارٍ أقوى يحدّدها العلماء، وبعد مرحلة نفخ الروح تتضاعف الحُرمة، وذلك بعد مئةٍ وعشرين يوماً، وبعد ذلك لا يجوز الإجهاض إلّا لحالات الضرورة القصوى، التي تثبت يقياً لا شكّاً، والضرورة في رأي الشيخ القرضاوي لا تكون إلّا إذا شكّل الجنين خطراً على حياة الأم، ففي تلك الحالة يجوز إجهاض الجنين؛ لأنّه فرع، ولا يُستغنى عن الأصل من أجل الفرع، ولكنّ بعض الفقهاء لم يجيزوا إجهاض الجنين حتى في تلك الحالة، حيث قال الحنفية في كتبهم: (إمرأةٌ حاملٌ اعترض الجنين في بطنها فلا يمكن إخراجه إلّا بقطعه أرباع، ولو لم يُفعل ذلك يُخاف على أمّه الموت، فقالوا: إن كان الولد ميتاً فلا بأس، وإن كان حياً لا يجوز؛ لأنّ إحياء نفساً بقتل نفسٍ أخرى لم يرد في الشرع)، فقال الشيخ تعليقاً على رأيهم: (ولكنّ الشرع ورد بارتكاب أخفّ الضررين وأهون المفسدتين)، وهذا وقد أشار بعض العلماء المعاصرين إلى ضرورةٍ أخرى، وهي الإثبات بشكلٍ قطعيٍ من قِبل مجموعة من الأطباء لا طبيبٍ واحدٍ، أنّ الجنين سيتعرّض لتشوّهاتٍ خطيرةٍ تصعب الحياة في ظلها، وتجعل حياته وحياة أهله معاناةً، وذلك وفقاً لقاعدة دفع الضرر بقدر الإمكان.

 

عقوبة الإجهاض الدنيوية:

 

ممّا يدلّ على أهمية حياة الجنين في الشريعة الإسلاميّة، أنّ الله تعالى- أباح للأم الحامل أن تُفطر في رمضان إن خافت على طفلها من الصيام، بالإضافة إلى تحريم الاعتداء عليه حتى لو كان المعتدي أبويه، أو أمّه التي حملته، بل وحتى إن كان الجنين نتيجة الزنا؛ فلا يجوز إجهاضه، فهو مخلوقٌ من مخلوقات الله، لا ذنب له في ذلك الأمر، وممّا يدلّ على ذلك تأخير القصاص عن المرأة المحكوم عليها بالرجم، وذلك حفاظاً على جنينها، كما حصل في قصة المرأة الغامدية، وقد أجمع العلماء على وجوب الدية على من ضرب امرأةً حاملاً فأنزل ما في بطنها حياً ثمّ مات من أثر الضربة، وأمّا إذا نزل ميتاً فتجب عليه الغرّة، والغرّة نصف عشر الدية، وتُفرض كفارةٌ على من قام بالتسبب بالإجهاض مع ما سبق، وهي تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وهذا رأي أكثر أهل العلم، ورأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستدلّوا بقول الله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، ومن الجدير بالذكر أنّه يترتّب على إجهاض الجنين من قِبل أمّه أو أبيه، دفع الغرة لورثة الطفل، وكفّارة تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يرث القاتل من الغرّة شيئاً؛ لأنّ القاتل لا يرث المقتول، ومن أقوال العلماء في عقوبة الإجهاض ما ذكره ابن حزم في المحلى، حيث اعتبر إجهاض الجنين بعد نفخ الروح؛ أي بعد مئةٍ وعشرين يوماً جريمة قتل عمد كاملةً تستوجب كلّ الآثار المترتبة عليها كالقصاص، حيث قال: (إن كان لم ينفخ فيه الروح فعليها الغرّة، فإن كان قد نُفخ فيه الروح ولم تعمد قتله فالغرّة على عاقلتها، وإن كانت قد عمدت قتله فالقود عليها، أو المفاداة في مالها).

شارك المقالة:
92 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook