حكم الأمير عائض بن مرعي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حكم الأمير عائض بن مرعي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

حكم الأمير عائض بن مرعي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
عين الأمير علي بن مجثل قبل وفاته عائض بن مرعي أميرًا على عسير، وقد وافق أهل الحل والعقد من زعماء العشائر وشيوخ القبائل على ذلك  ؛  لما كان يتمتع به ابن مرعي من صفات قيادية متميزة إداريًا وعسكريًا.
 
فلقد تولى ابن مرعي الحكم في عسير والمنطقة بحدودها الواسعة تتهددها قوات محمد علي باشا من الشمال والجنوب؛ لذا قرر الأمير عائض في بداية الأمر توجيه ضربة قوية ضد المنشق عن طاعة عسير الشريف علي بن حيدر أمير أبو عريش الذي رفض مبايعة الأمير عائض، وكان يرى أن أي تبعية أو التزامات مالية تجاه عسير قد انتهت بوفاة الأمير علي بن مجثل، وكان يقوي جانبه ويزيد من عناده وتحديه وجود قوات محمد علي باشا في أبو عريش.
 
اتجه الأمير عائض بقواته نحو أبو عريش وبدأ في حصارها عام 1249هـ / 1833م، إلا أن أميرها الشريف علي بن حيدر تمكن من صد الهجوم بمساندة حقيقية من الحاميات التابعة لمحمد علي باشا، فاضطرت قوات الأمير عائض إلى فك الحصار والعودة إلى عسير 
 
على أن ما قام به أمير أبو عريش وحاميات محمد علي فيها لم يكن هو السبب المباشر في عودة قوات عسير إلى بلادها، وإنما يعود السبب الرئيس إلى وصول الأخبار بتوجه محافظ الحجاز أحمد باشا على رأس قوة كبيرة تجاه عسير.
 
اشتبكت قوات أحمد باشا مع قوات الأمير عائض بن مرعي بالقرب من خميس مشيط، وانتهت تلك المعركة بهزيمة قوات عسير عام 1250هـ / 1834م  
 
ولم تفتَّ هذه الهزيمة في عضد الأمير عائض بن مرعي وقواته، بل زادتهم إصرارًا على مقاومة المحتل، فقد تمكن ابن مرعي من لمِّ شمل قواته، ورتب أمورهم، وأرسل قادته للتمركز في النقاط الرئيسة، ما دفع بمحمد علي باشا إلى التوجيه بإرسال قوة كبيرة يقودها الشريف محمد بن عون الذي تمكن في بداية الأمر من تحقيق انتصارات كبيرة على قوات عسير، ثم تقدم حتى وصل إلى طبب بعد أن طلب الأمان مجموعة من كبار عسير، فأعطاهم الشريف محمد بن عون الأمان. أما الأمير عائض فقد انتقل بمن بقي معه إلى السقا، ومن هناك بدأ في حرب استنـزاف لقوات محمد علي انتهت بتوالي الهزائم على تلك القوات حيث انسحب في النهاية الشريف محمد بن عون وقواته إلى محائل ومنها إلى القنفذة  
 
استغل الأمير عائض بن مرعي فرصة انسحاب قوات محمد علي باشا من عسير، وسفر الشريف محمد بن عون إلى مصر حيث بقي فيها عدة سنوات؛ فتقدم ابن مرعي إلى بيشة وأخرج الحامية التابعة لإمارة مكة، وضمها إلى إمارته عام 1252هـ / 1836م، وبقي فيها قرابة الشهر لتنظيم شؤونها، ثم ترك بها حامية عسيرية وعاد إلى أبها  
 
وفي عام 1253هـ / 1837م جمع الأمير عائض قوة كبيرة من قبائله والتزم السرية في تحركاته ووجهته، وقد أربك هذا التصرف عيون محمد علي باشا في الحجاز، فبدأت الشكوك والتفسيرات حول وجهته، فمن قائل: إنه كان ينوي (القنفذة)  ،  وآخر يقول بأنه سيتجه إلى بيشة  ،  إلا أن الحقيقة تمثلت في توجهه إلى بلقرن ومنها إلى غامد وزهران، ولم يكتفِ بذلك، بل تقدم نحو الحجاز قاصدًا الطائف، إلا أن قوات أحمد باشا تصدت له، وتمكنت من إيقافه وأجبرته على التراجع إلى غامد وزهران  
 
إن تحركات الأمير عائض واندفاعه نحو الحجاز قد أقلقا أحمد باشا ومحمد علي في مصر، فكوّن أحمد باشا قوة كبيرة استطاع بها استعادة منطقة غامد وزهران في أواخر عام 1253هـ / 1837م، وعلى الرغم من ذلك فإن الأمير عائض بن مرعي ظل يراقب قوات محمد علي في بلاد غامد  ،  إضافة إلى ما قام به من إحاطة غامد وزهران بقواته من ثلاث جهات  
 
فكّر الأمير عائض في ضرورة نقل ميدان المعركة إلى قلب قبائل غامد وزهران وتطبيق خطة الهجوم بدلاً من الدفاع لمواجهة قوات أحمد باشا، وإخراجهم منها؛ لذا كوّن جيشًا كبيرًا سار به في شهر محرم 1254هـ / 1838م إلى رغدان من بلاد غامد، والتقى الجيشان في شهر صفر ودارت معركة عنيفة انهزم فيها الأمير عائض هزيمة قاسية، وفقد أعدادًا كبيرة من رجاله، إضافة إلى أن الأمير نفسه جرح في ميدان المعركة  
 
لم تُضعف تلك الهزيمة من عزيمة الأمير عائض، فعندما سعت قبيلة الجهرة من تهامة شهران إلى الإخلال بالأمن وإثارة المشكلات وجه إليها ضربة قاسية أجبرتها على الخضوع والاستسلام  
 
تظاهر الأمير عائض بالاستعداد للهجوم على قوات أحمد باشا محافظ الحجاز، ما أدى إلى انـزعاج المحافظ وقواته.
 
ولما وصلت الأوامر بسحب قوات محمد علي من الجزيرة العربية 1256هـ / 1840م ظهرت هناك محاولة من أحمد باشا للصلح مع الأمير عائض بن مرعي  ،  لعلمه الأكيد بأن إبرام الصلح مع حاكم عسير سيهدئ القبائل التابعة والموالية لحاكم عسير من ناحية، ومن ناحية أخرى سيسهل انسحاب الجند من بيشة وغامد والمخواة والقنفذة بأمان  
 
على أن القبائل التي كانت خارجة على طاعة الأمير عائض عندما علمت بانسحاب قوات محمد علي باشا أعلنت ولاءها وطاعتها للأمير عائض بن مرعي   الذي شعر بالراحة بعد انسحاب قوات محمد علي من الجزيرة العربية بوجه عام وعسير بوجه خاص.
 
بدأ الأمير عائض في إخْضَاع القبائل التي حاولت التمرد أو الخروج على الطاعة، وخلال عام 1256هـ / 1840م سيطر الأمير عائض على الأوضاع في بلاد عسير قاطبة وأرسل جيشًا عسيريًا لمحاصرة الحديدة  . 
 
أما فيما يتعلق بقبيلتَي غامد وزهران فقد تأرجح الموقف في السيطرة عليهما بين الأمير عائض بن مرعي وأشراف الحجاز، وقد وصل نفوذ الأمير عائض جنوبًا حتى حدود صعدة اليمن وباقم.
 
وفي عام 1258هـ / 1842م تمكن الأمير عائض بن مرعي من ضم غامد وزهران إلى إمارته، ولأهميتهما عين عليهما ابنه محمدًا ثم جعل مكانه أخاه يحيى بن مرعي وتم ذلك عام 1269هـ / 1853م.
 
تحسّنت علاقة عسير بالحجاز منذ عام 1270هـ / 1854م، حيث هدأت الأمور العسكرية، وتفرغ الناس للبناء والزراعة بدعم مستمر من حكومتهم، إلاَّ أنَّ مرض الطاعون قد اجتاح منطقة عسير منذ عام 1266هـ / 1850م واستمر لأكثر من سبع سنوات حصد خلالها جموعًا كبيرة من الناس ومن أبرز ضحاياه الأمير عائض بن مرعي نفسه الذي توفي عام 1273هـ / 1857م بعد حكم دام قرابة 24 عامًا  
 
شارك المقالة:
79 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook