حكم الاحتفال بعيد الأم

الكاتب: مروى قويدر -
حكم الاحتفال بعيد الأم

حكم الاحتفال بعيد الأم.

 

 

تعريف العيد:

 

يُقصد بالعيد كل ما يعود ويتكرر ويرجع من الاجتماع العام على وجه معتاد، وقيل: هو يوم سرور وتذكار واحتفال بحدث ديني كعيد الفطر والأضحى، أو حدث تاريخي كعيد الاستقلال، وغيره من الأحداث العزيزة، ويجدر بالذكر أن للمسلمين عيدين دينيَيْن شرعهما الله -تعالى- وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وليس للمسلمين عيد غيرهم إلا يوم الجمعة.

 

حكم عيد الأم:

 

يجدر التنبّه إلى أنّ تكريم الأمّ والإحسان إليها وبرّها واجبٌ شرعيٌّ مطلوبٌ من الأبناء في كلّ وقتٍ وحينٍ، في حال حياتها أو مماتها، وللعلماء في حكم عيد الأمّ أقوالاً، ولكلّ قولٍ مستنده الذي انطلق منها لتبرير الحكم الذي توصّل له به، حيث إن كل الآراء الفقهية الوادرة والتي سيتم عرضها لها مستندها الفقهي وهي معتبرة ولها تأصيلها، وتفصيل أقوالهم على النحو الآتي:

 

رأي المجيزون

 

ذهب مجموعة من أهل العلم إلى القول بجواز وجود يوم للاحتفاء بالأمهات والاحتفال بهنّ وتكريمهنّ، وتفصيل أقوالهم وآرائهم على النحو الآتي:

  • الإفتاء الأردني: إنّ ما تعارف الناس على تسميته بعيد الأمّ، ليس عيداً بالمفهوم الشرعي للعيد، وإن سمّوه عيداً، وإنّما هو يوم يقومون فيه بالتواصل مع أمهاتهم، وتقديم الهدايا لهنّ، من باب الوفاء والاعتراف بفضلهنّ، وقد تعارف الناس في كلّ بلاد العالم على أنّ للأمّ منزلةً خاصةً على من سواها، وتكريم الأمّ بيوم مخصوصٍ ضمن المفهوم السّابق أمرٌ تنظيمي، وليس فيه ما يتعارض مع التّشريع الإسلامي، الذي يؤكد في مواطن كثيرة على أهمية الوفاء والبرّ والشكر للوالدين في كلّ الأوقات والأزمان، فقد قال الله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، كما أنّ مرتبة برّ الوالدين والإحسان إليهما في الإسلام مرتبةٌ عظيمةٌ؛ فهي فريضة واجبة، ولا شكّ أنّ التّجرّأ بالإساءة إليهما أوعقوقهما من كبائر الذنوب، وصدق الله إذ يقول: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
كما أنّ تكريم الأمهات في يوم الأم لا يدخل في مسألة التّشبه المحظور بالأغيار، بل إنّ الفهم السليم له على أنّه من الحكمة التي هي ضالة المؤمن، وحيثما وجدها فهو أجدر وأحقّ بها، ويزداد تأكيد هذا الفهم للمسألة عندما نجد أنّ موضوع برّ الوالدين وإدخال السّرور إلى قلبيهما متعمّق في نصوص الشريعة الإسلامية، ولا يتعارض معها، ويتأصّل هذا الفهم عندما نجد أنّ المسلمين قد صاموا يوم عاشوراء بالرغم من أنّ اليهود سبقوهم في صيامه، وهم يعلمون، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يومها، مع علمهم بصيام اليهود له: (نحنُ أحقُّ بموسى منْكم)؛ فصامه وأمر بصيامه، وقياساً عليه فالمسلمون أحقّ وأولى بتكريم أمهاتهم في هذا اليوم من غيرهم.

 

ولا يصحّ إنزال قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لتتَّبعن سَننَ الَّذين من قبلِكم، شِبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتَّى لو دَخلوا في جُحرِ ضبٍّ لاتَّبعتموهم، قُلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنَّصارَى؟ قال: فمَن؟)، على مسألة تخصيص يومٍ للاحتفال بيوم الأمّ؛ إذ إنّ المقصود بحديث النبي -عليه السلام- نهي المسلمين عن إتباع غيرهم من الأمم في الأمور المحرّمة، وكذلك في أمور خصوصياتهم الدينية، التي لا تتوافق مع شرعة الإسلام وهداه، أما موافقة غير المسلمين في الأمور المباحة والنافعة التي لا تعارض شرع الله -عزّ وجلّ- فلا يدخلها النهي ولا بأس بها، وقد جاء عن القاضي عياض -رحمه الله- تأكيده على هذا الفهم للحديث، وأنّه خاصٌ فيما نهى الشرع عنه وذمه من أمرهم وحالهم.
  • الإفتاء المصري: أكّدت دائرة الإفتاء المصرية على جواز الاحتفال وتكريم الأمّهات في عيد الأم، فليس بالشرع ما يمنع ويحرّم وجود مناسبة تكرّم فيها الأم ويعبّر في الأبناء عن برّهم وفرحهم بأمّهاتم، وقالوا: "إن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع.. أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا، ولا إثم على فاعله"، ويرون أن المشاركة في يوم الأم فيه نشر لقيمة بر الوالدين، ولا يشكّل ذلك مانعاً شرعياً.
  • المجلس الإسلامي للإفتاء/ بيت المقدس: إن تكريم الأمهات والاحتفاء بهن مطلوب كل يوم وعلى مدار السنة، لكن لا مانع من وجود يومٍ يُعبّر فيه عن مدى حب الأم وتكريمها، بشرط عدم اعتبار هذا اليوم عيد بالمعنى الشرعي، وعدم وجود مخالفات شرعية في هذا اليوم، فهو عيدٌ من بدع العادات لا العبادات
  • الشيخ القرضاوي: إن الحكم بتحريم عيد الأم بحاجة لدليلٍ ثابت بنصٍ شرعي، فهو غير محرّم وإن كنّا لسنا بحاجة للاحتفال به فكلّ أيامنا عيدٌ بوجودهنّ، حيث قال: "لا أقول إن إقامة عيد للأم حرام، فإن التحريم لا يقدم عليه عالم إلا بنص، والأصل في الأشياء والعادات الإباحة، وإن كنت لا أجد حاجة لمثل هذا الأمر في مجتمعاتنا"، كما حثّ في هذا اليوم على مراعاة مشاعر من فقد والدته سواء بسبب وفاتها أم انفصالها عن الأب.


وبناءً على ما سبق فقد تمّ إيضاح عدّة ضوابط وشروط مهمّة للاحتفاء بمناسبة يوم الأم، وهي فيما يأتي:

  • عدم اعتبار هذا اليوم عيدٌ بالمعنى الشرعي؛ حيث إن للمسلمين عيدين فقط هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى.
  • عدم الاقتصار على هذا اليوم فقط في إظهار المحبة والبر والإحسان والتكريم للأمهات، حيث إن كل أيامنا عيد بوجودهنّ.
  • الابتعاد عن المخالفات الشرعية.

 

رأي المانعون

 

ذهب مجموعة من أهل العلم إلى القول بتحريم الاحتفال بعيد الأم والاحتفاء به وتخصيصه، وبيان آرائهم فيما يأتي:

  • علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية: إن الاحتفال بيوم عيد الأم محرّمٌ شرعاً، فهو من البدع التي لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته الكرام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ).
  • الشيخ ابن عثيمين: إن هذا العيد بدعة ومخالف للشريعة، فلم يكن معلومٌ في عهد الرسول والصحابة، والأعياد الشرعية المعروفة هي فقط عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع يوم الجمعة، أما ما سوى هذه الأعياد الثلاثة فهي باطلة ومخالفة للشرع، واستدلّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ)، وقال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز الاحتفال بهذا اليوم أو إحداث أي شعائر من العيد فيه؛ كتقديم الهدية وإظهار السرور والفرح فيه، لأن هذه الأعياد بدع لم تكن معلومة في زمن السلف الصالح.
  • الشيخ ابن باز: إن تخصيص يوم في السنة للأم وإهمالها بقية العام من الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة كثيرة في بيان وجوب بر الوالدين والإحسان إليهم وصلة الرحم، وبيان التحذير من عقوقهما وقطع صلتهما، فتخصيص يوم من أيام السنة للاحتفال في الأم من الأمور المحدثة في الدين ولم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، لذا وجب ترك الاحتفال به ونُصح الناس بذلك والاكتفاء بما شرع الله ورسوله
شارك المقالة:
77 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook