حكم الشريف حسين بن علي المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حكم الشريف حسين بن علي المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

حكم الشريف حسين بن علي المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
استولت القوات البريطانية وبعض قوات الشريف حسين على دمشق في ذي الحجة 1336هـ / 1918م، كما وصلت قوات الحلفاء إلى إستانبول بعد شهر من ذلك التاريخ، ما اضطر العثمانيين إلى توقيع معـاهدة مـودروس في محـرم 1337هـ / 1918م التي نصت على استسلام جميع الحاميات العثمانية للحلفاء ومنها حامية المدينة المنورة  .  وقد رفض فخري باشا البلاغات التي وصلته من البريطانيين والشريف حسين بأن الحرب قد انتهت وأن الدولة العثمانية قد استسلمت وأنه يجب عليه الاستسلام للقوات الشريفية، وأصر على أن يبلغه ذلك من السلطان نفسه  .  وقد ترتب على إصرار فخري على عدم الاستسلام شيوع تذمر بين جنود وضباط حامية المدينة الذين تمكنوا في النهاية من إقناع الباشا بضرورة المفاوضة مع القوات الشريفية بشأن التسليم، وحين تعثرت تلك المفاوضة مع الأمير علي بن الحسين الموجود في ذلك الوقت في بئر درويش الواقع على بعد 48كم جنوب المدينة، قبض على الباشا كبار ضباطه وسلموه إلى الأمير علي في مركز قيادته، وقد أرسل الأمير علي أخاه الأمير عبد الله لاستلام المدينة المنورة من القوات العثمانية، فقام عبد الله باستلام المواقع الحكومية والعسكرية من المسؤولين العثمانيين، كما تسلم كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والمؤن كانت مخزنة في قلاع ومنازل البلدة في 7 ربيع الآخر 1337هـ / 10 يناير 1919م، ورتب الأمــير بعد ذلك مغادرة فخري باشا إلى المعتقل والقوات العثمانية إلى الشام والأناضول عن طريق ينبع والسكة الحديد  
 
عندما أعلن الشريف حسين نفسه ملكًا على البلاد العربية في نهاية عام 1334هـ / 1916م، شكل مجلسًا للوكلاء (الوزراء) ومجلسًا للشيوخ في الحجاز وذلك قبل استيلاء قواته على المدينة المنورة بنحو سنتين  .  وبعد استسلام الحامية العثمانية في المدينة عين الشريف ابنه الأكبر وقائد الجيش الجنوبي وولي العهد ورئيس الوكلاء الأمير علي أميرًا للمدينة المنورة، وبسبب كثرة المهام المناطة بالأمير علي عُيِّن الشريف أحمد بن منصور وكيلاً لأمير المدينة، كما عُيِّن الشريف شحات بن علي الحسيني الذي ينتمي إلى بيت الإمارة القديم في المدينة على وظيفة قائمقام  .  وإضافة إلى هذه المراكز الإدارية الثلاثة كانت هناك القوات العسكرية والشرطة التي أوكلت قيادتها إلى بعض كبار الضباط العرب الذين انضموا إلى حركة الشريف حسين مثل: شكري الأيوبي وجميل الراوي وعبد المجيد باشا  . 
 
كانت الدولة العثمانية قد تمكنت من إقامة إدارة حكومية جيدة في المدينة منذ بداية القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي) وبخاصة بعد فصل المدينة المنورة عن إمارة مكة المكرمة في عام 1326هـ / 1908م، لكن ظروف الحرب والحصار التي أعقبت ذلك أسهمت في بعثرة سكان المدينة وتشتيت أوضاعها الإدارية. ولما ورثت الحكومة الهاشمية السلطة العثمانية في المدينة حاولت تسيير الأوضاع هناك على النسق السابق. لكن التغييرات التي أحدثتها الحرب والحصار وقلة الموارد التي أتاحتها الحكومة الجديدة للمدينة لم تساعد على استعادة المدينة لأوضاعها المزدهرة السابقة، وقد زاد من سوء الأوضاع الإدارية في المدينة تعدد مراكز القوى والسلطة هناك وتداخل صلاحياتها، إذ لم تكن صلاحيات هذه القوى محددة، وكثيرًا ما يحدث تضارب بين تلك الصلاحيات، ما أسهم في انفلات الأمن في المدينة  
 
لم تتجاوز فترة حكم الشريف حسين للمدينة المنورة سبع سنوات، كانت حكومته خلالها مشغولة بأمور سياسية وعسكرية عليا، ولذلك لم تستطع تحقيق إنجازات كبيرة على المستوى المحلي، فبعد أن أعلن الأمير علي عفوًا عامًا، تم تنظيم قوة عسكرية وقوة شرطة محلية من بقايا العسكر العثماني ومن بين السكان المحليين، وأخذت الحكومة في تسهيل عودة سكان المدينة الذين هاجروا أو هجِّروا خلال سنوات الحرب، وأخرجت إمارة المدينة للعائدين الأغذية والمؤن من المخازن التي تركها فخري باشا، وبدأت الحركة تدب في منازل المدينة ومتاجرها وشوارعها وبساتينها من جديد، وعادت القبائل المحيطة بالمدينة إلى التردد عليها  .  كذلك حاولت الحكومة إعادة الحياة للمؤسسات الدينية والتعليمية في المسجد النبوي وخارجه وأنشأت أربع مدارس ابتدائية ومدرسة واحدة راقية  .  وكان من دلائل افتقار الحكومة الجديدة للخبرة في الأمور الإدارية والعسكرية حدوث حريق هائل في قلعة الباب الشامي فـي ذي القــعدة 1338هـ / 1920م؛ فـقد نقـلت الحكومة الجديدة جميع الأسلحة والذخيرة من القلاع والمخازن المتفرقة في أطراف المدينة وركمتها في قلعة الباب الشامي الكبيرة من دون اتخاذ وسائل للسلامة، فلما اشتدت حرارة الصيف بدأت بعض الذخائر والمتفجرات بالاشتعال وسرت النار من مخزن إلى آخر، وأخذت القنابل والمتفجرات تتطاير في السماء وتتساقط على الأحياء والأسواق والميادين المجاورة للقلعة، وقد استمرت الانفجارات تتكرر مدة ثلاثة أيام من وقت الزوال إلى المساء، وجراء ذلك تهدمت أجزاء من القلعة وعدد من المنازل المجاورة ومات عدد من الناس نتيجة الحريق والهدم  
 
في أواخـر عــام 1342هـ منتـصـف 1924م غادر أمير المدينة المنورة علي بن الحسين إلى مكة المكرمة على رأس قافلة حجاج المدينة وبصحبته ثمانمئة جندي لأداء نسك الحج  .  ولم يعد بعدها إلى المدينة، لأن والده كان يحتاج إليه في مواجهة الأخطار التي بدأت تتزايد على الحدود الشرقية للحجاز، والناتجة من الخلاف بين الشريف حسين والسلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حول تبعية بلدتي تربة والخرمة.
 
شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook