جعل الله -عزّ وجلّ- شرائع الإسلام مَبنيّةً على قواعد وأصول عظيمة، ومن أهمّها التيسير، والبُعد عن المَشقّة والتعسير؛ فالشريعة الإسلامية في تشريعاتها جميعها تسعى إلى التيسير على الناس، ودَفع المَشقّة الخارجة عن المألوف في عادة الناس، وقد بيّن الله -تعالى- هذه القاعدة في كلامه عن رُكن الصيام، إذ قال: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)؛ وقال سبحانه في سورة الحج: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وبذلك فإنّ كلّ ما لايستطيع الصائم الاحتياط منه، أو تجنُّبه، أو يُؤدّي إلى وقوعه في المَشقّة فإنّه لا يفسد الصيام به، ولا يُؤثّر فيه.
اتّفق الفقهاء على أنّ بلع الصائم لريقه لا يُؤثّر في صحّة صيامه؛ لأنّ ذلك من الأمور التي يتعذّر على الصائم الاحتياط منها، وروى الإمام النوويّ إجماع العلماء على عدم فساد الصوم بابتلاع الريق؛ لأنّ كلّ ما لا يستطيع الإنسان الاحتياط منه، ويصعب عليه اجتنابه لا يُفسد صيامه، ولا يفطر به، كالغبار المُنتشر في طريق الناس، أو الناتج عن غربلة الطحين من الشوائب، وإن تعمّد الصائم جَمع ريقه في فمه، ثمّ ابتعله، فإنّه لا يفطر كذلك.
ويُشار إلى أنّ الصائم يفطر إذا اختلط ريقه بشيء له طعم، كأن يستخدم الصائم سواكاً له طَعم، فإنّه يفطر بابتلاع ريقه المُتغيّر بطعم السواك، أمّا إن تفل الصائم ريقَه، وأخرجه من فمه، ولم يبتلعه، فإنّه لا يفطر، والأفضل للصائم أن يتسوّك بسواك لا طَعم له؛ حتى لا يؤثّر في صحّة صومه، ويُفطر الصائم كذلك إن اختلط ريقه بشيء نَجِس ثمّ ابتلعه، كأن يختلط ريقه بدم من فمه؛ لأنّ الله -تعالى- رخَّص في ابتلاع الريق الطاهر؛ تيسيراً على الناس، ولأنّ في تجنُّبه مَشقّة عليهم، أمّا الريق المُتنجِّس بالدم، أو غيره، فإنّه يحرم ابتلاعه للصائم، ولغيره؛ لنجاسته، ويبطل الصوم بابتلاعه، كما يفطر الصائم إن جَمَع ريقه وأخرجه إلى ما بين شفتَيه ثمّ ابتلعه، أو إن ابتلع الصائم ريق غيره؛ لأنّه ابتلع شيئاً من خارج فمه، كما لو أنّه شرب ماءً، فإنّه يفطر بذلك.
النخامة هي: الشيء الذي يخرجه الإنسان، أو يبصقه من حلقه؛ من بلغم، وغيره، وقد ذهب الفقهاء في آرائهم المتعلّقة بهذا الحُكم إلى عدّة أقوال، بيانها آتياً:
ذهب الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّ الصائم لا يُفطر بابتلاعه لريقه مع أجزاء الماء المُتبقِّية بعد المضمضة*، ولا يجب على الصائم تجفيف فمه بعد المضمضة بقماش، أو نحوه، حتّى وإن تيقّن الصائم وصول ذلك إلى معدته، ولم يقل أحد من العلماء إنّ ذلك مُفسدٌ للصوم، ويقول الإمام البهوتي إنّ الصائم لو ابتلع ما تبقّى في فمه من أجزاء الماء بعد المضمضة، لم يفسد صومُه
موسوعة موضوع