حلا الحرام

الكاتب: المدير -
حلا الحرام
"حلا الحرام




لا تستغربوا مِن عنوان المقالة هذه، فهو عقارٌ في متناول الجميع، وهو مِن نوعٍ مختلفٍ عن كلِّ ما مرَّ بك، ولكنه اليوم ينتشر بكثرة ويستفحل على كل الأمور شيئًا فشيئًا، فأنت تراه وتسمعه وتأكله وتطوله بيديك، وأصبحتَ تستمتع به أنت والكثير.




ففي زماننا هذا أصبح الكثيرُ مِن المسلمين يتلذذون بأفعالٍ محرمة شرعًا، لكن لا يعرفون أن لذة الحرام أولها متعة، وآخرها حسرة وندامة وتهلكة، هذا في الدنيا، ناهيك عن النهاية الحتمية في الآخرة وهي النيران!




فبدأ بعضُ المسلمين بإضافة لمساتٍ تجميلية لتحلية الحرام على مزاجهم؛ بحيث غيَّروا اسم الحرام بـ: حلا الحرام؛ أي: حلو الحرام، كلٌّ على طريقته الخاصة، فنادرًا ما تسمع كلمة: هذا حرامٌ، وهذا حلالٌ، فنحن تربَّيْنا على سمع كلمة: لا تكذب، حرام، لا تنقل الكلام، حرام، النمام يدخل النار.




فمِن كلمة: حرام، والتخويف من النار، السؤال يَطرح نفسه: مَن الذي حرَّم؟ ومَن الذي كَوَّن النار؟ يأتي الجواب: الله، فالخوفُ يكون مِن الله، يَحُد مِن عمل الأخطاء والمحرمات، لكن اليوم نرى العكس؛ لم تزرع مثل هذه الكلمات في عقول الأجيال الحاضرة، إلى أن أصبحتْ أجيالًا هشةً تنزلق بأيِّ منزلق يجرفها، عكس الأجيال الماضية؛ لأنهم على ما تربوا عليه مِن مبادئَ ثابتة وعلى الفضيلةِ وحُسن الأدب وسمات إسلامية قوية - أنتجوا أجيالًا قويةً لا تنجرف مع التيار المغير للأخلاق، لكن الذي يستوقفني ويُؤلمني أن التيار الذي يُؤدِّي إلى الانهيار انجرف معه الكبارُ قبل الصغار!؟




ما السبب؟ لا نعرف لماذا، أكان السببُ ضعف الوازع الديني؟ أم اكتساب مفاهيم خاطئة حتى وإن كانتْ عن التربية الدينية؟ لا أقول: أنتجتْ أجيالًا، وإنما وجهتْ عقولَ وأذهانَ وأجسادَ كثيرٍ مِن الكبار لا الصغار إلى مُنزلقات خطرة، شتَّتَتْ على الأجيال الحاضرة الحلالَ الحقيقي، فأين هو اليوم؟ والحرام الحقيقي أين هو مِن كل ما يمرون به؟!




فتحليةُ الحرام لها سبُلٌ وأوجه متعددةٌ؛ مثلًا: نأخُذ المنفذ الرئيس لإنتاج الحرام المحلى وهو: اللسان؛ لأنه منبعٌ لكثيرٍ مِن الشر والمُحرَّمات؛ إذ ترى في وقتنا الحاضر الكثيرَ مِن المسلمين يتلذَّذون بأكل لحوم الناس ميتة، وعلى مواقيت ومواعيد مفتوحة حتى على مائدة الطعام؛ إذ قلما تجد حوارًا عائليًّا بحتًا، إلا أنك تجد فيه الفاكهة المُحرَّمة في متناول أفراد العائلة، تُؤكَل مع الطعام، ومغزى تحلية الحرام هنا: الغيبة.




والدليلُ الشرعي على تحريم الغيبة؛ قوله تعالى: ? وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ? [الحجرات: 12]، والدليلُ مِن السنة: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لما عرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار مِن نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلتُ: مَن هؤلاء يا جبريل؟: قال: هؤلاءِ الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضِهم))؛ رواه أبو داود.




ويأتي بعد الغيبة النميمةُ في المرتبة الثانية مِن حلا الحرام، وهي: نقلُ الكلام بين الناس على جهة الإفساد، والدليلُ على التحريم مِن الكتاب قولُه تعالى: ? مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ? [ق: 18]، والدليلُ مِن السنة قولُ رسول الله: ((لا يدخل الجنة نَمَّام))؛ متفق عليه.




أمَّا الوجه الآخر مِن أوجه حلا الحرام: الكذبُ، وقد كَثُر بين المسلمين، وخصوصًا الكذب في البيع، والدليلُ على تحريمه قولُ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يُكْتَبَ عند الله كذابًا))؛ متفق عليه.




وكذلك وجوه متعددة مِن حلا الحرام عن طريق اللسان، وهي: الشتمُ وقذفُ المُحصَنات، والتنابُز بالألقاب، والسَّبُّ، ووصل الأمر إلى سبِّ الأموات، وحتى سب الصحابة رضي الله عنهم.




والدليلُ على التحريم قوله تعالى: ? وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ? [الأحزاب: 58].




والدليل من السنة: عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ))؛ متفق عليه.




أما عن سبِّ الصحابة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ أحدهم ولا نصيفه))؛ رواه البخاري.




والوجهُ الآخر لتحلية المحرم الشرعي: قول الزور؛ إذ كثُرَتْ شهادة الزور في زماننا هذا؛ فالذي يقول الزُّور لا يُبالي أن تكون الحقيقة قد زُوِّرَتْ في كيان الجميع.




وأيضًا إفشاء الأسرار بين الأزواج وبين الأهل والأصدقاء والأقارب، وقطع صلة الأرحام، ونشرها على شبكات الفتنة، لا شبكات التواصُل؛ لأنها منذ أنْ دَخَلَتْ على حياة المسلمين رغم حاجتها فإنَّ الكثير مِن النفوس الضعيفة والمتطفلة تُحوِّل كل شيء مفيد إلى أشياء مضرة؛ إذ لم تبقَ أسرارٌ بين الناس ولم يبقَ شيءٌ خاصٌّ وله خصوصية؛ لأنَّ كل ما هو خاص خلال ثوانٍ ينتشر!




وهناك أوجهٌ أخرى للحرام المحلى منها: سماع الغيبة، وسماع الأغاني، وشُرب الخمر، ولبس الحرير للرجال، والدليلُ مِن السنة قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)).




وحلا بعض المسلمين الحرام عن طريق النظر، والنظرةُ كما قال عنها الرسولُ الكريم صلى الله عليه وسلم: ((النظرة سَهْمٌ مِن أسهم الشيطان))، وقد تمادَى بعضُ المسلمين في النظر إلى مَفاتن النِّساء في كل مكان؛ في الشوارع، وفي الأسواق، وفي المدارس، وحتى النظر المحرم عن طريق وسائل حضارة المغريات والملهيات، الوسائل الحديثة الإلكترونية، التي تَبُثُّ السموم وتنشر المحرَّمات، ونحن لا نَعزي كل الفساد الحاصل في عصرنا الحالي إلى هذه الوسائل، وإنما الفساد ظهر بما كسبتْ أيدي الناس، ولكن دائرة الفساد توسَّعَتْ، وسبُل الفِتَن انتشرتْ عن طريق هذه الوسائل الإلكترونية الحديثة؛ إذ مِن خلالها يتم تناقُل الصور بين الأصدقاء، مِن صور فنانات، وعارضات أزياء، ووصل الأمرُ إلى استِخفاف بعض الشباب بعقول المراهقات والكذب عليهنَّ بوعدهنَّ بالزواج؛ مِن أجل أن تُصدقهم الفتيات ويرسِلْنَ لهم صورهنَّ، وبعدها يقوم أصدقاء السوء بتناقل ونشر صور أعراض المسلمات المحرَّمة والنظر اليها.




وكلُّ ما ذكرتُه جزءٌ يسيرٌ مِن تجميل وتحلية للحرام والاستمتاع به مِن قِبَل - مع الأسف - بعض المسلمين وبدون تعميم، وبعدها تنشر وتعم، ناهيك عن المحرمات المحلية؛ مثل: الإشراك بالله، وقتل النفس، وترك الصلاة، ومنع الزكاة، وعقوق الوالدين، وكثرة الزنا، وأكل الربا والقمار، والسرقة، واليمين الغموس، والظلم، والحكم بغير ما أنزل الله، وتشبُّه الرجال بالنساء، والخيانة، والإلحاد، وإفطار رمضان بغير عُذر، إلى آخر - مع كل الأسف - ما وصل إليه المسلمون، فالإسلامُ بريء مِن كل هذه الأعمال المحرَّمة، وهو دين السلام لا فيه ظلم ولا ظلام، دين المحبة والوئام، وأخيرًا فإنَّ الحلال بَيِّن، الحرام بَيِّن.


"
شارك المقالة:
14 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook