حملة (بغا) على منطقة عالية نجد في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حملة (بغا) على منطقة عالية نجد في المملكة العربية السعودية

حملة (بغا) على منطقة عالية نجد في المملكة العربية السعودية.

 
في عهد الواثق العباسي 227 - 232هـ / 842 - 847م قام بعض الفصائل القبلية في الشمال الغربي من اليمامة والقسم الشمالي من عالية نجد بأعمال مهددة للأمن مخلة به، وكان من أبرز تلك القبائل المتمردة عرب بني نمير العامريون النازلون في القسم الشمالي من عالية نجد فيما يعرف بالشريف قرب حمى ضريّة، حيث استشرت غاراتهم على الأرياف والحواضر. وتلك القلاقل والغارات لم ينفرد بها عرب بني نمير وحدهم، بل شملت الفصائل القبائلية المنتشرة شرق الحجاز وغربي نجد فيما يلي المدينة، مثل: سليم وفزارة ومرة وكلاب العامرية النجدية، وهي ظاهرة استشرت وتفاعلت في ذلك العهد لتتحول في القرون اللاحقة إلى ظاهرة ثابتة في تاريخ المنطقة، يغذيها الجهل والفقر والبؤس والإهمال وانعدام السلطة المركزية. ولعل ما صعّد هذا التمرد إسقاط كثير من العرب من ديوان الجند وتقديم الجند الأتراك على العرب   وغيرهم، مما أدى إلى عدم ولاء العرب في بواديهم للحكومة العباسية المركزية. يضاف إلى ذلك أن مواد الفتنة والنـزوع إلى الفوضوية والتقاتل على الموارد المتاحة كامنة في عقليات تلك الجموع القبلية. وجاء تقلص الهجرات القبلية من الجزيرة إلى العراق في أوائل القرن الثالث بسبب الاعتماد على الجند التركي، ليضاعف من تهديدها لمراكز الاستقرار في اليمامة والحجاز، وطرق الحج ومنازله. ولم يقتصر الأمر على تلك التهديدات الموجهة إلى المراكز الحضرية والطرق، بل دخلت تلك القبائل في صراعات بينها، وبذلك أصبحت مراعي عالية نجد مسرحًا للمعارك الضارية  ،  إذ جرت حلقات من التناطح المهلك بين القبائل. ويتجلى في شعر ناهض بن ثومة الكلابي، وقد عاش إلى القرن الثالث، إشارات إلى الصراعات الدائرة بين القبائل، كما بين كلاب ونمير، وبين كلاب وكل من سليم وذبيان، فهو يقول:
 
 
لنــا  وقعـات فـي نمـير تتـابعت     بضيم  علـى ضيم ونكب على نكب  
وقوله:
 
تركنــا  بــالنقيع بنــي ســليم     ذوي ذل لنــــا وذوي خـــنوع
وقوله:
 
صبحنــا يــوم جــوِّ مُرامـرات     بنــي  ذبيــان  حــد الهنـدواني
تركنـــا منهـــم بمرامـــرات     ملاحـم  لا تبيــد علـى الزمـان  
ويقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (الشاعر الأموي البارز) وهو يشير إلى استعلاء نمير في المنطقة:
 
تســومكما  بغيًــا نمـير هضيمـة     ســتنجد  أخبــار لهــم وتغـور
أصـابت  نمـير  منكـم فـوق قدرها     فكـل  نمــيري بــذاك أمــير  
لقد كلف القائد العباسي الكبير (بغا الكبير) بالقضاء على تلك التمردات القبلية، فنجح في إبعاد الأعراب عن المدينة، ثم شخص في سنة 231هـ / 846م إلى ضريّة لتأديب الكلابيين، فوجه إليهم بعوثه وقبض على 1300 منهم فحبسهم بالمدينة. وفي الوقت نفسه اشتكى الشاعر اليمامي التميمي، عمارة بن عقيل الوافد إلى الواثق من عبث بني نمير وإفسادهم، في إشارة إلى نمير البادية الذين مارسوا السلب والنهب وأغاروا على الأرياف. أما المستقرون من المدينة، أصحاب النخيل والماشية، فلم يكن هذا ديدنهم، فمن هؤلاء المستقرين بنو عامر بن نمير، وهم أصحاب نخل وشاء وليسوا أصحاب خيل  
ونتيجة لشكوى عمارة بن عقيل وإحساس الخلافة بأهمية معالجة هذه المسألة، وكانت تعيش - آنذاك - مرحلة نقلة، إذ إنها لم تفقد بعد القدرة على مواجهة التحديات الأمنية القائمة. طلب الواثق من (بغا) المضي إلى ديار نمير في عالية نجد حيث جرت بينهم وبينه مجموعة من الوقائع، فالتقى بهم في الشريف غرب السر فهزمهم وقتل منهم 50 رجلاً وأسر 40  ،  ثم سار إلى مرأة (مرات) فنـزل بها - آنذاك - وهي من المستقرات التميمية في المنطقة، وأرسل إلى بني نمير رسله وعرض عليهم الأمان ثم دعاهم إلى السمع والطاعة فامتنعوا وسار بعضهم إلى جبال السود (في نواحي القويعية   )، وفي روضة الأمان قرب أُضاخ هزم النميريون مقدمة الجيش العباسي وكشفوا ميسرته وقتلوا من رجاله نحو 120 رجلاً، وعقروا من إبله نحو سبعمئة بعير، ونهبوا الأثقال وبعض الأموال ثم أدركهم الليل. وفي الصباح حملوا على (بغا) فهزموه حتى أيقن بالهلكة إلا أنهم تشاغلوا بالنهب وعقر الإبل والدواب. ويروي الطبري ما يفيد بتحول ميزان المعركة لصالح (بغا) بعد وصول سرية من أتباعه إلى ميدان المعركة، ورجوع من انكشف عنه وذلك يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 232هـ / 847م، حيث دارت الدائرة على بني نمير فقتل منهم زهاء ألف وخمسمئة رجل، وقد جمعت رؤوس القتلى في بطن السر، حيث أقام (بغا)، كما اصطحب (بغا) أعـدادًا كبيرة من بني نمير أسرى فضُرِبوا بالسياط، فكان الواحد يضرب ما بين الأربعمئة والخمسمئة وأقل من ذلك وأكثر 
 
وهكذا وجهت ضربة كبيرة لهؤلاء الأقوام المتنقلين في بوادي اليمامة وعالية نجد. ومن خلال حملات (بغا الكبير) في المنطقة التي جاءت والدولة العباسية على أبواب مرحلة كالحة في تاريخها، إذ يمسك فيها الأتراك بمقاليد الأمور في بغداد، إلا أن تلك الاضطرابات التي أحدثتها البادية، كانت بحاجة إلى معالجة حضارية تتضمن إشاعة التثقيف الديني، وتشجيع هؤلاء الأعراب على التحضر والاستمرار بحفزهم على إنشاء مستقرات زراعية لهم، وربط جزء منهم بالمؤسسة العسكرية والأمنية التابعة للخلافة واحتواء الزعامات والقيادات مع إيجاد علاقات مهادنة وتوافق بين الحواضر المحلية وبواديها كي تزول تلك الاتجاهات العدوانية وينتهي أولئك القوم عن قطع الطرق والتعرض للسابلة. وظلت مشكلة الفوضى الأمنية التي تثيرها القبائل بين الفينة والأخرى قائمة، لم تعالج بشكل فعال وجذري، إلا في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عندما شجع على توطين البادية، فتبنّت الحكومة السعودية - آنذاك - مشروع توطين البادية وتم تثقيفهم ثقافة دينية مناسبة
 
شارك المقالة:
76 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook