حياة المجتمع المدني في العهد الأموي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حياة المجتمع المدني في العهد الأموي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

حياة المجتمع المدني في العهد الأموي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
هدأت الأحداث السياسية في العهد المرواني ما أتاح الفرصة للحياة الاجتماعية أن تنمو وتزدهر في ظل الهدوء والاستقرار.
 
لا يمكن للباحث المنصف أن يجد شريحة كبيرة من سكان المدينة المنورة في غير مجالات العمل الجاد بعد أن انقطعت عنهم الأموال والثروات التي تدفقت على أسلافهم من الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين، وبعد أن قطع عنهم معاوية بن أبي سفيان الأعطيات، ومنع وصول الحنطة التي كانت تصل إلى أهل المدينة المنورة منذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبالتحديد منذ عام الرمادة سنة 18هـ / 639م الذي وقــع فــيه القحــط والمجاعة، وما فعله معاوية كان عقابًا لأهل المدينة المنورة على موقفهم من البيعة ليزيد  ،  واستمر ذلك في عهد يزيد بن معاوية، فلم يكن أمام سكان المدينة المنورة إلا الانخراط في جميع الأنشطة الاقتصادية من زراعة وتجارة وأعمال أخرى كالرعي، وبعض الحرف والصناعات الخفيفة لسد احتياجاتهم المعيشية، ويجب ألا نتصور أن يقوم الموالي بجميع هذه الأعمال لأنهم على كثرتهم في المجتمع المدني إلا أنهم يعدون قلة أمام العناصر الأخرى في المجتمع، ثم إن أغلب الموالي يعملون في أعمال سادتهم الأغنياء من قريش، أما غالبية السكان من الأنصار وغيرهم فهم يعملون فيما تبقى من مزارعهم بعد أن اضطروا إلى بيع كثير منها بثمن زهيد لسد احتياجاتهم  .  وتعد التجارة مجال عمل آخر يعمل به كثير من الناس في البيع والشراء في أسواق المدينة المنورة ونقل التجارة عن طريق كراء الجمال، لا سيما وأن المدينة المنورة تقع على طريق القوافل التجارية، ومارس سكانها نقل التجارة منذ القدم.
 
وفي جانب آخر من هذه الصورة من صور حياة المجتمع المدني نجد نوعًا آخر من الحياة الجادة الوقورة وتمثلها شريحة لا بأس بها من المجتمع المدني هم العلماء والفقهاء وطلاب العلم.
 
لقد فرضت طبيعة المدينة المنورة أن تكون المركز الأول للعلم في الجزيرة العربية بل في العالم الإسلامي، ففيها نـزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع التشريعات خلا العقيدة والصلاة التي فُرضت قبل ذلك في مكة المكرمة، وهي مركز تجمع الصحابة الذين أخذوا العلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظوا سيرته  .  وبالتالي أصبحت المدينة المنورة مقصدًا لطلاب العلم من أقاصي البلاد الإسلامية يفدون إليها لأخذ العلم الأصيل من موطنه، ويكفي في هذا المجال أن نشير إلى أن عددًا من علماء الصحابة أدركوا العهد الأموي منهم: عبد الله بن عمـر بن الخــطــاب (ت 73هـ / 691م)، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر (ت 55هـ / 675م)، أبوسعيد الخدري سعيد بن مالك بن سنان (ت 74هـ / 692م)، وجابر بن عبد الله الخزرجي (ت 78هـ / 697م). وقد تبعهم جيل ممن أخذ العلم عنهم من أوائل التابعين، اشتهر منهم فقهاء المدينة المنورة السبعة  ،  وتلاميذهم الذين خلفوهم في حمل العلم وتدريسه، وأبرزهم وآخرهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي (ت 179هـ / 795م).
 
وقد اشتهرت المدينة المنورة بأنها موطن الحديث والسنة، وعلوم الشرع، والسيرة النبوية، وكانت حلقات العلم تُعقد في المسجد النبوي وتدرس فيها هذه العلوم وغيرها على أيدي علماء يجلسون في حلقات عامة يحضرها من يرغب، وكان المسجد النبوي كخلية النحل من الحركة الدائبة لطلاب العلم ينتقلون من حلقة عالم إلى آخر، ولم تقتصر حلقات العلم على المسجد النبوي بل إن منها ما يعقد في بيوت العلماء والفقهاء  .  وفي مثل هذا الجو العلمي المميز من المتوقع أن يقبل كثير من الناس على طلب العلم، يشجعهم على ذلك فترة الهدوء والسكينة التي شهدتها المدينة المنورة في عهد الدولة الأموية لا سيما في عهد خلفاء بني مروان.
 
وإلى جانب هذا النوع من الحياة العلمية النشطة هناك نوع آخر من الحياة الوقورة تمثلها طائفة من المنقطعين للعبادة في المسجد النبوي منهم طائفة من سكان المدينة المنورة نفسها وطائفة أخرى من القادمين إليها من العالم الإسلامي فرارًا بدينهم من الفتن ورغبة في قضاء حياتهم في جو روحاني لا تعكر صفوه تجاذبات الحياة ومشاغلها، وقسم من هؤلاء عمل في مجال التعليم إلى جانب التفرغ للعبادة.
 
نخلص إلى حقيقة مهمة هي أن غالبية سكان المدينة المنورة يمثلون الحياة الجادة الوقورة التي تلائم طبيعة الحياة في المدينة المنورة والمكانة الخاصة لها.
 
شارك المقالة:
69 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook