أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ليكون هُدىً ورحمةً للعالَمين؛ إذ أمرَ فيه بكلّ خيرٍ وبِرٍّ، ونهى عن كلّ شرٍّ وإثمٍ، ولذلك يجدر بالمسلم أن يُقوّي صِلَته بالله -تعالى-؛ من خلال اتِّصاله بالقرآن الكريم، لا سيّما أنّ لكتاب الله -تعالى- أهميةٌ عظيمةٌ في العديد من جوانب حياة المسلم، ومنها: تنظيم علاقته بربّه؛ لقوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)، وتنظيم علاقته بأهله، كما جاء في قَوْل الله -تعالى-: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وتنظيم علاقته وطريقة تعامُله مع زوجته، كما في قوله -عزّ وجلّ-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وتعليمه كيفيّة التعامُل مع أولاده؛لقَوْله -تعالى-: (وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيّاهُم)، إضافة إلى أنّه يُبيّن له كيفيّة التعامُل مع مَن عاداه؛ لقَوْل الله -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
ولا تقتصر أهميّة القرآن الكريم على تنظيم حياة الفرد فقط، بل وتنظيم المجتمع أيضاً، كتحريم الرِّبا، وتحليل البَيع، كما جاء في قَوْل الله -تعالى-: (وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وبيان الطريقة المُثلى للإنفاق، كما في قَوْله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، بالإضافة إلى بيان الأحكام الشرعيّة، والأخلاق الفاضلة، والمعاملات، والعبادات: كالصلاة، والصيام، وحجّ البيت، والزكاة، وبيان مصارفها، ولهذا فإنّ مَن تمسَّكَ بالقرآن الكريم، وتدبَّرَ آياته، وامتثلَ ما ورد فيها، نجا وفاز، ونال رضى الله -سبحانه-؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، ومَن أعرض عنها ضاع عمره، ومستقبله، ومصيره، ويظلّ في ظلمات الضلال والجهل؛ لقَوْله -تعالى-: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى).
كان من هَدْي السَّلَف الصالح -رحمهم الله- المُداومة على تلاوة آيات القرآن الكريم آناء الليل، وأطراف النهار، ولم يقتصروا في ذلك على موسمٍ أو شهرٍ مُعيّنٍ، بل كانوا يقرؤون القرآن في رمضان، وفي شهور العام كلّها، وقد ثبت أنّ أغلبهم كانوا يختمون القرآن الكريم في مدّةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ؛ فمنهم مَن كان يختم القرآن كلّ عشر ليالٍ، ومنهم مَن كان يختمه كلّ سبع ليالٍ، ومنهم مَن كان يختم كلّ ثلاثٍ، ولذلك ينبغي للمسلم الاقتداء بحُسن اغتنامهم للأوقات، واستغلال الأوقات الفاضلة بتلاوة آيات القرآن الكريم، وعلى الرغم من اختلاف الأوقات المناسبة لقراءة القرآن الكريم من شخصٍ إلى آخر، إلّا أنّه يمكن القول إنّ أغلب الناس يُقبِلون على قراءة القرآن الكريم بين الأذان والإقامة لكلّ صلاةٍ، وبعد صلوات الفريضة، وقبل الإفطار، وعند السحور، وفي أوقات الفراغ من العمل، أو في المدرسة، وفي أوقات الانتظار، وأثناء قيادة السيارة إن كان السائق من الحَفَظة لكتاب الله.
وبناءً على ما سبق، فإنّه يُمكن وضع خُطّةٍ لخَتم القرآن الكريم في عشرة أيّامٍ؛ وذلك بتخصيص ساعةٍ ونصف كلّ يومٍ لتلاوة القرآن، ويُمكن تقسيم تلك المدّة على ثلاث فتراتٍ -على أن تكون مدّة كلّ فترة نصف ساعةٍ-، وتوزيعها على اليوم، وبذلك تتمّ قراءة جزءٍ كاملٍ من القرآن كلّ نصف ساعةٍ، وبالتالي إتمام تلاوة ثلاثة أجزاءٍ في اليوم الواحد؛ أي ثلاثين جزءاً في عشرة أيّامٍ، وتُطبَّق الطريقة السابقة كلّ عشرة أيّامٍ، ومن الجدير بالذِّكر أنّ قراءة الوجه الواحد من القرآن الكريم يحتاج إلى وقت يتراوح بين الدقيقة، والدقيقة والنصف، أمّا قراءة الجزء كاملاً، فتحتاج إلى وقت يتراوح بين عشرين، وخمسةٍ وعشرين دقيقة، وبذلك يتمّ خَتم القرآن الكريم خلال عشرة أيّامٍ بكلّ سهولةٍ ويُسرٍ، وبمُعدَّل قراءة ساعة ونصف، أو أقلّ يوميّاً.
ورد في الأثر أنّ أقوياء الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يقرؤون القرآن الكريم كلّ سبعة أيّامٍ، وكان بعضهم يختم كلّ شهرٍ، وبعضهم كلّ شهرين، وبعضهم أكثر، ويُمكن القول إنّ أقلّ مدّةٍ لخَتم القرآن الكريم تتمثّل بخَتمه كلّ سبعة أيّامٍ مرّة، وقد ذهب أهل العلم إلى أنّ أكثر مدّةٍ لخَتم القرآن الكريم تتمثّل بخَتمه مرّة كلّ ستّة أشهرٍ؛ إذ ورد عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- أنّه قال: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ أَدَّى حقه لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَرَضَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ"، ونُقِل عن أبي الليث في البستان أنّه قال: "يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَخْتِمَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الزِّيَادَةِ".
وتجدر الإشارة إلى أنّ عدد مرّات خَتم القرآن الكريم يعتمد على طبيعة الشخص؛ فإن كان مِمَّن يتأمّل في لطائف القرآن الكريم، ومَعارفه، فإنّه يكتفي بالقَدر الذي يُمكّنه من فَهْم ما يقرؤه، وكذلك الحال إن كان الشخص مشغولاً بنَشْر العِلم، أو القيام بأمر المسلمين ومراعاة مصالحهم، فإنّه يكتفي بالقَدر الذي يُمكّنه من إتمام عَمله على أكمل وجهٍ، إمّا إن لم يكن من المذكورين، فإنّ عليه أن يستكثر من القراءة، مع مراعاة عدم الوصول إلى حَدّ الملل، ويُعَدّ خَتْم القرآن الكريم كلّ سبعة أيّامٍ أمراً مُستحَبّاً؛ فقد ورد عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنّه كان يختم القرآن كلّ أسبوعٍ مرّة؛ استدلالاً بقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لعبدالله بن عمرو -رضي الله عنه-: (اقرأِ القرآنَ في شَهْرٍ، قالَ: إنِّي أجدُ قوَّةً، قالَ: اقرأ في عِشرينَ، قالَ: إنِّي أجدُ قوَّةً، قالَ: اقرَأْ في خَمسَ عشرةً، قالَ: إنِّي أجدُ قوَّةً، قالَ: اقرَأ في عَشرٍ، قالَ: إنِّي أجِدُ قوَّةً، قالَ: اقرأْ في سَبعٍ، ولا تزيدنَّ علَى ذلِكَ).
موسوعة موضوع