خفايا الزمان

الكاتب: المدير -
خفايا الزمان
"خفايا الزمان




الحياة مليئة بالخفايا والغيبيات التي تظهر بمرور الزمن شيئًا فشيئًا على طول العمر، فمنذ أن تُولد يا إنسانُ إلى أن تموت وأنت تتوارى بالخفايا واحدة تلو الأخرى، فالكون كله مشحونٌ بالأسرار والخفايا، ربما أنك أنت الذي تكتشفها، وربما تتسبب على يدَيْك، فتكون أنت سببًا في اكتشافها.

 

والخفايا التي ذكرتها هي القَدَر الذي قدَّره الله لنا في حياتنا الدنيا، فكم من خفايا ظهرت وغيَّرت مسارَ كثير من الناس، فتغيَّر كلُّ شيء بلحظة، عكس ما كانوا يفكرون فيه ويخططون ويطمحون له.

 

فمثلًا: الحياة في بلادنا العربية لا تواصل فيها؛ لأن سلسلة الخفايا مستمرة، لأنه لا وضع مستقر، والأحداث كل يوم في تغيُّر مستمر، فكم من دولة عربية طرَقت الخفايا بابَ حاكمها بأن يتغير بأي طريقة كانت، فتغير معه حياة، كأن تقول: تغير دولة بكاملها من حياة الأسرة الحاكمة إلى كل أفراد الشعب.

 

وأيضًا كم من خفايا ظهرت في حياة الكثير من العوائل العربية، ساهمت بثقل كبير في تغير مجرى حياتهم بالكامل، إما إلى الأحسن وتغير الحال والمحال في لحظة، وإما إلى الأسوأ، فتغيرت الحياة لديهم وأصبحت كالحةً مُقفرة؛ كما حصل في البلدان العربية التي حدثت فيها حروب.

 

فكم من امرأة في لحظة فقَدَتْ زوجها وبيتها، ووجدت نفسها في أرض العراء، تتحمل مسؤولية أطفالها وحدَها في هذا الزمن العصيب، وأصبحت بذلك الوضع تتقبَّل المستقبل المجهول.

 

وكم من امرأة وجدَتْ نفسها فاقدةً لأبنائها كلِّهم وأمام أنظارها، وهي في ذلك الموقف لا تعرف إلى أي هاويةٍ تُساق!

وكم من شابٍّ كانت الحياة لديه باسمةً ناعمة، ويدرس في أرقى الجامعات، وسرعان ما تحوَّلت حياته إلى جحيم؛ وذلك لأنه ترك دراسته، وضيَّع أحلامه، وخيَّب آمال أهله عندما انخرط بمجاميع مسلَّحة مجهولة، وسلك طرقًا مخفية أدَّت به في نهاية المطاف إلى التهلُكة وفقدان حياته وأهله، فيا لها من خفايا حلَّت بأبناء المسلمين!

 

وكذلك كم من جمع ماله وعقد صفقاتٍ تجارية، وسرعان ما بانت خيوط الخفايا، فخسِر ماله، فهكذا الدنيا دار بلاء وابتلاء، فمن كان الله معه لم يفقِدْ شيئًا ولو فقد حياته.

 

فالسؤال الذي يطرح نفسه:

كيف نُكيِّف أنفسنا للحياة في عالمنا العربي؟ لأنه كلَّما يمر حينٌ من الزمن يتغيَّر كل شيء وكل الظروف، وحينها نبدأ من جديد لنُكيِّف أنفسنا للوضع الجديد الراهن، الذي يفرضه لنا القدر وخفايا الزمان الغيبية، التي لا يعلمها سوى الله جل في علاه.

 

فيا ليت الذي يجري لنا يتوافَقُ مع كل الأفكار والطموحات التي نتمناها في حياتنا، لكن في كثير من الأحيان أنت تنظر إلى الخير الذي تتمناه من جهة واحدة على أنه خير، وتتأمل بشيء ويأتي شيءٌ عكس ما تريد، فلا تكترث؛ فالله أبعده عنك برحمته ليعدَّ لك خيرًا يراه هو عكس ما تراه أنت، ويحرفك الله عن هذا الأمر، الذي ربما يكون فيه شرٌّ لك، وهو سبحانه أعلم بخيرك ومصلحتك منك، وأكَّد هذا الكلام في كتابه العزيز بقوله تعالى: ? كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ? [البقرة: 216].

 

فاعلَمْ يا إنسان إذا وقع لك خفية من الخفايا:

إن كانت سارَّة، يجب عليك شكر الباري عز وجل عليها، وتستعملها بقبول حَسَن يحدث لك من الابتهاج فيها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين.

 

وإن كانت هذه الخفية التي أُصبت بها مكارهَ وشرًّا، فسلِّمْ أمرك لله، وقاوم ما تستطيع مقاومته؛ لتخفيف الأمر الذي قضى الله به عليك، واصبر صبًرا جميلًا، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورٌ عظيمة تضمحلُّ معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في ثواب الله؛ كما عبَّر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير؛ إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن))؛ رواه مسلم.

 

فهذا هو السبيل الوحيد لكي يُكيِّف الإنسان العربي نفسَه لتقبُّل خفايا الزمان التي تمر به لتقبلَها بالصبر والشكر، وإلا سلك سُبُلًا تسبِّب له الانهيار والضياع.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook