خلق الانسان ضعيفا.

الكاتب: حنان حوشان -
خلق الانسان ضعيفا.

خلق الانسان ضعيفا.

 

الإنسان في نظر الإسلام

 
تتمثّل طبيعة النظرة الإسلامية إلى النفس الإنسانيّة بصفةٍ عامّةٍ إلى أنّها نفسٌ مكرّمةٌ ومعظّمةٌ، ولا يوجد استثناءٌ في ذلك في أي ناحيةٍ من النواحي المحسوسة، فلا فرق بين اثنين للونٍ أو لجنسٍ أو لدينٍ، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)،[] وهذا التكريم شاملٌ للإنسان المسلم وغير المسلم على حدٍ سواءٍ، فالإسلام ينظر للإنسان بنظرةٍ شاملةٍ، ويتعامل مع نفسٍ مكرّمةٍ، فلا يجوز إهانتها، أو ظلمها، أو الإساءة إليها بحالٍ من الأحوال، ويظهر هذا جليٌ في الكثير من النصوص القرآنية، ومثال ذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ)،[]، وقال أيضاً: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)،[] فالنفس لن تُظلم أيضاً يوم القيامة، سواءً أكانت مؤمنةً بالله تعالى أم كافرةً به، ونصوص السنة النبوية دلّت على ذلك أيضاً، كقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه، حيث إنّه عندما مرّت برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جنازةٌ فقام، فقيل له: إنّه يهوديّ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أليست نفساً)،[] ومن جانبٍ آخر فإنّه في الشريعة الإسلامية يقبل المسلم المخالفين له في العقيدة، ويعلم أنّ وجودهم حتميّ ولا يُمكن اختفاءهم من الأرض أو التعامل معهم في حياته، وعلى ذلك فإنّ الشريعة الإسلامية بيّنت كيفية التعامل والتفاهم مع الطوائف غير المسلمة، وهذا يعتبر تقديرٌ من الدين الإسلامي لكلّ نفسٍ مهما كانت، وتكريمٌ من الله -تعالى- لكلّ بني آدم.[]
 
 
 

خُلق الإنسان ضعيفاً

 
تقوم الشريعة الإسلامية على العديد من القواعد، وأهمّها مناسبتها للطبيعة البشرية المجبولة على الضعف والوهن، حيث ورد في القرآن الكريم العديد من النصوص التي تبيّن ما فطر الله -تعالى- عليه الإنسان من ضعفٍ، وأنّه مهما أُوتي من قوةٍ يبقى ضعيفاً وعاجزاً أمام أبسط الشهوات، والمغريات التي في الحياة الدنيا، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)،[]، فالضعف في هذه الآية الكريمة ضعفٌ عامٌ وشاملٌ لجميع جوانب الضعف البشري؛ النفسيّ، والبدنيّ، والعقليّ، والتركيبيّ، والعاطفيّ، فالإنسان ضعيف النفس بطبعه وفطرته، وهو مجبولٌ على ذلك منذ أن خلقه الله تعالى، ويعود سبب ذلك إلى ما هو مزروعٌ في نفسه من نوازع الخير والشرّ، ولما في نفسه من الوساوس والأهواء التي يتعرّض لها، ويظهر من خلالها ضعفه جلياً، وهو كذلك ضعيف الجسم بسبب ما يتعرّض له من الأمراض والآلام والأوجاع والأسقام، ممّا يجعله يتألم ويركن للراحة والنوم أو المسكنات والأدوية، وهو كذلك ضعيف العقل بسبب قدراته المحدودة في منظور الكون، فمهما كان إدراكه عظيماً فلن يكون مُلماً بجميع جوانب المعرفة، وهو أيضاً ضعيفٌ في الجوانب العاطفية فيتأثّر سريعاً بما حوله، فأي شيء يجري له يؤثّر على عاطفته فيُبكيه أو يُفرحه، يُشجّعه أو يُخوّفه، ومع كلّ هذه الأوجه من ضعف الإنسان فإنّ الله -تعالى- شرع له ما يناسبه وما فيه تخفيفٌ وتيسييرٌ عليه.
 
 
 

مظاهر ضعف الإنسان

 
كما أُشير في الفقرة السابقة فإنّ جوانب ومظاهر ضعف الإنسان عديدة، وفيما يأتي ذكر بعض تلك المظاهر:[]
 
تبصّر الإنسان، بالرغم على ما هو عليه من التقدّم المعرفي الكبير وخاصّةً في جسمه، إلاّ أنّه ما زال محدوداً، فهناك بعض الأجزاء من جسمه لا يستطيع دخولها، ويقف ضعيفاً تجاهها؛ فعلم الدماغ والأنسجة والسوائل المختلفة وتفاعلها مع بعضها ما زال الكثير منه مجهولاً لدى الإنسان.
الإبصار ضمن شروطٍ ومعطياتٍ يحكمها الزمان والمكان والثقافة، وبشكلٍ خاصٍّ ومحدودٍ فالإنسان الضعيف لا يستطيع أن يُبصر الأمر إلّا ضمن شروطٍ ومعطياتٍ؛ فالإنسان لا يستطيع التخلّص من محدودية الرؤية وضرورة النظر من زاويةٍ معينةٍ، وهذا يفسّر سبب عدم الاتفاق على أمرٍ واحدٍ، فإنّ خصوصية التكوين البشريّ، وظروفه، ومشاعره تدفع مواقفه وآراءه إلى التفرّد.
العجزعن إدراك الأشكال النهائية لأكثر حقائق الكون دفعةً واحدةً؛ وذلك لأنّ الحقائق لا تبيّن للإنسان كلّ أبعادها وأطوارها إلاّ بشكلٍ تدريجيٍّ.
عدم الجزم بشيءٍ مقطوعٍ ممّا سيحصل في المستقبل، مهما كان إدراك الإنسان للظروف والعوامل والمؤثرات التي تُحيط به؛ فهو لا يعلم ماذا سيحدث بعد شهرٍ أو بعد يومٍ أو بعد ساعةٍ، وأعظم الأطباء في الكون لا يستطيع أن يضمن له استمرار حياته.
الإمكانات التي يمتلكها الإنسان لفهم الواقع الذي يعيش فيه بجزئياته ومشكلاته وخباياه.
 
 

الحكمة من خلق الإنسان

 
خلق الله -تعالى- الإنسان لعبادته، وإقامة أمره، والالتزام بأحكامه، وتحكيم شرعه في الأرض، فمن ابتعد عن الطريق وحاد عنه، فإنّه يكون مستحقّاً لعقاب الله تعالى، ومن امتثل لأوامر الله وطاعته فإنّه يكون مستحقاً لنعيم الله المقيم الذي وعد به عباده المؤمنين، حيث قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)،[] أمّا الدليل العقليّ على ذلك أنّ الإنسان لم يخلق نفسه بنفسه، وأنّه كان عدماً قبل ذلك، والعدم لا يخلق شيئاً، والطبيعة المكوّنة من الأحجار والأشجار وغيرها من الجمادات التي لا تعقل لا تعمل ذلك أيضاً.[]
 
 
 
شارك المقالة:
115 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook