يضع الإنسان المسلم نفسه في كلّ أمور الحياة بين يديّ الله عزّ وجلّ، فهو سُبحانه الحافظ لكلّ شيءٍ، وهو الّذي تُردّ إليهِ الأمور، وتصدر عنهُ العللُ، والأسبابُ، والأفعالُ، وهو سبحانه الّذي يقينا من الشرّ، ويسخّر لنا الخير، ويحفظنا حتى ننقلب إليه. وكان الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم - يدعو الله في كُلّ أمرٍ، فعلّم المسلمين ولقّنهم أن يكونوا بينَ يديّ الله، فما من توفيقٍ إلّا بإذنه، وأوجب عليهم الصّبر وترجّي الله في كلّ أمورهم، وأهمّها الأمور الغيبيّة التي لا يعلم الإنسان ما مصيرهُ فيها، والشّكر الدّائم، وحمدُ الله الحافظ المسخّر لكلّ شيءٍ، والآمر، والنّاهي، فالمؤمن قريبٌ من الله أينما حلّ يذكرهُ على لسانه، ويحفظه في نفسه وعقله وقلبه.
ومن الأدعية الكثيرة التي يجعل بها المؤمن نفسهُ بين يديّ الله تعالى دُعاء الرّكوب، ونصّه: روى مسلم في صحيحه عن ابْنَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ- صلّى الله عليه وسلّم- كَانَ إِذَا اسْتَوَىَ عَلَىَ بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَىَ سَفَرٍ، كَبّرَ ثَلاَثاً، ثُمّ قَالَ: " سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنّا إِلَىَ رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللّهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرّ وَالتّقْوَىَ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىَ، اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ، اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ ". وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنّ. وَزَادَ فِيهِنّ: " آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبّنَا حَامِدُونَ ". أمّا دُعاء نزول المكان، فهو ما رواه مسلم عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ". فهذا يقال في مكان نزله الإنسان في حضر أو سفر.
من أهل العلم من ذهب إلى استحباب دُعاء الرّكوب عند الرّكوب عُموما سفراً أو حضراً. وممّن ذهب إلى ذلك سماحة الشّيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فقد سُئل: هل يلزم ركوب الدّابة قراءة دُعاء الرّكوب ؟ فأجاب رحمه الله: " ظاهر القرآن أنّ الإنسان كلّما ركب على البعير، أو السّيارة، أو السّفينة، أو القطار أن يقول:" سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ". وجاء في الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة ما نصه:" يُسنّ للرّاكب إذا استوى على دابّته أن يُكبّر ثلاثاً، ثمّ يقرأ:" سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ "، ويدعو بالدّعاء المأثور عن النّبي- صلّى الله عليه وسلّم- فعن علي بن ربيعة قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه أُتي بدابةٍ ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال: بسم الله، فلمّا استوى على ظهرها قال:" سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ". أمّا الرّكوب العاديّ في البلد أو في المصعد فلا أعلم في الأدلّة الشّرعية ما يدلّ على شرعية قراءة دعاء السفر. ومعلوم عند أهل العلم أنّ العبادات كلها توقيفيّة، لا يشرع منها إلا ما دلّ عليه الدّليل من الكتّاب، أو السُّنة، أو الإجماع الصّحيح.
موسوعة موضوع