دور الأئمة في جمع الأمة وكشف الغمة ودفع الملمة

الكاتب: المدير -
دور الأئمة في جمع الأمة وكشف الغمة ودفع الملمة
"دور الأئمة في جمع الأمة وكشف الغمة ودفع الملمة [1]

 

الحمد لله أنْ جمع الأمة على إمام، وجعل في مخالفة الإمام مخالفةً له - جلَّت عظمتُه - ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؛ وهذا لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، وتضييق الخلاف، ودفع الشِّقاق، وهذه الأمور تختصُّ بالإمامة العظمى.




أمَّامن أردتُ أن أتكلَّمَ عنهم من أجل تقديم النصح لهم، فهم أئمة الصلاة، والذين خصَّهم الشرع بصفاتٍ تُميِّزهم عن غيرهم، وجعل لهم سِمَاتٍ وعلامات، وقدَّمهم على غيرهم؛ إذ إنه لا يتسنَّى أن تكونَ الأمة كلُّها أئمةً، فوضَّح الشرع هذه الصفات: أقرؤهم للقرآن، فإن تساوَوا، فأعْلَمُهم بالسُّنَّة، فإن تساووا، فأسبقُهم للهجرة، إلى آخِرِ شروط إمامة الصلاة.




ولا بدَّ أن يكون الإمام عالِمًا بفقه الصلاة؛ أركانًا، وواجباتٍ - على الأقل - وكل ما يتعلَّق بصحة الصلاة وبُطلانها، وما يُجْبَرُ بسجود السَّهوِ، وما لا يجبر إلَّا بالإتيان بالرُّكْن، من إدراك الركن فقط، أو الإتيانِ بركعةٍ كاملةٍ وسجود السهو أيضًا.




وينبغي أن يكون عالمًا بحال الناس، رحيمًا بهم، شَفُوقًا عليهم، يعمل على جَمْعِهم، لا يفرِّقُهم، يحبِّبهم في صلاة الجماعة بالتخفيف عنهم؛ إذ جَمْعُ الناس بالتخفيف مع راحة نفوسهم أولى من جمعهم بالإطالة والإثقال عليهم، فما بالُك إذا كَرِهت نفوسهم وتفرَّقوا بالإطالة؟ ولا يُنَفِّرهم، ولْتعلَمْ أخي الحبيبَ أن الصلاة جائزةٌ بآية واحدة، وإذا أردتَ الإطالةَ فلا بأسَ إذا كنت تصلِّي منفردًا ولنفسِك، أمَّا الجماعة فخفِّفْ عليهم؛ لأن العبد إذا كان يختار لنفسه فمن حقه أن يأخذ بالعزيمة، وليس من حقه أن يحمل الناس عليها، والرَّكْبُ يسير على قدْر الضعيف فيه، ولا تكلِّفْ الناسَ ما لم يكلِّفْهم الله عز وجل.




إن الشقاء كلَّ الشقاء أن يكلِّف العبد نفسه أو الآخرين ما لم يكلفهم الله تعالى إيَّاه، وهذا من رحمة الإسلام، هذا مع إدراك الإمام لعِظَمِ المسؤولية، وأنها أمانةٌ ينبغي أن يفرَّ الناس منها إلا من تَعَيَّنت عليه، وأوجبها الشرع في حقه بتوافر جميع الشروط فيه، وأنها لا تتوافرُ في الجمع الموجود فيهم، فإذا تساووا فليقدِّمْ غيره، ولا يفرحْ بها إذا قَدَّموه؛ إذ إن الإمام مسؤول، مع كونه قدوةً في صلاته وقِراءته، فإذا كان الإمام يُخطئ ويَلْحَن في الصلاة والقراءة، تربَّى الناس ممن لا يُقَدِّر الأمور قدرها، ولا يتوقع الخطأ ولا يعرِفه أصلًا - على ذلك، فيَلْحَنون للَحْنِه مع ظنهم أنه صواب منه، فضلًا عن أنه لا يعرِف معنى اللَّحن في كتاب الله تعالى.




وما نراه من بعض الناس في تَصَدُّرِهم للإمامة، والحرص عليها، ومنعها عمن يستحقُّها، مع كونِهم لا يُجيدون حتى قراءة الفاتحة، فضلًا عن العلم المتعلِّق بها، أقول لهم: لا تظنوها قُرْبةً إلى الله؛ بل إن ذلك من تضييع الأمانة، والعدول عن الصواب بفعل الخطأ وما لا يجوز.




ولْيعلَمْ هؤلاء أن الإمامة من مواضع الظُّهور؛ التي تُسْقم القلوب وتُمرضها، فلا يتقرَّب إلى الله تعالى بمواضع الظهور وحبِّ المكانة في قلوب الخلق؛ فهذا من الفساد وضياع الدين.

ألا فلْتتَّقوا الله تعالى في دينكم، ولْيُقَدَّمْ للإمامة من هو أهلُها؛ فهذه سنَّة النبي الخاتم ووصيته صلى الله عليه وسلم، وأمةُ النبي تضع الأمور في نِصَابها، وإلَّا فماذا نقول له إذا حاجَّنا على مخالفته بعد أن بيَّن لنا؟

نسأل الله الكريم أن يجمع أمتَنا على السُّنَّة، ويصرِفَ عنا البِدْعة وشرَّها.




وإليكم بعضَ النصوص التي وردت في هذا الباب، والتي يجب اتباعُها تأدُّبًا مع الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:

عن أبي مسعودٍ الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقْدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقْدمُهم سِلْمًا، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يَقعُدْ في بيته على تَكْرِمَتِه إلا بإذنه))، قال الأشجُّ في روايته مكانَ سِلْمًا: سِنًّا؛ رواه مسلم وغيره.




[1] من كتاب الإيجاز في تأسيس الأفذاذ، لرأفت مصطفى عليوة.


"
شارك المقالة:
15 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook