رحلتي عبر الزمن

الكاتب: المدير -
رحلتي عبر الزمن
"رحلتي عبر الزمن




رواية آلة الزمن لهربرت جورج ويلز، قرأتها وأنا في الثالثة عشرة من عمري، ومن وقتها وهي قابعة في ذهني، سابحة بخيالي، فكثيرًا ما تخيلتُ أني أملك هذه الآلة لأسافر بها من الحاضر إلى المستقبل؛ لأرى كيف سيكون حالنا بعد مئات السنين، ولكن المستقبل متروك لخيالاتنا نرسمه كيفما نشاء، فقد نراه جميلاً في ساعة رضا، وقد نراه أسودَ في لحظة سخط وتشاؤم، أما الماضي فلن يتغير مهما تغير تفكيرنا، فأخذني الفضول لأغير الاتجاه وأسير عكس الزمن؛ لعلي أغيِّر ما كان، سأسافر إلى الماضي، سأرجع إلى ما قبل ميلادي، بل ما قبل الميلاد وقبل نزول آدم إلى الأرض، بل قبل خلق آدم نفسه؛ لأرى عرش الرحمن، وقد تقتلني الرهبة والفرحة فلا أقدر على شيء سوى السجود والارتجاف، وسأبقى بهذا الزمن لأرى كيف خلق الله آدم، وكيف كان شكله وهو صلصال، وكيف استقبل نفخة الروح فيه، ولأتعلم معه الأسماء كلها، ولأعرف اللغة التي تكلم بها آدم، ولأرى إبليس وهو يرتكب أول معصية على الإطلاق، حين عصى الله ورفض السجود لآدم، سأقول له: كيف تجرؤ على قول لا لرب العالمين؟! ألا تعلم أن كبرياءك هذه ستخرجك أنت وآدم وذريتيكما من الجنة؟!

 

بالطبع لن يسمعني؛ لأنني عائد من زمنٍ العصيانُ فيه أصبح عادة.




وسأبقى بالزمن الذي كانت تسكن فيه البشرية الجنة؛ حتى أرى آدم أبا البشر وهو ينعم بالجنة، وكيف خُلقت حواء من ضلعه، ولأرى كيف كانت هيئتهما، هل كانت حواء شقراء وهو أسود فأنجبا البيض والسود، أم العكس؟ سأحاول أن أقطع تلك الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها؛ لعلي أمنع وقوع خطيئة الإنسان الأولى، وسأهمس في أذن آدم: الحياة على الأرض صعبة، ستعاني أنت وزوجك، وسيعيش أبناؤك في كَبَد إلى الأبد، سيسفك بعضهم دماء بعض، وسيقسو بعضهم على بعض، ويموت بعضهم من الجوع، وبعضهم يموت بأمراض التخمة، سيتصارعون على الدنيا كما تتصارع الوحوش بالبرِّيَّة على جيف نتنة، أتدري ما الأشد من ذلك؟! سيعبدون ما لا ينفع ولا يضر، وسيسجدون لغير الله، وسيمدحون ملوك الظلم، ولا يَرْثون شهداء الحق، سيخترعون الأمراض ويحتكرون الدواء، سيوجهون كل طاقتهم لصناعة أسلحة فتَّاكة ليبقى الغني غنيًّا والفقير فقيرًا، ازهد في تلك التفاحة، وأنقذ ذريتك من الحياة على كوكب كاد ينفجر من خطايا ساكنيه.

 

بالطبع لن يسمعني؛ لأنني عائد من زمن الخطيئة فيه أصبحت عادة.




وسأنتظر حتى أرى كيف هبط آدم وحواء على الأرض، هل ركبا مكوكًا فضائيًّا كتلك العلب التي يتباهى بها ناسٌ، أم نزلا في لمح البصر بمجرد أمر إلهي؟ وكيف كانت رحلتهما؟ وماذا رَأَيَا في الفضاء؟ وهل كانت الجنة في مجرتنا هذه أم مجرة أخرى؟ وهل كانت رحلة صعبة أم أنهما وجدا نفسيهما على الأرض بمجرد أن قال الله: اهبطوا منها جميعًا؟ أم كانت الجنة والأرض والنار كتلة واحدة، وبعد الانفجار العظيم انفصلت الأرض عنهما وعليها آدم وحواء؟ أم نزلا على البراق؟ وكيف كانت أول شربة ماء شرباها على الأرض بعد الشرب من أنهار الجنة؟ وكيف قضيا أول ليلة على الأرض؟ وكيف كان نومهما على الأرض بعد التنعم بأرائك ووسائد الجنة؟

 

وسأسافر عبر الزمن إلى زمن قابيل وهابيل؛ لأرى تلك العروس التي تصارعا من أجلها، هل كان جمالها يستحق أن يقتل الأخ أخاه؟ أم أنه الحب الذي إن طغى أعمى الأبصار والقلوب؟! أم الغيرة والحقد؟ وسأحاول منعه، وسأحول بينهما، وسأحكي لهابيل عن كَمِّ القتل الذي سيحدث بعد أن ارتكب جريمته، سأترجاه ليترك تلك الجريمة بعيدة عن مدارك البشر؛ لأنه سيأتي زمان سيكون القتل فيه أسهل ما يكون، ولأبخس الأطماع، ولأتفه الأسباب، سيقتل الحاكم شعبه من أجل كرسي، وسيقتل الولد أباه من أجل الميراث، بل سيقتل أمه من أجل سيجارة أو مخدرات يقضي بها على نفسه، وستقتل المرأة زوجها لتهرب مع عشيق خائن، ويقتلك من لا يعرفك ليسرق قُوتَ يومك، فأرجوك يا هابيل لا تفعل، لا تسنَّ سنة سيئة لن تستطيع البشرية التطهر منها.

 

بالطبع لن يسمعني؛ لأنني عائد من زمن القتل فيه أصبح عادة.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook