رسائل إلى من يهمه الأمر (1): الأكمل والأوفى

الكاتب: المدير -
رسائل إلى من يهمه الأمر (1): الأكمل والأوفى
"رسائل إلى من يهمه الأمر




الأكمل والأوفى:

من العسير في زمن غربة دينك، وغلبة لون مائع أو مائل عن الأصل - أن تجد لك في كل أمر موافقًا، ومن المتوقع أن تتهم نفسك، وأن تظن بمسلكك الظنون، وأن تسمع حينًا همسًا حولك، وحينًا قولًا صفيقًا أو رفيقًا، يصفك بما تضيق به نفسك أو يضعك في إطار ضيق مقيت، ويضع واجهة لك يحاكمك بها، كلما أتيت أو تركت.

 

وإنك واجدٌ نفسك تحدثك بالميل قليلًا، أو قبول ما ينحو إليه الناس، وبما هو سائد، أو ما غلب على سعيهم، وستجد نفسك من الأعذار والأحوال ما يزيح عنك الهم، ويقرب إليك اتباع النهج السائد، فلست تأتي بما لا يجوز قولًا واحدًا، ولست تنتقل من النقيض إلى النقيض، إنما أنت تسدد وتقارب، وتزيح عنك الغربة والكربة، وتجعل لك ولذويك متنفسًا.

 

نعم، ستقرُّ نفسك ما تذهب إليه، وستجد آفاقًا رحبة تفتح لك، وستبدو لغيرك صاحب أفق عالٍ، وإن كنت ستجد فريقًا من العائبين والعاتبين على أي حال اتبعتها.

 

قد يكون من الحق هنا قول لا بأس عليك، فلن تفعل إلا ما يقيك أذى الغربة، وصقيع الوحشة، لكنك حين انشغالك بإزالة الحواجز عنك واحدًا تلوَ آخر قد نسيت، ليس أمرًا واحدًا، بل أمورًا كنت تعلمها، وربما دعوت لها وكنت لها ناصرًا، أو قد مرت عليك يومًا وأنت في طريق المجاهدة، وربما كانت لك شعارًا ودليلًا.

 

لست بنفسك أيها الصديق، لست فردًا منعزلًا في قارة من الغرباء، إنما أنت خيط في نسيج، والنسيج الآن يتمزق، وميلتك القليلة توشك أن تخلق خرقًا لا ينصلح قريبًا، إنك تنقض غزلًا ما صنعته وحدك، كانت الأيدي مجتمعة، وكنت بيدك تصنع سطرًا ممتزجًا ملتصقًا، وتضيف للقطعة ما يكملها، غادر قبلك غيرك، وها أنت قد تركت القطعة تذوب أنسجتها وتتفتت، ويضيع رسمها وأثرها.

 

ليس هذا الصنيع وحده ما يدين القفزة، إنما ما يليها ومن يتبعك فيها، ويضيف إليها، حتى تصبح سهلًا ممتدًا يسلكه المصطفون على الطريق خلفك، تتراجع أنت مقدار ما التفت، فإذا نظرت وجدت من تحتك قد سبقوك إلى هناك، يدفعونك أن تكمل الخط إلى النهاية، وربما ما بعدها، وأن تبارك ما أثاروه من غبار، وما فازوا فيه في جديد سعيهم، وستفعل مفتخرًا ظانًّا أنك تدفعهم إلى مهر العلا، وإلى الظفر الكبير المثمر.

 

إن إحكام الغلق على ما تملك من حصون ليس جمودًا أو هربًا، بل هو السياج يحميك ويحمي من خلفك، لن تنعزل بالداخل أبدًا، بل تغلق الدائرة ألَّا تنفرط أو يسيل ماؤها، أنت تقيم نفسك بالداخل، وتخرج عزيزًا لا تنقص، كلما غدوت أو رحلت أو اختلطت، بل تزداد وتزيد من حولك، وتعود لحصنك أقوى وأعز سبيلًا.

 

أيها المُنطلِق، انتبه وتذكر، كيف كان المنطلَق وإلى أين تأخذك الريح السادرة المتغضنة.


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook