رضا المولى في رحلة الحج الأولى (1)

الكاتب: المدير -
رضا المولى في رحلة الحج الأولى (1)
"رضا المَولَى
في رحلة الحج الأُولَى
(1)




إبراهيم محمد خير يوسف



الحمد لله الذي فرض الحج على عباده، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي علمنا مناسكه، وعلى آله وأصحابه الحريصين على أدائه، وبعد..

 

فقد بدأت رحلتي إلى بيت الله الحرام في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة، من عام 1435 هـ، وسبقتها أمور:

فمنها أن الوالد كان مهمومًا لكوني الوحيد الذي لم أحجَّ من بين أولاده، وأنا طالب في السنة الثانوية الأخيرة، فكان يدعو الله أن يمكنه من الحج ليصحبني معه، وقد دخل في الشيخوخة، وزحف إليه الضعف، وأثَّرت فيه أمراض صاحبته منذ زمن، فقدَّر الله أن يُدعى إلى مؤتمر مكة المكرمة الخامس عاشر، فطلب من هيئة المؤتمر أن يصحبني معه فقبلَت. والحمد لله رب العالمين.

 

وحمدت الله تعالى على صحبة الوالد في هذه الحجة المباركة، لأقوم بخدمته فيما لا يقدر عليه، أو يجد صعوبة فيه، فهو ليس من محبي السفر أصلاً، وخاصة بعد الكِبَر، كما أصبحتُ له كالترجمان لضعف في سمعه. ويقول إن السفر يخرِّب برنامجه العلمي، ويقلِّص بحوثه، ويكون عائقًا أمام مراجعه.

 

ثم إن الوالد سماني بهذا الاسم، حبًّا وإجلالاً لخليل الله أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي أثنى الله تعالى عليه كثيرًا في كتابه الكريم.

 

وقال لي: كنتُ يا بني في إحدى العمرات فرحًا بما خططتُ له، من أنني سأرفعك بيدي وأنا أطوف بك بيت الله الحرام وأنت طفل، وأقول: يا رب، هذا إبراهيم، الذي سميته باسم نبيك الذي بنى بيتك هذا، أولَ بيت بُني لعبادتك، ? إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ? [سورة آل عمران: 96]. ولكن هجم علي مرض فلا أدري كيف أكملتُ الطواف، وربما رفعتك مرة أو مرتين وقلت ما قلت، وقد أُسعِفتُ إلى المستشفى في ذلك اليوم.

 

قال: ودعوتُ الله أن يحفظك، ولا يحرمكَ خصالاً آتاها نبيَّهُ إبراهيم عليه السلام بما يناسبك، وأن يجعلك ممن يرثُ علمي، ويزيدك علمًا وتقوى.

 

وجرت الأمور على التيسير بفضله تعالى، إلا ما كان من أمر تصريح الحج، الذي لا بدَّ لكل حاج في الداخل من أن يحصل عليه من إدارة الجوازات العامة، وإلا لم يسمح له بالحج.

 

واقترب وعد المؤتمر، وجاء اليوم الذي تقلع فيه الطائرة، وهو يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة، ولم يصدر التصريح؛ لأمور إدارية في الجوازات، وما كان بالإمكان تأجيل الحجز في ظروف الزحمة في الأيام القريبة من الحج، فلبسنا لباس الإحرام في البيت، ومضينا متوكلين على الله تعالى.

 

وصلنا إلى مطار الرياض، وأخذت جولة فيه لأتعرف معالمه الجديدة، ومستحدثاته، وحركة المسافرين التي لا تنتهي قدومًا ومغادرة.

 

كان الجميل في الطائرة أنها تبث على شاشتها بين كل عدة دقائق المسافة الباقية للوصول إلى الميقات، ولكننا كنا قد نوينا قبل الميقات بكثير خشية تجاوزه.

 

وكان على يميني، وعلى يسار أبي، شابان يتابعان أفلامًا أجنبية، فيها لقطات فاحشة وقبيحة.

 

وصلنا إلى جدة، بوابة الحرمين الشريفين، في الساعة العاشرة ليلاً تقريبًا، وجاء سائق الحافلة الخاص بالرابطة، وتفاجأ بأننا لا نحمل تصاريح الحج، وكان في الحافلة مدعوون آخرون، فكنا معهم، واسمانا موجودان في قائمة المدعوين للمؤتمر.

 

وانطلقنا إلى مكة المكرمة... وحفظنا الله، ووصلنا بالسلامة، والحمد لله على عافيته. وقد صدرت التصاريح في اليوم التالي.

 

نزلنا في سكن الرابطة بمنى، ومررنا على مكتب العلاقات العامة والحركة لإثبات قدومنا، ولكنهم لم يجدوا اسمي ولا اسم الوالد عندهم، فتحيروا ماذا يفعلون، فأخرج الوالد أوراق المؤتمر من محفظته وفيها اسمه، فصوروها، وحولونا إلى قسم السكن، وحملوا أمتعتنا، وأصعدونا إلى الطابق الثالث، فكان نصيبنا غرفة صغيرة، ملتصقة بأحد جبال منى، في أولها حمّام، وثلاثة أسرَّة، وخزانة ثياب، وثلاجة صغيرة، ومكيف قوي، وطاولة صغيرة لا تتجاوز نصف المتر.

سكنا في غرفة كانت تطل على أحد جبال منى

 

وقال لنا الخادم: سيسكن معكم شخص آخر. فلم تمرَّ دقائق حتى دخل علينا رجل، فسلم وقال: أنا مغربي، فرحبنا به، وقال أبي: أعاننا الله على اللهجة، سنتكلم الفصحى.

 

وبعد حديث قصير قال: إنني مقيم في مدريد منذ أربعين عامًا، فقال الوالد: وكم يشترطون للتجنس؟ قال: عشرة أعوام مستمرة، لا يتخللها سفر إلى الخارج، ففال الوالد: إذًا أنت متجنس بالجنسية الإسبانية، وقد دُعيتَ إلى الحج لكونك إسبانيًا وليس مغربيًا؟ فقال: نعم.

 

ولم يكن من المدعوين للمؤتمر، وإنما حاجًّا على نفقة الملك.

وسكن الرابطة لضيوفها وضيوف الملك (العاديين).

 

اقتربت الساعة من الثانية بعد منتصف الليل، وأعلنوا أن الحافلة ستنطلق إلى الحرم في الثالثة والنصف، فما كان هناك مجال للنوم، ولا للبحث عن طعام، فبقينا نغفو بين فينة وأخرى وننتظر، ونحن الثلاثة حريصون على ألا تسبقنا الحافلة إلى الحرم، وذلك لنؤدي مناسك العمرة كاملة، تقدمة لحج التمتع. ولكن الحافلة لم تنطلق إلا في الرابعة، قبل الفجر بنصف ساعة.

 

نزلنا في موقف الحافلات، وصعدنا في درج إلى أعلى، لنرى الحرم الشريف، فكانت السلالم الكهربائية أقرب ألينا، فحملنا السلم تلو الآخر حتى رأينا أنفسنا في سطح الحرم، وازدحام الحجاج في كل منطقة فيه، وفي كل الأوقات تقريبًا، فقلنا: نطوف طواف القدوم، وإن كان أطول طواف في الحرم.

 "
شارك المقالة:
37 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook