زنوبيا ملكة تدمر

الكاتب: بتول فواز -
زنوبيا ملكة تدمر

زنوبيا ملكة تدمر.

الملكة زنوبيا

تعدّ زنوبيا ملكة المستعمرة الرومانية تدمر منذ عام 267م أو 268م، وحتى عام 272م، واسمها بالآرامية هو بات زباي. كان زوجها أُذَينة (Odaenathus) الحاكم الموكّل عن الإمبراطورية الرومانية لمملكة تدمر، والذي استطاع أن يعيد المناطق الشرقية لروما من الحكم الفارسي، قبل أن يُغتال هو وابنه هيردوس عام 267م أو 268م مما جعل زنوبيا وصية العرش لابنها الصغير وهب اللات الذي ورث عن أبيه ألقابه: ملك الملوك، وحاكم الشرق، وبعد استلام زنوبيا العرش أرادت الانفصال عن الإمبراطورية الرومانية، فاحتلت المناطق الشرقية منها وفرضت سيطرتها على مصر والأناضول، لتعلن بعد ذلك استقلالها عن روما عام 269م.

لكن انتصارات زنوبيا لم تستمر طويلاً؛ فقد هزم الإمبراطور أورليان (Aurelian) جيوشها في أنطاكيا وحمص، وحاصر تدمر، فيما حاولت تدمر الثوران على الحكم الروماني مرة أخيرة في عام 273م وهو الأمر الذي أدى إلى تدميرها من قِبلهم، واختلف المؤرخون في نهاية زنوبيا بعد القبض عليها، فبعضهم قال بعودتها محتفلة في موكب النصر في روما، وبعضهم رأى غير ذلك.

نشأة زنوبيا

وُلدت زنوبيا ونشأت في تدمر في سوريا باسم لوليا أورليا زنوبيا (Iulia Aurelia Zenobia)، لوالدها زباي بن سالم (Zabaii ben Selim) أو يوليوس أورليوس زنوبيوس، والذي كان شيخ قبيلة آنذاك، واسمه "أورليوس" يشير إلى أن أجداده كانوا مواطنين منتمين للإمبراطورية الرومانية في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس (Antoninus Pius) الذي حكم في الفترة بين 138م-171م، أو ماركوس أورليوس (Marcus Aurelius) الذي حكم بين 161م-180م، أو كومودوس (Commodus) الذي حكم بين 180م-192م، ويُشار إلى أنّ اسم زنوبيا بالعربية هو الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع، والزباء هو الاسم الذي أطلق عليها وعلى أمها، فاسمها في الوثائق الرسمية بنت الزباء أيضاً وهي الكلمة التي تعني صاحبة الشعر الجميل والطويل، وقد عُرفت زنوبيا ببشرتها السمراء وعيونها السوداء ووجها الجميل وشخصيتها الساحرة، كما أنّها تعلمت العديد من اللغات كالآرامية، والأغريقية، والمصرية، واللاتينية، وعُرف عنها حبّها للصيد، واهتمامها بالتاريخ وقراءتها لأدباء وفلاسفة أغريقيين عدّة كالشاعر هوميروس (Homer)، والفيلسوف أفلاطون، وذكرت بعض المصادر أنّها درست اليهودية أيضاً.

اعتلاء زنوبيا العرش

تزوجت زنويبا من أذينة سبتيموس (Septimius Odaenathus) ملك تدمر عام 258م، ورافقته في قيادة الجيوش لتوسعة مملكة تدمر والحفاظ على المصالح الرومانية، ممّا تسبب في المضايقة المستمرة للفارسيين الساسانيين التابعين للإمبراطورية الساسانية الفارسية؛ كون تدمر تقع بين سوريا وبابل -أي على أطراف الإمبراطورية الفارسية-، وكان لأُذينة ولدان؛ الأول اسمه حيران (Hairan) وهو ابنه من زوجته الأولى وولي عهده، والثاني هو وهب اللات (Vaballathus) الذي وُلد بين عامي 260م -266م من زوجته زنوبيا، وأصبح ولي العهد بعد اغتيال والده وأخيه بعد سنة من ولادته، لتصبح أمه زنوبيا حينها وصية عرشه مما منحها لقب أغسطا (Augusta) أي العظيمة، ومنح ابنها وهب اللات لقب أغسطس (Augustus) أي العظيم

سيطرة زنوبيا على مصر

ذكرت مراجع السِّيَر الرومانية أنّ زنوبيا عمدت إلى ربط نفسها بالبلاطمة الذين حكموا مصر ككليوبترا، في الوقت الذي ذكرت فيه مراجع أخرى كتلك التي كتبها الطبري أنّها من أصل عربي وليس إغريقي، ووافقته المراجع التاريخية المعاصرة بكونها من أصل عائلة تدمرية عريقة وليست من أصل بطلمي.

لم تستلم زنوبيا زمام الحكم إلّا بعد اغتيال زوجها أذينة على يد أحد أقاربه، ويُشار إلى أنّ أذينة كان يُعلن الولاء للإمبراطورية الرومانية بظاهره؛ كونه الحاكم العربي المُوكّل بحكم تدمر، والذي استطاع بقوته إعادة الفرس إلى حدودهم بعد أن حاولوا السيطرة على مناطق عدّة كتدمر بعد هزيمة الامبراطور الروماني فاليريان (Valerian) عام 263م، وهو الأمر الذي أدّى بالامبراطورية لأن تمنحه لقب حاكم الشرق، فيما لقّبه شعبه بملك الملوك. أدّى تزامن ضعف الإمبراطورية الرومانية مع انتصارات أذينة إلى ظهور نواياه في إنشاء مملكة لنفسه تكون عاصمتها تدمر، الأمر الذي أصبح واقعاً لم يستطع الإمبراطور جالينوس بن فاليريان الوقوف في وجهه، إلّا أنّ ذلك لم يتم بسبب اغتيال أذينة عند عودته من حملة عسكرية ضد القوط (Goth) القاطنين في مدينة كابادوكيا وسط تركيا، فلم يبقَ سوى ابنه الصغير وهب اللات وأمه زنوبيا التي سلًمت نفسها مقاليد الحكم، وأعدمَت من اغتال زوجها، وأنهت علاقة التبعية التي كانت تربط تدمر بالإمبراطورية الرومانية، وحافظت على الحدود التي استعادها أذينة من الفرس، بالإضافة لانتصارها على الإمبراطور جالينوس، مما لم يُبقِ للإمبراطورية الرومانية بضعفها إلّا الموافقة على حكم زنوبيا لتصبح تدمر بذلك مملكة مناوئة لهم، فيما استمرّت زنوبيا بالتقدّم بجيوشها إلى المناطق التابعة للسيطرة الرومانية، فسيطرت على كل سوريا ومعظم الأناضول في تركيا بفطنتها وحكمة مستشاريها، وفي عام 269م دخلت مصر وسيطرت على الإسكندرية، فيما شهد عام 270م سيطرتها على كل مصر، وأصبحت ثرواتها ومحاصيل حبوبها الوفيرة المموّنة لروما بيدها.

زنوبيا وأوريليان

هدَفَ الإمبراطور أوريليان (Aurelian) حسب تاريخ السِّيَر الرومانية القديمة إلى توحيد المناطق الرومانية بعد ضعفها من جديد، ومن ضمنها تدمر التي تحكمها زنوبيا، وبعد أن تمّ له ذلك بعد هزيمته لزنوبيا عام 274م انتشرت أخبار في روما بأنّ أوريليان سيعيد زنوبيا إلى المدينة لتشارك بموكب الاحتفال بانتصار الإمبراطورية الرومانية، إذ كانت المشاركة فيه شرف عسكري عظيم، الأمر الذي دعا روما لعدم قبول هذه الفكرة التي تقتضي بمشاركة أنداد الإمبراطورية -زنوبيا- في موكب النّصر الخاص بها، مما دفعه إلى إرسال رسالة لروما يمتدح فيها قيم زنوبيا كحاكمة، وأنه حافظ على حياتها تقديراً لجهودها التي تمثلت بحماية المناطق الرومانية من سيطرة الفرس، حيث كانت ستبقى بأيديهم لولا جهودها، ومما يبدو أنّ رسالة أوريليان تلك قد لقيت قبولاً لدى أصحاب السلطة في روما الأمر الذي أسفر عنه مشاركتها في موكب النّصر عند عودتهم وإكرامها بالمشي في شوارع روما في موكب الاحتفال مكلّلة بالذهب، بالإضافة إلى فيلا كانت قد خُصّصت لها قرب تيفولي (Tibur) لتستقر فيها، وممّا يُثار حول موقف أورليان من زنوبيا هو عدم رغبته بالانتصار عديم القيمة على حاكمة امرأة، ممّا دعاه إلى تمجيدها وذكر إنجازاتها العظيمة في رسالته تلك لدحض المعتقدات التي كانت سائدة حينها بعدم صلاحية المرأة لتولّي أمور السلطة حسب ما ذكره المؤرخ جون بالسدون، فضمن برسالته تلك انتصاراً ذا قيمة حقّقه على ندّ عظيم مثل زنوبيا.

آخر أيام زنوبيا

تعدّدت روايات نهاية الملكة زنوبيا في المصادر الرومانية و الشرقية والإغريقية والبيزنطية، فتاريخ السِّيَر الرومانية (Historia Augusta) ذكر أنها شاركت بموكب احتفال انتصار الإمبراطورية الرومانية عليها، وذكر المؤرخ اليوناني زيسموس (Zosimus) روايتين؛ ذكر في إحداهما أنها وابنها وهب اللات قد غرِقا في مضيق البسفور في طريقهما إلى روما، أو أنّها وصلت إلى هناك وحدها وتزوجت من رجل روماني، فيما تزوّج الإمبراطور أوريليان من إحدى بناتها، أما بالنسبة للمؤرخ البيزنطي زونراس (Zonaras) فذكر أنّها وصلت إلى روما دون المشاركة في موكب النصر فيها، وتزوجت من رجل روماني ثمّ تزوج الإمبراطور أوريليان إحدى بناتها، وروت المصادر الشرقية كالطبري أنّها تزوجت من شيخ قبيلة يدعى جديمة إلا أنّها قامت بقتله يوم زفافهما، مما دفعها للهرب من ابن أخيه الذي أراد الانتقام منها بقتلها، ففرت باتجاه نهر الفرات ليتم القبض عليها قبل أن تتمكن من ذلك، فيما اختلفت الرواية في تحديد مصيرها بعد ذلك، فإمّا أن تكون قد أُعدمت، أو أنّها قامت بتسميم نفسها بنفسِها للخلاص.

حقائق عن زنوبيا

من الحقائق التي وردت عن زنوبيا ما يأتي: كانت زنوبيا من الحاكمات النادرات في القرن الثالث الميلادي، فقد استطاعت السيطرة على ثلث الإمبراطورية الرومانية. أصبحت الملكة زنوبيا مواطنة رومانية، فيما حصل بعض أبنائها على مراتب سامية في الإمبراطورية، وهو الأمر الذي دفع الإمبراطور أوريليان -ربّما- للحفاظ على حياتها حتى وإن كانت نداً للإمبراطورية الرومانية. طُبعت صورة زنوبيا في ذهن الإمبراطورية الرومانية بأنَها حاكمة شجاعة، وقائدة حربية ذات كفاءة عسكرية، وهي الأمور التي كانت سبباً في شهرتها التي امتدت حتى اليوم.

 

شارك المقالة:
377 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
1

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook