سبل الارتقاء بالدعوة في المدارس

الكاتب: المدير -
سبل الارتقاء بالدعوة في المدارس
"سبل الارتقاء بالدعوة في المدارس

 

تبيّن في المقالات السابقة مدى تأثير المعوّقات على دعوة الطالبات في المرحلة الثانوية، وصرفها الدعوة عن أهدافها وإضعافها، وتحجيم أثرها في إصلاح الطالبات، فهل هناك سبل ترتقي بالدعوة إلى الله وتجاوز هذه العقبات؟

 

قد يستسلم بعضهم أمام هذه المعوّقات، وخاصة المعوّقات الداخلية التي تتعلق بذات المعلمة أو الطالبة، وقد يستثقل مجاهدتها، لظنهم أن بعض الخلق والسلوك المتأصل في الإنسان لا يمكن تغييره أو علاجه، ولكن أهل العلم قديمًا وحديثا ردُّوا على هذا الزعم، وأكدوا إمكانية علاج جوانب الضعف في الشخصية الإنسانية.

 

وقد أشار الغزالي-رحمه الله - إلى إمكانية تغيير الأخلاق السيئة الراسخة في الإنسان إلى أخرى حسنة، ويستدل على ذلك بقوله: (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير؛ لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات... وكيف يُنكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك).[1]

 

والمسلمة الداعية التي كرّمها الله بحمل الأمانة، وبالقدرة على الدعوة إليه تستطيع التحول من حال إلى حال، والارتقاء بدعوتها إذا استعانت بالله وبذلت الأسباب الملائمة، وعملت بما وهبها الله من العلم والحكمة والقدرة والإرادة للارتقاء بالدعوة وإزالة العقبات من أمامها، فكما أن الإنسان ينتقل حاله من الضلال إلى الهداية، ومن المعصية إلى الطاعة، فإنه قادر-بتوفيق الله- على التأثير فيمن حوله.

 

والسعي إلى تحقيق المقاصد والرغبات أمر مفطور عليه الإنسان، وقد أكد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بقوله: إن الله لم يأمر بأمر إلا وقد خلق سببه ومقتضيه في جبِّلة العبد، وجعله محتاجا إليه وفيه صلاحه وكماله، فإنه أمر بالإيمان وبالعلم والصدق والعدل وصلة الأرحام، وغير ذلك من الأمور التي في القلوب معرفتها ومحبتها، ونهى عن الكفر والكذب والظلم والبخل وغير ذلك من الأمور التي تنكرها القلوب [2]، وكذلك الله تعالى أمر بالدعوة إلى سبيله في قوله: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 104] [3]، كما أمر بتزكية النفس في قوله: ? وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ? [الشمس: 7 - 9] [4]، ويسّر سبل الإصلاح والهداية في جبلة الإنسان، وفطره على دين الحق.

 

والمراد بسبل الارتقاء بالدعوة:

سبُل مفردها السبيل والسبيلة: وهو الطريق وما وضح منه، والطريق الذي فيه سهولة[5]، قال تعالى: ? يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ? [المائدة: 16] [6]، وقال تعالى: ? وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ? [الأنعام: 153] [7]، (ويستعمل السبيل لكل ما يتوصل به إلى شيء خيرا كان أم شرا)[8].

 

أما الارتقاء: فيحمل معاني الصعود والعلو والرفعة، يقال رقا الطائر: ارتفع في طيرانه، ورقا إليه رَقْيا ورقِيَّا: صعد[9]، ومنه قوله تعالى: ? أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ ? [الإسراء: 93][10] أي تصعد في سلم[11]، ورقا به الأمر: بلغ غايته، وما زال فلان يترقى به الأمر حتى بلغ غايته: أي ما زال يتنقل به من حال إلى حال[12].

 

والمراد بسبل الارتقاء بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية: انتهاج الطرق الواضحة الميسرة التي تُستخدم للارتقاء بالدعوة في المرحلة الثانوية والصعود بها حتى تبلغ غايتها، وإزالة المعوّقات التي تعترضها بغية تحقيق الأهداف الدعوية، وهذه السبل قد تكون مباشرة مقصودة عمدا لعلاج معوّق ما، كما قد تكون غير مباشرة يقصد بها الارتفاع بالعملية الدعوية والتأثير فيها إيجابيا بطريقة أو بأخرى.

 

وأهم ما تقوم به الداعية للارتقاء بالدعوة هو: إزالة المعوّقات السابق ذكرها وغيرها، وهذا أمر معلوم إذ لا بد من التخلية قبل التحلية، وهذا الأمر يكون في المعوّقات المعنوية كما يكون في المعوّقات المادية، ففي مجال الأخلاق والعادات -مثلا- لا يكون تحصيل الأخلاق الفاضلة واكتسابها إلا بعد تطهير النفس من الرذائل التي تخالفها وتضادها، وفي مجال الإيمان بالله تعالى لا يكون السمو بإيمان الإنسان وصلاحه إلا بتركه للمعاصي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن فعل الحسنات يوجب ترك السيئات، وليس مجرد ترك السيئات يوجب فعل الحسنات، لأن ترك السيئات مع مقتضيها لا يكون إلا بحسنة؛ وفعل الحسنات عند عدم مقتضيها لا يقف على ترك السيئة[13].




[1] باختصار: إحياء علوم الدين  3/ 55- 56.

[2] ينظر: مجموع الفتاوى 20 /121.

[3] سورة آل عمران: آية 104.

[4] سورة الشمس: الآيات 7 - 9.

[5] تاج العروس من جواهر القاموس، فصل السين من باب اللام 7 /366.

[6] سورة المائدة: جزء من آية 16.

[7] سورة الأنعام: جزء من آية 153.

[8] المفردات في غريب القرآن ص 228.

[9] تاج العروس من جواهر القاموس، فصل الراء من ياب الياء 10 /154.

[10] سورة الإسراء: جزء من آية 93.

[11] تفسير ابن كثير 5 /118.

[12] ينظر: المنجد في اللغة ص 276.

[13] مجموع الفتاوى 20/ 122.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook