سبل الارتقاء بالمدعوات

الكاتب: المدير -
سبل الارتقاء بالمدعوات
"سبل الارتقاء بالمدعوات

 

لا تنحصر سبل الارتقاء بالدعوة في المرحلة الثانوية بالارتقاء بالمعلمات الداعيات وحدهنّ؛ بل إن هناك سبلاً ترتبط بالطالبات المدعوات أنفسهنّ، يجب على القائمين والقائمات بالدعوة مراعاتها والاهتمام بها، ومنها ما يأتي:

أولاً: العناية بتقوية الجوانب الإيمانية في شخصية الطالبة:

إن الإيمان أوجب ما تعنى به المعلمة الداعية، إذ بصلاحه تصلح أحوال الطالبة كلها، وبضعفه أو فساده تفسد أعمالها وسلوكها، لذلك تجب العناية بتقوية الجوانب الإيمانية في شخصية الطالبة، ومن سبل تقوية إيمان الطالبة ما يأتي:

1)) إقناع الطالبة بأهمية الدين في حياتها، عن طريق إبراز الآثار الإيجابية المترتبة على تمسكها به، حيث تحصل على الطمأنينة القلبية والأمن النفسي والحياة الطيبة.

 

2)) تقوية عاطفة الطالبة الدينية التي تساعدها على الاستقامة، وتقيها الانحراف الفكري والسلوكي، من خلال تذكيرها بحاجتها الدائمة إلى الله تعالى، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم))[1].

 

3)) إشعار الطالبة بنعمة الله عليها وتبصيرها بمواقع هذه النعم، وقد قال تعالى: ? وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ? [إبراهيم: 34][2]، فإن نعم الله عليها عظيمة لا تقدر على عدها فضلا عن كونها تشكرها، (فإن نعمه الظاهرة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات من جميع أصناف النعم، مما يعرف العباد ومما لا يعرفون، وما يُدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى)[3].

 

4)) تعريف الطالبة بجزاء وعاقبة من يفوز بمحبة الله تعالى ويرضى عنه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً؛ نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض))[4].

 

5)) الإجابة عن تساؤلات الطالبة واستفساراتها الدينية لإزالة الشكوك التي قد تكون عندها تجاه أمور الدين، وعدم توبيخها أو تعنيفها أو الاستهزاء بها عند صدور هذه الأسئلة منها.

 

ثانياً: إشراك الطالبات في القيام بالدعوة إلى الله في المدرسة:

تمتلك طالبة المرحلة الثانوية مستوًى عالياً من النضج الفكري والعلمي والمهاري يؤهلها للمشاركة في الدعوة إلى الله، وفي تخطيط الأنشطة الدعوية وتنفيذها، كإلقاء بعض المحاضرات والدروس، والمساهمة في الندوات، والإشراف على حلقات القرآن، والقيام بالاحتساب على زميلاتها - مع ضرورة مراعاة مستواها العلمي - فعلى المعلمة أن تعينها في اختيار الموضوعات المناسبة، وفي تحضير المادة العلمية ومناقشتها فيها، فالطالبة لا تزال في مرحلة الإعداد، وإشراكها في إعداد البرامج الدعوية وتنفيذها ينمي قدراتها، ويعوّدها على مخاطبة زميلاتها، ويدربها على آداب الحوار والمناقشة بشكل عملي، ووظيفة المدرسة استثمار هذه القدرات وتوجيهها الوجهة المفيدة للارتقاء بالدعوة، والتدرب على القيام بالعمل التطوعي بمناشطه المتنوعة.

 

إن (من الخطأ أن نعتقد أن التلاميذ لا يتطوعون للقيام بأعمال مفيدة، ذلك أن طاقتهم تجري في كل الاتجاهات، ولكنهم ليسوا بعيدي النظر بحيث يدركون أفضلها كما أنه قد يغيب عن أنظارهم الأهداف بعد أن يقطعوا أشواطا إليها، إنهم لا تعوزهم الرغبة في العمل، فالتلاميذ الأصحاء في حركة ونشاط دائم)[5].

 

إن مهمة المعلمة في حفز طالباتها على الدعوة والعمل لدين الله هو توجيه نشاطهنّ وطاقاتهنّ إلى الطرق البناءة وسبل الخير، والمحافظة عليهنّ من الانحراف، حتى لا تهدر طاقاتهنّ فيما لا يرضي الله، وسلاحها الأول في ذلك توفير الحوافز المعنوية والمادية للطالبات المتميزات، مع الاهتمام بالثناء على صاحبات الكفاءات وصاحبات السلوك المتميز والهمة العالية.

 

ثالثاً: التأكيد على الرفق في دعوة الطالبات وإصلاحهنّ:

إذا قالت المعلمة للطالبة: إنني سأغير ما أنت عليه؛ فإنها بذلك تستفزها وتستعديها، أما إذا ذكرت لها بعض الإيجابيات وجوانب الخير في نفسها، ووضحت لها أن إدخال بعض التحسينات والارتقاء بأمور حياتها سيكون نافعا لها وسببا لسعادتها، فإنها ستكون أقرب للاستجابة، وقد اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في دعوته للناس، حيث أقرّ كثيراً مما كانوا عليه من مكارم الأخلاق، وأثنى عليهم، كما نبههم إلى الأخطاء والنواقص في حياتهم بأسلوب مليء بالشفقة والرحمة.

 

وهكذا فإن من سبل الارتقاء بالدعوة التحرز من أن تؤدي إلى استفزاز من تدعوهنّ المعلمة، أو بالتشديد عليهنّ وتكليفهنّ بما لا يطقن، بل الرفق بهنّ ومراعاة أحوالهنّ لتغييرها نحو الأفضل وللسمو بإيمانهنّ، (إن أسلوب التغيير أشبه بعمل من يحاول اقتلاع شجرة ليغرسها في موضع آخر، فهو يحفر حول جذورها مع الحرص الشديد على سلامة تلك الجذور، ولذا فإننا ونحن نغير أوضاعنا يجب أن نراعي حدا ما من إجماع الرأي والتوافق ووحدة الهدف، بل إن هذه المعاني يجب أن تظل أهدافا ثابتة نسعى إلى ترسيخها في كل الأحوال، من العسير جدا أن يتم التغيير على الصعيد القيمي والفكري - على نحو أخص - في أجواء متوترة متشنجة، حيث ينصرف تفكير الناس آنذاك إلى الدفاع عن معتقداتهم ومسلماتهم الفكرية ومواقفهم - مهما تكن غير صحيحة - وتكون القابلية للاستيعاب والتغيير في أدنى درجاتها)[6]، وهذا كمثل من يغرس شجيراته وقت هبوب الأعاصير، فإنها لن تصمد أمام هذه الرياح القوية؛ بل ستقتلعها بكل يسر وسهولة ما لم تمد جذورها في التربة.

 

من المهم أن تفقه المعلمة الداعية أنه من اليسير دعوة الطالبات والعمل على غرس الفضائل في نفوسهنّ عن طريق العديد من الأساليب والوسائل، ولكن الاستجابة لن تكون قوية إلا عندما تكون الطالبة في حالة نفسية مطمئنة آمنة، وعندما تكون متأكدة من حب معلمتها لها وحرصها على مصالحها.

 

رابعاً: تحفيز الطالبات وتشجيعهنّ على المشاركة والاستفادة من الأنشطة:

يعد التحفيز أحد الوسائل التي ترتقي بالدعوة في المرحلة الثانوية، حيث إن تشجيع الطالبات على الحضور والاستفادة من الأنشطة الدعوية المتنوعة، تشجيعا معنويا كالثناء على المشاركات وتكريمهنّ والإشادة بهنّ أمام الزميلات، وتحفيزهنّ عن طريق تقديم الدعوة بصورة محببة ومشوقة للطالبات، يجعلهنّ يواظبن على الحضور والاستفادة من الأنشطة، فالطالبة قد لا تُقبل خلال اليوم الدراسي على نشاط له صبغة المواد الدراسية، في محتواه وطريقته، إلا إذا شعرت بالفرق بين الحصة الدراسية وبين النشاط الدعوي والبرنامج المقدم لها.

 

ومن هنا يجب أن يشمل البرنامج الدعوي على شيء من الترويح عن النفس، وأن يتصف بالجاذبية والتشويق، واحتوائه على الجديد مما لا تتلقاه الطالبة في فصلها الدراسي، كما يمكن الاستعانة بالحوافز المادية، في ترغيب الطالبات في الحضور، مثل تقديم الجوائز المناسبة للمشاركات في المسابقات، وتكريم الحاضرات بالهدايا المفيدة.




[1] صحيح مسلم، سبق تخريجه ص 443.

[2] سورة إبراهيم: جزء من آية 34.

[3] تفسير الشيخ السعدي ص 39.

[4] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله للملائكة، ح7485 فتح الباري 13/ 461 واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده 4/ 2030ح2637.

[5] التدريس، أهدافه أسسه وأساليبه، تقويم نتائجه وتطبيقاته: د. فكري حسن ريان ص 140، عالم الكتب، القاهرة، ط:2، 1971م.

[6] تجديد الوعي: د.عبد الكريم بكار ص 193.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook