سجدة قلب

الكاتب: المدير -
سجدة قلب
"سجدة قلب

 

تحيَّة إلى وردٍ تعطَّش إلى نداكم وإلى قُربكم، وقتَله الشوق صبرًا أن يُطلَّ ذاك الفجر الباسم، ونتنسَّم نسيمه معًا، ونبضات القلب توحِّد الله تجدِّد العهد معه بأن تَسير على درب الأنبياء والأولياء والصالحين.

 

لا نريد لقاء يَنتهي بنا في مفترق الطرق؛ بل لقاءً تنسجم فيه الأهداف، نرسُم معًا مستقبلاً زاهرًا بالأمنيَّات والغايات النبيلة التي توصل إلى أعلى الجِنان.

 

يجمعنا محرابُ العبادة دعاءً ورجاء، وتقرُّبًا إلى الله، لنا من كل بستان وردة، ومن كلِّ عبادة نصيب.

 

أمَّا الزَّهر اليانع: فهو ذاك الذي مددته لي يومًا كلمة وعد:

احرصي أختاه النقيَّة التقيَّة على ألا يسبِقَنا إلى الله أحد، وعندما يقدِّر الله لنا اللقاء سيُؤتيك البشيرُ بطاقة محبة، تبهج روحك ألوانًا زاهية بهية.

 

ستعلَمين حينها أيَّ قلب أضمُّه بين أضلُعي!

 

وأيَّ نبض مؤمن اختاره الله لك؛ كي تمضي معه ما تبقَّى من عمرك!

 

ثم مضَيت إلى حال سبيلك، وبقيتُ أنا وحيدةً أنتظر، ووالله إني لوفيَّة مخلصة.

 

ما تركت الوردَ يَذبُل أبدًا، كم مرةٍ سقيتُه بدموعي دعاء وتضرعًا إلى الله أن يحقق الحُلم!

 

وما تركته يموت عطشًا، وما سمحت لليأس أن يَطرُق بابي أبدًا، فما معنى أن أكون مؤمنة ولي ربٌّ كريم، ثم أقنَط مِن رحمته وهو ربُّ العالمين؟!

 

وإذًا ما قَدَرْتُ الله حقَّ قَدره وهو يملك خزائن السموات والأرض.

 

وكم مرةٍ سمعتهم يردِّدون: مستحيل أن يظل هذا الورد بهذا الجمال دون أن يتسلَّل إليه الذبول!

 

أوَلا نملك دواءً لكل داء؟! إنه الدعاء سلاح المؤمن الصَّادق الواثق في ربه.

 

كنت أفرُّ إلى ربي وأردد: ? كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ? [الشعراء: 62]؛ سيَكفيني ويُعطيني ويُرضيني.

 

ألَم يعطِنا بدون سؤال الكثيرَ الكثير من النِّعم؟!

أوَيمنعنا وأكفُّنا بالفقر اهتزتْ، وهي ترتجف من خشوع وخضوع، وهي تؤمن إيمانًا ويقينًا أنها لن تعود خاويةَ الوفاض؟!

 

فكانت الدموع تمتزج والكلمات تُترجم ما يخطر على البال من أحلام وآمال أودعتُها في سجدة، ثم طويتُ السجَّادة، فلا والله ما ردَّني ربي إلا راضية.

 

هل تحقق الحلم؟

ليس بعدُ، لكنَّني في ساعات الحزن أسمع صوتًا هامسًا:

هل يُعقل أن يُنادي رجل عظيم ذو مالٍ وجاهٍ وسلطان في الناس: من كان يريد حاجةً فليَطرُق بابي سأقضي حاجته، ثم يُخلِف وعدَه؟!

 

ولله المثلُ الأعلى سبحانه وتعالى، وهو أكرم الأكرمين.

إنه يناديني: ? ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ? [غافر: 60].

كم جرى الدَّمعُ مِدرارًا كأنما المطرُ انهمر وأنا أسمع هذه الآيةَ الكريمة النديَّة الحنون:? يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ? [الانفطار: 6]!

 

إنَّها يا رب أحلامُ امرأة ضعيفةٍ وفقيرة، وأنت الغنيُّ سبحانك!

 

إن تجلَّدَتْ أمام الناس فأنت تعلم ضعفَها وحاجتها، فاقضِها يا رب!

 

أما السَّعدُ: فحينما أَحني جبهتي بالذلِّ والانكسار لك، وأنادي والقلبُ يتحرَّق، ويَتوق ويشتاق أن يظلَّ ساجدًا، يذوب حبًّا وشوقًا إليك وإلى نفحاتك الكريمة، التي طالما أحسَستُها وأنا في قمة البلاء! وكأنما ماءٌ عذب زُلال منبعُه الجِنان سكَب في كل ذرة من كياني بردًا وسلامًا، سلامٌ عمَّ روحي وجسَدي، فإذا البسمة تعود فرَاشة ملوَّنة تطير خفَّة ونشاطًا.

 

وأيُّ بلاء أحرُّ مِن أن تكتم آهاتك عنهم جميعًا؟!

والروح تشهق: وحدَك ربِّي، تَعلمُ ما بي.

 

فلا وربِّي، لا أغادر محراب الصلاة إلا بخاطر مجبورٍ، وقد كان القلب حزينًا موجوعًا مكسورًا، داؤه حبُّ الدنيا وشهواتها، ودواؤه سَجدة قلب!

 

أشعر أنه كائن رقيقٌ حينما يَسجد لك، أسمع بُكاءه وأنينَه وحنينه: أي ربِّي، يا مالكَ أمري، أسعِدْ هذا النبض؛ فإنه يحبك، وإن عصاك غفلةً وجهلاً منه؛ فإنه يُعلنها توبةً إليك وعودةً إلى محراب الطمأنينة والرجاءِ والأمل.

 

ويظلُّ الهمس المحبُّ يتردد في الحنايا حتى يهدَأ الخاطر الحزين، وتعود إليه سكينته.

 

أمَّا نعيمُه: فلحظاتُ عبادة ووصال حبٍّ بين قلبٍ وربِّه، جسد حاضر مع الناس، وروح معلَّقة بخالقها وبارئها، تترجَّى الخير عنده؛ فهو ملك الملوك، وهو مَن يقول للشيء: كن فيكون.

 

أما الحُلم:

فكم مرةٍ يا رب جاهدتُ نفسي أن أنسى وأسلو! ولكنها فطرةٌ أودَعتَها في كل إنسان أن يَشتاق إلى سكَن، وأنا أحتاجُ أن أكون سكنًا لقلب يجد في أركان خافقي وطنًا، يُعينه على طاعتك، يَحتمي فيه من قسوة الحياة، يبثُّه أحزانَه وهمومه، ويشاركه أحلامَه وآماله.

 

أما الرجاء:

فأن أكون - ربي - كما تحبُّ وترضى، وألا يكون شوقي وتَوقي هذا فيه فتنة في ديني، ويقيني أنَّك ربٌّ كريم رحيم، يعطي بدون سؤال، فكيف إذا سألناه؟!

 

أما الدعاء:

فلا أجد خيرًا من هذه الآية الكريمة: ? رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [البقرة: 201].


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook