سحوبات مؤكدة لكل مشارك

الكاتب: المدير -
سحوبات مؤكدة لكل مشارك
"سحوبات مؤكدة لكل مشارك!
قصة وعبرة




تسامَرَ ثلاثُ سيِّداتٍ ذات ليلة كعادتهن، وكان حديثُهن في هذه المرة عن إغراء السحوبات:

• فقالت إحداهنَّ: لقد سافر زوجي وترَك لنا مبلغًا من المال يكفينا لحين عودته، ولكنني تسوَّقتُ في أحد المولات، ووجدت إعلانًا لسحوبات مُغرِية، فصرفت كاملَ المبلغ الذي تركه زوجي، وسأضطر للاتصال به لتحويل مبلغٍ إضافي.

• وقالت الثانية: وأنا تسوَّقتُ قبل ثلاثة أيام، وأغراني إعلان السحوبات، ولم يكن معي الحد الأدنى من المبلغ الذي يُتِيح لي دخول السحب، فاضطررت لبيع أَسْوِرَة ذهبٍ، كانت قد أُهديت لي؛ حتى أتمكن من الشراء بالحد الذي يضمن دخولي في ذلك السحب.

• أما الثالثة، فقالت: لديَّ سؤال لكما: متى سيكون موعد السحب على الجائزة؟

فقالت صاحبتاها: لم نسأَلْ عن الموعد، فقالت لهما: صدِّقوني إن هذه السحوبات وَهْميةٌ، هدفها إغراء المتسوِّقين للشراء، أو تصريف موديلات قديمة، أو تلك التي قرب موعدُ انتهاء صلاحيتها، وقد يكون هدفُها الجرد السَّنوي كما يحدث سنويًّا فيما يسمى بالجمعة البيضاء، فنصيحتي ألا ننساق لإعلانات هذه السحوبات الخادعة، إلا إذا تأكَّد لنا مصداقية الإعلان، من حيث موعدُ السحب، والجهة المشرفة عليه، وهنا ضربت إحدى صديقتيها كفًّا بكف ندمًا!

 

أما الثانية، فقالت: سأذهب بنفسي غدًا إلى المول، وإذا تأكد لي عدمُ مصداقيتهم، فسوف أشكوهم لوَزارة التجارة على الرَّقْم الموحَّد لبلاغات المخالفات التجارية.

 

وبهذا انتهَتْ جلسة السمر، وعادت كلُّ واحدة منهن لمنزلِها، بعد ليلة حافلة بالجدل أحيانًا، وأحيانًا أخرى بالحوار البنَّاء، هذا إلى جانب ما تعوَّدْن عليه من سرد القصص والدعابة، كما هي عادتهنَّ في كل جلسة سمر.

 

ولعلَّني هنا أذهب مع المرأة التي تُشكِّك في مصداقية هذه السحوبات؛ ذلك أن بعض التجَّار يلجأ إلى إعلان سحوبات على جوائزَ قيِّمة، قد تصلُ إلى السحب على سيارة، وفي الغالب يكون هذا خداعًا وإغراءً، يهدف إلى جذب الزبائنِ، ورفع نسبة المبيعات، أو للجرد السنوي؛ ولهذا نجد كثيرًا من الزبائن يتسابقون للشراء من هذه المحلات؛ طمعًا في الدخول على السحب، ولكن مما يؤخذ على هذه السحوبات أن بعضها وهميٌّ وغير حقيقي، فتجد أحيانًا أن السيارة تبقى أشهرًا أمام المحلات دون إجراء سحب عليها، وفي أحيانٍ كثيرة لا يُعلن تاريخ السحب، وقد لا تُجرَى عملية السحب أمام الزبائن في الوقت المحدد، ولا يُعلن عن أسماء الفائزين في الصحف، ولا في مكان بارز أمام أو داخل المحل، وقد نجدُ أغلب الأسماء المعلنة للفوز ليست معروفة، بل غير عربية، فأغلبها أسماء شرق آسيوية؛ وذلك للتمويه، ولكي يكون هناك موثوقية في هذه السحوبات يتطلب هذا الأمر تدخُّل الجهات الرقابية؛ للتأكدِ من مصداقية هذه السحوبات.

 

كما ينبغي على وزارة التجارة أن تقومَ بالإشراف على ضوابط السحوبات إشرافًا مباشرًا، وأن يتم إجراء السحب تحت إشراف لجنة موثوقة.

 

أما الحكم الشرعيُّ لهذه السحوبات، فلن أتطرَّق إليه في حديثي هذا؛ نظرًا لوجودِ اختلافٍ بين المشايخ في شأنه، بين مُجيز ومُحرِّم، فمَن أراد تفصيلًا، فليرجع إلى مظانِّه.

 

لكنني رغم كل هذه المحاذير، أدعوكم للدخول في سحوبات مؤكَّدة لكل مشارك ومضمونة الأداء، تلك هي جوائز السحوبات الربانية، والتي جاءت صريحةً في القرآن الكريم، وبشَّر بها رسول الهدى محمدُ بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرةٌ على الحصر، وإليكم بعضَ هذه السحوبات الآمنة والمؤكدة:

? الفوز بجنة عرضُها السماوات والأرض؛ ثمنًا للتقوى؛ يقول تعالى: ? وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ? [آل عمران: 133]، فالجنة أُعِدَّت للمسارعين، وأعمالُ التقوى هي الموصلة إليها، وجاءتِ البشارة بدخول الجنة في قوله عليه السلام: ((يا أيها الناس، أفشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصلُّوا والناس نِيام، تدخُلوا الجنة بسلام))؛ (سنن الترمذي: 2485).

 

? الصدقة نماء وبركة للمال، يقول تعالى: ? يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ? [البقرة: 276]، فالله سبحانه يَمْحَق مكاسب المُرابِين، ويُربِي صدقات المُنفِقين؛ (تفسير الشيخ السعدي)، وجاء في الحديث: ((الصدقة تدفع ميتة السوء، وتُطفِئ غضب الرب))؛ (صحيح ابن حبان: 3309).

 

آية الكرسي: جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قرأ آيةَ الكرسيِّ دُبُرَ كلِّ صلاة مكتوبة، لم يَمْنَعه من دخول الجنة، إلا أن يموت))؛ (الطبراني)، وجاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عندما كلَّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراسة مال زكاة رمضان، ما رواه أن ((مَن قرأ آية الكرسي عندما يأوي إلى فراشه، فإنه لا يزال عليه من الله حافظٌ، ولا يقربنه شيطان حتى يصبح))، وجاء في فضلها أيضًا: أن ((مَن قالها حين يصبح أُجِير من الجن حتى يُمسِي، ومَن قالها حين يمسي أُجير منهم حتى يُصبِح))؛ (الحاكم: 1 /562، وصححه الألباني).

 

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذه الآية أعظمُ آيات القرآن؛ لِمَا احتوَتْ عليه من معاني التوحيد والعظمة، وسَعَة الصفات للباري تعالى، والتي هي أجلُّ المعاني، ويحق لمَن قرأها متدبرًا متفهمًا أن يمتلئ قلبُه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظًا بذلك من شرور الشيطان؛ (تفسير الشيخ السعدي).

 

? فضل بعض سور القرآن الكريم: القرآن الكريم كلام الله، وفي الحديث: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ? ألم ? حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ...))؛ (سنن الترمذي: 2910).

ومما جاء في فضل بعض السور: أن سورة الفاتحة هي السبع المثاني، وقد أوصى بقراءتِها عليه السلام للرقية والاستشفاء، والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة ينفرُ منه الشيطان، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم قولُه: ((اقرؤوا الزَّهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غَيَايتان، أو كأنهما فِرقانِ مِن طير صوافَّ، تُحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البَطَلة))؛ (مسلم: 804).

 

وسورة الكهف تضيء ما بين الجمعتين لمن يقرؤها يوم الجمعة.

وسورة الكافرون تعدل ربعَ القرآن.

وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وتُقرأ هي والمعوذتان للتحصن من السحر والعين وسائر الشرور، ولَمَّا نزلت المعوذتان أخذهما عليه السلام وترك ما سوى ذلك من التعويذات.

 

? ذكر الله للعبد: يقول تعالى: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ? [البقرة: 152]، فالذِّكر هو رأس الشكر، والشكر قَيْدٌ للنعم الموجودة، وصَيْدٌ للنعم المفقودة، وجاء في الحديث: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً))؛ (صحيح الترمذي: 3 /139).

 

? نخلة في الجنة: جاء في الحديث: أن ((مَن قال: سبحان الله وبحمده، غُرِسَت له نخلة في الجنة))؛ (سنن الترمذي: 3465).

 

? أذكار الصباح والمساء: روى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن أقعدَ مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس، أحبُّ إليَّ مِن أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعدَ مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، أحب إليَّ مِن أن أعتق أربعة))؛ (صحيح أبي داود: 2 /698).

و((مَن قال: سبحان الله وبحمده، مائة مرة حين يُصبح وحين يمسي، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه))؛ (مسلم: 4 /2071).

و((مَن قال: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ثلاثًا حين يصبح، وثلاثًا حين يمسي، كان حقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة))؛ (أحمد: 4 /337).

وفي البخاري: أن ((مَن قال: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر مِن ذلك))، وجاء في فضلها أيضًا: أنها تنجي من النار، وتُحط بها الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر.

 

? صلاة الفجر: جاء في أحاديث صحيحة أن ركعتَي الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها، وقال عليه السلام: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)).

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلَّى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجرِ حجَّة وعمرة، تامة تامة تامة)).

وجاء في حديث آخر: ((مَن صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه مَن يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)).

 

? بيت في الجنة: جاء في صحيح مسلم وفي غيره: أن ((مَن بنى مسجدًا لله يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنة)).

وفي حديث آخر: ((ما من عبدٍ مسلمٍ يُصلِّي لله كلَّ يوم ثِنْتَي عشرة ركعة، تطوعًا من غير فريضةٍ، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة)).

وفي سنن ابن ماجه: ((مَن أخرج أذًى من المسجد، بنى الله له بيتًا في الجنة)).

وجاء في مسند الإمام أحمد: ((مَن قرأ قل هو الله أحد حتى يختمَها عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة)).

 

? جوائز وفضائل أخرى: لا شك أن فضل الله واسعٌ، وطُرُق الخير كثيرة على الحصر، ونذكر إضافةً لما سبق:

صلة الأرحام، وزيارة المريض، والذِّكر المطلق، وإماطة الأذى عن الطريق، وصلاة الاستخارة، وكفارة المجلس، والدعاء، ولا تعدو أن تكون هذه العبادات مجرد أمثلة، ليس إلا.

 

وبعدُ:

فهذه فُرَص للمنافسة في عبادة ربِّ العباد سبحانه، والدخول في سحوبات آمنةٍ، ثوابها أجزل وآكد، فأين المشمِّرون؟ كما شمَّر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، عندما تحدث لهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن الجنة، وما فيها من النعيم المقيم، فقال لهم: ((ألا من مشمِّر للجنة))، فقالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله، قال: ((قولوا: إن شاء الله))؛ (سنن ابن ماجه: 4332).

 

وهي في الوقت نفسه دعوةٌ للاستكثار مِن أعمال الخير، وقد سبقت إلى طلبه همَّةُ الفاروق رضي الله عنه، لَمَّا ذكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل سورة الإخلاص، وأن مَن قرأها عشر مرات بُني له قصر في الجنة، فقال رضي الله عنه: إِذَنْ نستكثر؟ فقال عليه السلام: ((الله أكثر وأطيب))؛ (مسند الإمام أحمد: 15610).

 

وتاجُ ذلك كله وضمانه قولُ الحق سبحانه: ? إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ? [التغابن: 17].

 

وفَّقني الله وإياكم للمنافسة في مِضْمار ميادين الخير، التي تتَّسع للجميع، من ذوي الهمم العالية، والإيمان الصادق، أولئك الذين يستثمرون في تجارةٍ رابحة لِما بعد الموت، ? يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ? [الشعراء: 88، 89].


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook