سلسلة صفات عباد الرحمن: الإعراض عن اللغو

الكاتب: المدير -
سلسلة صفات عباد الرحمن: الإعراض عن اللغو
"سلسلة صفات عباد الرحمن
الإعراض عن اللغو




الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وبعد:

فإن من صفات عباد الرحمن المذكورة في سورة الفرقان أنهم يعرضون عن اللغو إذا مروا به، قال سبحانه: ? وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ? [الفرقان: 72].

 

قال القرطبي رحمه الله: واللغو هو كل سقط من قول أو فعل، فيدخل فيه الغناء، واللهو وغير ذلك مما قاربه، ويدخل فيه سفه النساء، وغير ذلك من المنكرات.

 

وقال السعدي رحمه الله: ? وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ? وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم ? مَرُّوا كِرَامًا ? أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه.

 

? مَرُّوا كِرَامًا ? أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه.

 

وفي قوله: ? وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ? إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.

أيها الأحبة في الله:

لقد ذكر الله تعالى أن من أسباب فلاح المؤمنين إعراضهم عن اللغو فقال سبحانه: ? قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.. ?... إلى قوله تعالى? وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ? [المؤمنون: 1 - 3] وهذا يعني أن المؤمن الموفق لا يلتفت إلى اللغو إذا مرّ به.

 

وقال تعالى: ? وَإِذَا سَمِعُوا اللغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين ? [القصص: 55].

 

أيها الأخوة الكرام:

لا شك أن من اللغو المحرم الغناء الماجن الذي يدعو إلى العلاقات المحرمة، أو الذي يحتوي على الفاظ قبيحة سيئة، أو الذي يشتمل على آلات الطرب ومزامير الشيطان.

 

قال سبحانه: ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ ? [لقمان: 6]

 

قال ابن كثير رحمه الله:

لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه، كما قال الله تعالى: ? اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ? [الزمر: 23]، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث ?ِ قال: هو - والله - الغناء.

 

وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وغيرهم.

 

وقال الحسن البصري رحمه الله: أنزلت هذه الآية: ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ? [لقمان: 6] في الغناء والمزامير.

 

وقال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين: على أن المراد بلهو الحديث: الغناء.

 

وصح عنه صلى الله وسلم أنه قال: « لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ »؛ رواه البخاري.

 

أيها الأحبة في الله:

الغناء محرم في جميع المذاهب الأربعة، وقد كان الغناء في زمانهم أقل فتنة من غناء زماننا الذي أضيفت إليه آلات طرب كثيرة وأصبحت كثير من ألفاظه تدعو صراحة إلى الفسق والمحرمات، فلا يشك مؤمن في تحريمه ولو كثر فإن كثرة وقوع الناس في الحرام لا يجعله حلالاً ولا يشك عاقل في كونه يصد عن ذكر الله.

 

قال الإمام أحمد رحمه الله: الغناء يُنبتُ النفاق في القلب.

 

وقال ابن القيم رحمه الله:

حب الكتاب وحب ألحان الغناء
في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
ثقُلَ الكتابُ عليهمُ لما رأوا
تقييده بشرائع الإيمان
واللهوُ خفَّ عليهمُ لما رأوا
ما فيه من طرب ومن ألحان
يا لذةَ الفساقِ لستِ كلذةِ
الأبرارِ في عقلٍ ولا قرآنِ

 

أيها الأحبة الكرام:

إن عباد الرحمن يعرضون عن اللغو لأن قلوبهم تنكره وتبغضه، وإذا كان اللغو منكرًا من المنكرات واستطاعوا تغييره قاموا بتغييره.

 

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ »؛ رواه مسلم.

أيها الإخوة الكرام:

لقد رغب الشرع في ترك كثرة الكلام لأنه من اللغو قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون »، يقول الترمذي رحمه الله تعالى: والثرثار: كثير الكلام، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ».

 

وبما أن اللغو يقسّي القلوب، ويذهب الخشوع، ويحمّل الأوزار؛ فقد دلَّنا - نبينا صلى الله عليه وسلم- على ما يطهر النفس إذا وقع منها شيئًا من اللغو فدلنا على الصدقة، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: « يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة »؛ أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني.

 

ويقول ابن عباس -رضي الله عنه-: « فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين »؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

 

فينبغي على المؤمن أن يعرض عن كل ما لا فائدة منه من الكلام والثرثرة وإن كان في الأمور المباحة، لأنها على الأقل مضيعة للوقت الذي ينبغي أن يستثمر فيما يرضي الله تعالى، فضياع الأوقات من أعظم ما ابتلي به كثير من الناس، والشيطان إن لم يستطع أن يوقع العبد في المعاصي حاول أن يلهيه بالأمور التي يضيع بها وقته وشغله بها عما ينفعه.

 

أيها الأحبة الكرام:

يجب ألا ننسى أن كل قول وكل فعل يُسطّر ويكتبه الملكان حتى المزاح، والأنين.

قال الله تبارك وتعالى: ? مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ? [ق:18].

يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مرض موته كان يئن فقيل له: يا إمام! إن طاووساً يقول: إن الأنين يكتب، يعني لقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ? مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ? [ق: 18] قال الراوي: فما أنّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى حتى مات.

 

وربُ العزة يقول في كتابه الكريم: ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ? [الكهف:49].

أيها الأحبة في الله:

إن من نعيم الجنة أنها لا لغو فيها، قال تعالى: ? لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ? [مريم: 62]، وقال تعالى: ? لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً ? [الواقعة: 25].

 

فيا من تريد أن تكون مع عباد الرحمن في جنات النعيم، كن بعيداَ عن اللغو واعمر أوقاتك بما ينفعك عند ربك من طيب الأقوال والأفعال، تفلح وتسعد في الدنيا والآخرة.

جعلنا الله وإياكم من أولياءه الصالحين، وحشرنا مع زمرة المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook