سهام الليل

الكاتب: المدير -
سهام الليل
"سهام الليل

 

يقول تعالى: ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ? [البقرة: 186].

 

إضافة العباد إليه والرد المباشر عليهم منه، لم يقل: فقل لهم إني قريب، إنما تولى بذاته العليَّة الجوابَ على عباده بمجرد السؤال.. قريب، ولم يقل: أسمع الدعاء، إنما عجَّلَ إجابة الدعاء فقال: ? أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ?.. إنها آية عجيبة، تسكب في قلب المؤمن النداوةَ الحلوة، والود المؤنس، والرضا المطمئن، والثقة واليقين، ويعيش معها المؤمن في جناب رضيٍّ، وقربى ندية، وملاذ أمين، وقرار مكين.

 

نزلت هذه الآية بين آيات الصيام؛ حيث إن الدعاء يكون أقرب إلى الإجابة للمسلم الصائم، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((للصائم عند إفطاره دعوةٌ مستجابة))[1].

 

وفي حديث آخر لعبدالله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرَدُّ)).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزَّتي لأَنصُرَنَّك ولو بعد حين))[2].

 

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله لَيستحي أن يبسُطَ العبد إليه يديه يسأله فيها خيرًا، فيرُدهما خائبتين))[3].

 

والدعاء سلاح نافذ المفعول؛ بل هو أخطر سلاح على الأرض، ومظهر عظيم من مظاهر العبودية، ودليل على صدق الإيمان بقدرة الله القاهر القادر مالك الملك مدبِّر الأمر، الذي يقول للشيء: كن، فيكون، والذي له جنود السموات والأرض.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمَّه أمر اجتهد في الدعاء، كما روى ذلك أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر، رفع رأسه إلى السماء، وإذا اجتهد في الدعاء قال: ((يا حي يا قيوم))[4].

 

وفي حديث أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كرَبَه أمرٌ قال: ((يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث))[5].

 

فالدعاء يرُدُّ القضاء، ويرفع البلاء، ويصرف غضب الله عز وجل، كما جاء في الأحاديث، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يَسألِ اللهَ يَغضبْ عليه))[6].

 

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُغنِي حذَرٌ مِن قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لَينزلُ فيلقاه الدعاء فيَعتلِجانِ إلى يوم القيامة))[7].

 

فالدعاء مع البلاء له ثلاثة أحوال:

الأول: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيصاب به العبد، ولكنه قد يخفِّفه.

الثالث: أن يتصارعا ويمنع كلُّ واحد منهما صاحبَه، كما تقدم بالحديث.

 

وتكون إجابة الدعاء على ثلاثة أحوال:

الأول: أن يعجِّل الله بالإجابة.

الثاني: أن يدَّخرها الله ليوم القيامة.

الثالث: أن يدفع أو يخفِّف بلاءً نازلًا.

 

وللدعاء آداب، ومنها:

الخشوع والتذلُّل لله أثناء الدعاء، وخفض الصوت، والاعتراف بالذنب، وحسن الرجاء في الله، والبعد عن التكلف الزائد والتطويل الممل، والبدء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم استعجال الإجابة، وتجنُّب الحرام.

 

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن، قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره ويضرب في الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلُك، قال: ما تريد من دمي؟ فشأنك المال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيتَ فذَرْني أصلِّي أربع ركعات، قال: صلِّ ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالًا لما تريد، أسألك بعزِّك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تقيني شرَّ هذا اللص، يا مغيثُ أَغِثْني (ثلاث مرات)، فإذا هو بفارس أقبَلَ بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل عليه فقال: قم، فقال: من أنت بأبي وأمي؟ فقد أغاثني اللهُ بك اليوم، فقال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوتَ بدعائك الأول، فسُمعتْ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوتَ بدعائك الثاني فسُمعتْ لأهل السماء ضجة، ثم دعوتَ بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يُوَلِّيَني قتْلَه، قال الحسن: فمن توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء، استُجيب له، مكروبًا كان أو غير مكروب.

 

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم))[8].

 

(هذا الحديث يكشف لنا عن سلاح من أخطر الأسلحة إن لم يكن أخطرها على الأرض، وهو لا يُباع بثمن؛ بل هو معروض مجانًا لمن أراد أخذه واستعماله في أي وقت شاء، ولكنه يكون أكثر فتكًا إذا كان بيد مظلوم، ألا وهو سلاح الدعاء).

 

وصدق القائل:

لا تَظلِمَنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا
فالظلمُ ترجع عقباه إلى الندمِ
تنامُ عيناك والمظلومُ منتبهٌ
يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تَنَمِ

 

أيها الظالمون: تذكَّروا أن الله عز وجل لن يضيع صيحات المقهورين، ودعاء المظلومين، مهما علا الظالمون، وطغى الجبارون.

 

ويحذِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس دونها حجاب))[9].

 

فالعامل الذي لا يتسلم راتبه لعدة شهور مظلوم، والزوجة التي تُحرَم من أبسط حقوقها مظلومة، والابن الذي يلاقي فرقًا في المعاملة من الوالدين مظلوم، والموظف الكفء الذي لا يرقى ويرقى غيرُه بالواسطة مظلوم، ومظلومون آخرون يمتلئ بهم المجتمع.

 

ولله در الشافعي:

أتَهزَأُ بالدعاء وتَزدريهِ
وما يُدريك ما صنَعَ الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تُخطِي ولكنْ
لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
فيُمسِكُها إذا ما شاء ربِّي
ويُرسِلُها إذا نفذ القضاءُ

 

واجب عملي:

حدِّد بعض الدعوات أول رمضان، وألِحَّ على الله بها طَوالَ الشهر، واجعل منها دعوة لإخوانك المكروبين والمستضعفين في كل مكان.

 

التجويد:

ألقاب المدود أو (فروع أخرى للمد):

لقد ذكر بعض علماء التجويد ألقابًا كثيرة لأنواع المدود، وهي جميعًا لا تخرج عن الأنواع التي ذكرناها من أنواع المدَّينِ الأصلي والفرعي، وسوف نكتفي بذكر أهم هذه الألقاب بالنسبة لرواية حفص:

أولًا: مد الصلة: وهو حرف مد زائد مقدَّر بعد هاء الضمير، وسمي بهذا الاسم تأدبًا؛ لأن القرآن لا زيادة فيه ولا نقص، ويمد بمقدار حركتين حال ضمه وكسره؛ فالمضمومة توصل بواو، والمكسورة توصل بياء، وهي من أنواع المد الأصلي، ومدُّ الصلة يكون في حال الوصل فقط، وينقسم مد الصلة إلى نوعين:

الأول: مد صلة صغرى: إذا جاءت الهاء بين متحرِّكين وما بعدها غير همزة؛ مثل: ? وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ? [النحل: 52] - ? فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً ? [الإسراء: 79]، فإنها تمد بمقدار حركتين.

 

إذا كان ما قبل الهاء ساكنًا، فلا مد فيه، إلا في سورة الفرقان في قوله تعالى: ? فِيهِ مُهَانًا ? [الفرقان: 69]، فإنه يمد على قراءة حفص.

 

إذا كان ما بعد الهاء ساكنًا، فإنه لا يمد اتفاقًا؛ مثل قوله تعالى: ? أَنَّهُ الْحَقُّ ? [البقرة: 26] - ? وَلَهُ الدِّينُ ? [النحل: 52].

 

الثاني: مد صلة كبرى: إذا وقعت الهاء بين متحركين وبعد همزة قطع، فإنها تمد كالمنفصل أربع أو خمس حركات، ويجوز القصر بمقدار حركتين، مثل قوله تعالى: ? عِنْدَهُ إِلَّا ? [البقرة: 255] - ? مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا ? [البقرة: 255].

 

ويلاحظ: أن قوله تعالى: (فَأَلْقِهْ) في سورة النمل، و(أرجه) في الأعراف والشعراء، تسكن فيهما الهاء ولا تمد عند حفص.

 

ثانيًا: مدا التمكين: وهي مدة لطيفة مقدارها حركتان، يؤتى بها وجوبًا؛ للفصل بين الواوين، في نحو (آمَنُوا وَعَمِلُوا)، أو الياء في نحو (يَوْمَيْنِ)؛ حذرًا من الإدغام أو الإسقاط، وهو من أنواع المد الطبيعي. وقال بعضهم: هو كل ياءين أولاهما مشددة مكسورة، والثانية ساكنة، نحو (حُيِّيتم) وسمي مد التمكين؛ لأنه يخرج متمكنًا؛ بسبب الشدة، وعلى كلا القولين فهو نوع من أنواع المد.

 

ثالثًا: مد العوض: ويكون عند الوقف على التنوين المنصوب آخر الكلمة، فيُقرَأ ألفًا عوضًا عن التنوين، ومقداره حركتان كالمد الطبيعي، ولا يمد عند الوصل.

 

مثل: (عليمًا - حكيمًا - خبيرًا).

 

رابعًا: مد اللين: وهو مد الواو والياء الساكنين المفتوح ما قبلهما حال الوقف، وقد سمي بهذا الاسم لأنَّ في النطق به لينًا وسهولة، مثل (بَيْت) (خَوْف).

 

حكمه: يجوز في مده ثلاثة أوجه كالعارض للسكون، وهي الطول ست حركات، أو التوسط أربع حركات، أو القصر حركتان، والقصر أفضل.

 

خامسًا: مد الفرق: وهو عبارة عن الألف التي يؤتى بها بدلًا من همزة الوصل في (آَلذَّكَرَيْنِ) (آلله) (آلآن) حالة الإبدال بالمد الطويل.

 

وسمي بذلك للفرق بين الاستفهام والخبر، وهو من أقسام المد اللازم الكلمي المثقل أو المخفف، ومقدار المد ست حركات.

 

علوم القرآن:

كتب التفسير:

لا يوجد كتاب فُسِّر كالقرآن؛ فقد كُتِب في تفسيره آلاف المجلدات المطبوعة والمخطوطة، من موجز كالجلالين، ومتوسط كابن كثير، ومطول كالطبري والقرطبي، وإذا أراد القارئ أن يقرأ في معاني القرآن فعليه أن يتبع الآتي:

? للمبتدئ: تفسير الجلالين، ومختصر ابن كثير.

? وللمزيد من التعلم: تفسير ابن كثير، مع العناية بما فيه.

 

كيف تحفظ القرآن؟

الإصرار على الحفظ:

يقول العلماء: إن بعض الحيوانات تقوم بألف محاولة للحصول على رزقها، فهل فكرت أن تقوم بعَشر محاولات فقط لحفظ القرآن؟ ففي كل يوم قبل أن تنام فكِّر لمدة خمس دقائق أنه يجب أن تحفظ القرآن.. أَعطِ رسالة إيجابية لدماغك أنَّ حفظ القرآن هو أهم عمل في حياتي، وأنه سيغير حياتي بالكامل.. سيجعلني قريبًا من الله.. سأكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت حياته كلها (قرآن)، وعندما تستيقظ أول شيء تفكر فيه أنه يجب عليك أن تحفظ القرآن، وأَعطِ أوامر لعقلك الباطن بذلك، وسوف تجد رغبة كبيرة في الحفظ بعد أيام معدودة؛ فقد أثبت العلماء أن هاتين الفترتين من أهم الفترات التي يتصل بها العقل الباطن مع العقل الواعي، ويتقبل أيَّ رسالة بسهولة، وتذكَّر قوله تعالى: ? وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ? [العنكبوت: 6].

 

 

[1] رواه البيهقي (3907).

 

[2] أحمد (8001)، والترمذي (3740)، وابن ماجه (1805).

 

[3] رواه أحمد (23329)، وابن ماجه (3949)، والترمذي (3699).

 

[4] رواه الترمذي (3569).

 

[5] رواه الترمذي (3665).

 

[6] رواه الترمذي (3504).

 

[7] رواه أحمد (2166).

 

[8] الجواب الكافي لابن القيم.

 

[9] رواه أحمد (12294).

 


"
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook