يُعرّف القرآن الكريم على أنه كلام الله -تعالى- المنزل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، والمُقسّم إلى ثلاثين جزءاً، ويبلغ عدد سوره مئة وأربعة عشر سورة، وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم نزل على مرحلتين، حيث كان النزول الأول جملةً واحدةً من الله -تعالى- إلى بيت العزّة في السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، وأما الثاني فقد كان نزولاً منجّماً أي مفرّقاً، حيث نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحسب الأحداث والوقائع خلال ثلاثٍ وعشرين سنة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلً).
سورة الحشر من سور المُفصل التي نزلت في المدينة المنورة، وكان نزولها بعد سورة البيّنة، ويبلغ عدد آياتها أربعاً وعشرين آية، وترتيبها التاسعة والخمسون في المصحف، وتجدر الإشارة إلى أن سورة الحشر من المسبّحات، حيث افتتحت السورة بفعلٍ ماضٍ وهو (سبّح)، وهو من أساليب التسبيح والثناء على الله تعالى، ويعدّ اسم السورة من أسماء يوم القيامة، ويرجع السبب في تسمية السورة الكريمة بهذا الاسم إلى أن الله -تعالى- قد حشر اليهود وجمعهم خارج المدينة المنورة، وهو الذي سيجمع الناس ويحشرهم يوم القيامة للحساب.
ومن أسماء سورة الحشر بني النضير، ومن الجدير بالذكر أن السورة الكريمة تعالج الجانب التشريعي؛ كالجهاد، والفيْء، والغنائم، كما هو الحال في سائر السور المدنية، والموضوع الأساسي الذي أشارت إليه هو غزوة يهود بني النضير الذين نقضوا العهد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فأجلاهم عن المدينة المنورة، ولذلك عُرفت باسم سورة بني النضير، كما تطرّقت سورة الحشر إلى ذكر المنافقين الذين تحالفوا مع اليهود بشكلٍ موجز
ورد ذكر العديد من أسباب النزول لآيات سورة الحشر، وفيما يأتي بيان بعضها:
تضمّنت السورة الكريمة الحديث عن جلاء بني النضير، وبيان موقف المنافقين في واقعة بني قريضة، وذكر أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وبيان أن جملة الخلائق تسبّح لله -تعالى- وتقدّسه، وتطرّقت للتفصيل في أمر المهاجرين والأنصار، وتقسيم الغنائم، كما وردت الإشارة إلى برصيصاء العابد، للنظر في العواقب، ومن أسمائها سورة بني النضير، مصداقاً للحديث الذي رواه سعيد بن جبير: (قُلتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قالَ: قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ).
اختلف أهل العلم في سبب تسمية القرآن الكريم بهذا الاسم، حيث نقل ابن المنظور عن الإمام الشافعي أنه قال إن القرآن اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت وإنما اسم للتنزيل العزيز، كالإنجيل والتوارة، وقال بعض العلماء أن أصل التسمية مُشتقّ من القرء، وهو الجمع، حيث تقول العرب: "قرأت الماء في الحوض؛ أي جمعته"، وسبب التسمية يرجع إلى أن القرآن الكريم جمع أنواع العلوم، وجمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، وقيل إن التسمية مشتقة من الفعل قرن، وقرن الشيء بالشيء أي ضمّ أحدهما إلى الآخر، وسبب تسمية القرآن بهذا الاسم لأنه مكوّن من سورٍ وآياتٍ يضمّ بعضها بعضاً، ولمناسبة كل آية بين ما سبقها وما لحقها من الآيات، وبين كل سورة وسورة مناسبة كذلك، مما يجعل اقتران الآيات والسور مع بعضها البعض واضحاً جليّاً.
موسوعة موضوع