سورة الشورى

الكاتب: مروى قويدر -
سورة الشورى

سورة الشورى.

 

 

التعريف بسورة الشورى..

 

سورة الشورى هي سورةٌ مكّيةٌ؛ أي أنّها نزلت في مكّة المُكرّمة، في السنة الثامنة للبعثة النبويّة، ورُوِي عن ابن عباس، وقَتادة أنّها مكّيةٌ باستثناء أربع آياتٍ منها، وهنّ الآيات: الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة والعشرين، واستثنى مُقاتل الآيتَين: الثالثة، والرابعة والعشرين، ورُوِي عنه أنّه استثنى أيضاً الآية السابعة والعشرين، بالإضافة إلى الآيات: التاسعة والثلاثين، والأربعين، والحادية والأربعين، وهي السورة التاسعة والستّون من حيث ترتيب النزول؛ إذ إنّها نزلت بعد سورة الكهف، وقبل سورة إبراهيم، أمّا عدد آياتها؛ فقِيل إنّه خمسون كما رُوِي عن أهل المدينة، ومكّة، والشام، والبصرة، وثلاثة وخمسون عند أهل الكوفة.

 

مناسبة سورة الشورى لما قبلها وبعدها من السُّور

 

ترابطت سورة الشورى بالسورة التي سبقتها، والتي تَبِعَتها، وتجدر الإشارة إلى أنّها سُبِقت بسورة فُصِّلت، وسَبقَت سورة الزُّخرف، وبيان الترابُط فيما بين تلك السُّور كما يأتي:

 

مناسبة سورة الشورى للسورة التي قبلها

 

ترابطت سورة الشورى بسورة فُصّلت بأربعة وجوهٍ، بيانها آتياً:

  • الدفاع عن القرآن الكريم؛ إذ دفعَت السورَتان ما ادّعاه المشركون؛ من التشكيك بالقرآن، وإثارة الشُّبهات نحوه، وبيّنَتا مواساة الله -سبحانه- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، قال -تعالى- في سورة فُصِّلت: (حم*تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ*كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، و قال في سورة الشُّورى: (حم*عسق*كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّـهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
  • إثبات وحدانيّة الله -سبحانه-، وتفرّده وحده بخَلْق الكون؛ وذلك بما فيه من مخلوقاتٍ، ومشاهد حسّيةٍ، وإنذار المشركين، وتحذيرهم بسبب أفعالهم، قال الله -تعالى- في سورة فُصِّلت: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)، وقال في سورة الشُّورى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ*لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
  • بيان رحمة الله الواسعة؛ ومن ذلك لُطفه بعباده جميعاً، وقبول توبتهم، ومغفرة ذنوبهم؛ إذ قال في سورة فُصّلت: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)، وقال في سورة الشّورى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
  • حثّ المؤمنين على أوامر الله؛ وذلك بما أُعِدّ لهم في الآخرة من الجنّة ونعيمها.
  • تنبيه المُشركين وتحذيرهم من العذاب؛ وذلك إن أعرضوا عن طريق الهدى، والاستقامة لأوامر الله.

 

مناسبة سورة الشورى للسورة التي بعدها

 

تضمَّنت سورتَا الشورى والزُّخرف الموضوعات المُتعلِّقة بإثبات وحدانيّة الله، وإثبات وجوده، وبيّنتَا ما ينتظر المؤمنين من جنّات الخُلد، وما ينتظره الكافرون من العذاب العظيم، كما ارتبطت بداية سورة الشورى ونهايتها ببداية سورة الزُّخرف؛ إذ افتتحهما الله -سبحانه- بالحروف المُقطَّعة، وقال الله -تعالى- في نهاية سورة الشورى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وقال في مطلع سورة الزُّخرف: (حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).

 

سبب تسمية سورة الشورى ومُسمَّياتها

 

سُمِّيت سورة الشورى بهذا الاسم؛ لبيان أهميّة الشُّورى، وفضلها بين المسلمين، وحثّاً لهم على اتّخاذها سبيلاً ومنهجاً في الحياة العامّة؛ لِما لها من عظيم الأثر في حياة الفرد والجماعة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، كما تُطلَق عدّة أسماءٍ أخرى على سورة الشورى، ومنها:

  • حم عسق: وقد عُرِف هذا الاسم عن السَّلَف الصالح، وأطلقه الإمام البخاريّ في تفسيره، والإمام الترمذي في جامعه، بالإضافة إلى عددٍ من التفاسير والمصاحف التي أطلقت عليها اسم (حم عسق)، وأُطلِق عليها أيضاً اسم (عسق)؛ اختصاراً.
  • شورى: بحذف الألف واللام.
  • المؤمن: وقد سُمِّيت بذلك في عددٍ من التفاسير.

 

سبب نزول سورة الشورى

 

وردت عدّة أقوالٍ في بيان سبب نزول آياتٍ من سورة الشُّورى، بيان البعض من تلك الأسباب فيما يأتي:

  • القول الأوّل: ورد عن ابن المنذر عن عكرمة أنّ قول الله -تعالى- في سورة الشُّورى: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) نزل بعد تحدُّث المشركين عن دخول الناس أفواجاً في دين الإسلام بعد نزول سورة النصر، وقِيل إنّ الآية السابقة نزلت في أهل الكتاب؛ بسبب قَوْلهم للمسلمين: "كتابنا قبل كتابكم، ونبيّنا قبل نبيّكم، ونحن خيرٌ منكم"، وقد أخرج ذلك عبدالرزاق عن قَتادة.
  • القول الثاني: ورد في سبب نزول قول الله -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّـهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّـهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ*وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)، أنّه نزل في الفقراء من المسلمين الذين لا يملكون بيوتاً، وقد أخرج ذلك الحاكم، والطبرانيّ عن عمرو بن حُريث، وقِيل إنّ الآيات السابقة نزلت في الأنصار؛ لِما ورد بأثرٍ ضعيفٍ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (قالت الأنصارُ: لو جمعنا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مالًا، فأنزل الله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فقال بعضُهم: إنَّما قال هذا ليُقاتِلَ عن أهلِ بيتِه وينصرَهم، فأنزل اللهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، إلى قولِه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فعرض لهم التَّوبةَ، إلى قولِه: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}).

 

مقاصد سورة الشورى وموضوعاتها

 

دلّت سورة الشورى على العديد من المقاصد، وبيّنت العديد من الموضوعات، بيان ذلك فيما يأتي:

  • الإقرار بأنّ الله -تعالى- مصدر الرسالات السماويّة كلّها، والإشارة إلى أنّ التنوُّع في التشريعات لا يدلّ على اختلاف مصدرها، وأنّ الاختلاف فيما صدر عن الله -سبحانه- يُؤدّي بالعبد إلى ما لا يُرضيه.
  • مغفرة الله لذنوب عباده، وقبوله للتوبة، وتبشير المؤمنين بما ينتظرهم من ثوابٍ في الآخرة.
  • بيان العديد من الظواهر الطبيعيّة والكونيّة الدالّة على أنّ الله -تعالى- خلق السماوات والأرض، وكلّ ما بينهنّ؛ ولذلك استحقّ وحده العبادة دون الإشراك به، وبذلك يتّبع العبد طريق الحقّ، ويستقيم على ما أمر به، ويجتنب ما نهى عنه.
  • الحثّ على التخلُّق بالعديد من الأخلاق الحميدة، ومنها: الصبر، والعفو، والصفح.
  • الردّ على مُنكِري البعث والجزاء، وإثبات يوم القيامة بلا شكٍّ أو رَيبٍ.

 

فضل سورة الشورى

 

وردت عدّة أحاديث في بيان فضل سورة الشُّورى، ومنها: ما رُوي عن المُهلّب بن أبي صُفرة، أنّه سَمِعَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يقول: (إِنَّكم ستلْقَوْنَ العدُوَّ غدًا، فلْيَكُن شعارُكم حَم لَا يُنصرونَ)، كما رُوِي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنها- أنّه قال: (أتى رجلٌ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: أقرِئني يا رسولَ اللَّهِ، قالَ لَهُ: اقرَأ ثلاثًا من ذاتِ الر، فقالَ الرَّجلُ: كبِرَت سنِّي، واشتدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قالَ: فاقرأ مِن ذاتِ حم).

شارك المقالة:
228 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook