إنّ القرآن الكريم هو معجزة كلّ زمانٍ ومكان، ولعلّ أعظم ما جاء به من المعجزات هو إعجازه البيانيّ والبلاغي الذي يجعل العقل البشريّ في ذهول من بديع ما يسمع ويرى من معجزات القرآن الكريم، وقد اختصّ أهل التفسير البيانيّ بدراسة القرآن الكريم من الناحية اللفظية والبيانية، وكان ممّا جاء من تأملات في سورة الفرقان ما كان من تأملاتٍ ولمساتٍ بيانية في أول آياتها في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًالفرقان هو صفةٌ أطلقها الله -سبحانه وتعالى- على القرآن الكريم لأنّه يفصل ويفرق بين الحق والباطل، ولهذا أصبحت صفة الفرقان هي اسمًا من أسماء القرآن الكريم.
ويُلاحظ في القرآن الكريم أنّ لفظ "الفرقان" لم يُطلق على القرآن الكريم فقط، بل إنّ الله تعالى أطلق لفظ وصفة الفرقان على كلّ ما يفصل ويفرق بين الحق والباطل، كما أنّ أهل التفسير قالوا إنّ معنى "الفرقان" في بعض الآيات جاء بمعنى المعجزات والبراهين التي تدلّ على صدق النبيّ وتميّز وتفرق بين الحق الذي بين يديه وبين الباطل والفساد في الأرض، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}،فلفظ "الفرقان" هنا لم يأتي بمعنى الكتاب كالتوارة والقرآن لأنّ الله تعالى قد ذكر الكتاب، بل أتى بمعنى المعجزات والدلائل والبراهين التي أيّد موسى -عليه السلام- بها لعلّ قومه يهتدون إلى سبيل الصواب، والله تعالى أعلم
بعد بيان بعض ما ورد من تأملات في سورة الفرقان سيتم الحديث عمّا تضمنته السورة الكريمة من مرتكزات ومواضيع، فسورة الفرقان تقوم على ثلاثة محاور ودعائم أساسيّة، وهي على النحو الآتي: