تحتلّ سورة يوسف التي تُعَدّ من السُّور المكّية في القرآن الكريم، والتي يبلغ عدد آياتها مئة وإحدى عشرة آية، المرتبةَ الثانية عشرة في ترتيب سُور القرآن، أمّا ترتيبها في النزول، فقد احتلّت المرتبة الثالثة والخمسين؛ إذ نزلت بعد نزول سورة هود، وسُمِّيت هذه السورة بهذا الاسم؛ لورود قصّة النبيّ يوسف -عليه السلام- فيها؛ حيث قَصَّ الله قصّتَه مع إخوته الذين كادوا له، وقصّته مع امرأة العزيز التي روادته عن نفسه، بالإضافة إلى قصّته مع ملك مصر الذي استخلصه لنفسه، وأنزله منزلاً كريماً، وتجدر الإشارة إلى أنّ قصّة يوسف -عليه السلام- لم ترد إلّا في هذه السورة، إلّا أنّ ذِكر يوسف نفسه كان قد ورد في مَعرض الحديث عن جملة من الأنبياء في سورتَين أُخرَيَين من كتاب الله، وهما: سورة الأنعام، وذلك في قوله -تعالى-: (وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ)، وسورة غافر، وذلك في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّـهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ).
لم يرد في فضل سورة يوسف سوى بعض الأحاديث التي لا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال على فضل السورة كما ذكرَ العلّامة مجد الدين الفيروزأبادي، ولم يثبت وجود فضيلة خاصّة بقراءة سورة يوسف، أو ذكر أيّ سرٍّ من أسرارها، إلّا أنّ بعض العلماء ذهبوا إلى القول بفائدة قراءة تلك السورة لِمَن كان يُعاني من الهَمّ والحزن؛ على اعتبار أنّها جزء من القرآن الكريم الذي وصفه الله بأنّه شِفاء للناس، ورحمة، وخاصّة إذا نظر القارىء المُتمعِّن في ما تشتمل عليه من مَعانٍ عظيمة، ومنها: تغيُّر أحوال البشر، وتبدُّلها؛ إذ يُلاحَظ انقلاب المِحنة والشدّة بعد حين إلى فَرَج ومِنْحة، كما تظهر فيها الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- قادر على أن يجمعَ الأشتات بعد طول فِراق، ويُحوّل حالَهم، ويُبدّل مشاعرَهم من الحُزن إلى الفَرح والسرور، ومن الضيق والألم إلى السَّعة واجتماع النِّعَم، وقد ورد عن الصحابة أنّهم كانوا يَعتنون بسورة يوسف؛ فقد ورد عن عبدالله بن عامر بن ربيعة أنّه حَفِظ سورة يوسف بالإضافة إلى سورة الحجّ؛ لكثرة قراءة الفاروق عمر -رضي الله عنه- لها في صلاة الفجر، ومن الصحابة الذين كانوا يحرصون على قراءة سورة يوسف أيضاً عثمان بن عفّان -رضي الله عنه-؛ إذ كثيراً ما كان يُردِّدها في صلاة الصبح، حتى أخذها عنه الفرافصة بن عمير الحنفيّ؛ وقد علّل العلماء سبب حرصه على قراءة سورة يوسف بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد بَشَّرَه يوماً بالجنّة؛ بسبب البلوى التي سوف يتعرّض لها في آخر حياته؛ فكأنّما كانت في قراءتها تسليةٌ عن قلب عثمان، وتثبيتٌ له؛ على اعتبار اشتمال السورة على البلاء الذي تعرَّض له نبيّ الله يوسف -عليه السلام-.
تُستَفاد من سورة يوسف العديد من الدروس، والتي يُذكَر منها ما يأتي:
موسوعة موضوع