سياسة العباسيين وإدارتهم بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
سياسة العباسيين وإدارتهم بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

سياسة العباسيين وإدارتهم بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
حرص العباسيون منذ قيام دولتهم على حكم المدينة المنورة حكمًا مباشرًا والاحتفاظ بسلطة الخلافة العباسية في هذا البلد المقدس لأهميته الدينية ومكانته الخاصة في نفوس المسلمين ما يدعم شرعية الخلافة العباسية وزعامتها في العالم الإسلامي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي موطن العلويين الذين يرون أنهم أحق بالخلافة من العباسيين وقام بعضهم بالثورة ضدهم  
 
وقد اتبع العباسيون سياسة تقوم على تأليف قلوب الناس، وكسب رضاهم، وعدم تنفيرهم حتى لا يكونوا مع أعدائهم الخارجين عليهم من العلويين، وقد أثمرت هذه السياسة في عزوف كثير من سكان المدينة المنورة عن الاشتراك في ثورات بعض العلويين كما في ثورة محمد النفس الزكية وثورة الحسين بن علي، وحرص الخلفاء العباسيون الأوائل على زيارة المدينة المنورة أثناء أدائهم فريضة الحج مثل أبي جعفر المنصور وابنه المهدي وابنه هارون الرشيد، وقد أنفق هؤلاء الخلفاء في زيارتهم إلى المدينة المنورة مبالغ طائلة كنوع من الهبات والعطايا للسكان والمجاورين  .  كما قام المهدي بإصلاحات مهمة في المدينة المنورة ومنها توسعة المسجد النبوي وإعادة بنائه على صورة لم يسبقه إليها أحد من الخلفاء، كما أمر بإقامة البريد بين المدينة المنورة ومكة المكرمة واليمن. وكان لذلك مردوده الطيب على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في هذا البلد المقدس، وهذه السياسة العباسية نحو هذا البلد وسكانه لا تفرق بين فئة وأخرى من السكان سواء كانوا من العلويين أو من قريش أو من الأنصار إلا أن العلويين كانوا يحظون باهتمام خاص من حيث المراقبة والمتابعة من قبل الوالي ومن قبل الخليفة العباسي نفسه، ويبدو أن سياسة الخلفاء العباسيين تجاه العلويين في المدينة المنورة كانت تتغير بحسب موقف العلويين أنفسهم من الخلافة، فإذا ركنوا إلى الهدوء وعدم الخروج والثورة فإن الخليفة الموجود على رأس السلطة يحسن معاملتهم ولا يستثيرهم، أما إذا وصلت إلى الخليفة أخبار عن تحركاتهم فإنه يغير معاملته لهم ويضيق عليهم الخناق ليشعرهم بقوة الدولة، فإذا حدثت منهم ثورة فإن العباسيين كانوا يقمعونها بكل قوة، وينكلون بقادتها أشد تنكيل، ولكنهم مع ذلك لا يأخذون السكان بجريرة ثورات العلويين في المدينة المنورة.
 
أما في العهد العباسي الثاني فقد بدأت قبضة الخلفاء تضعف في المدينة المنورة بسبب انشغالهم بالمشكلات الداخلية، وتسلط الأتراك عليهم، واستئثارهم بالحكم دونهم، وبذلك قل اهتمام الخلفاء العباسيين بالمدينة المنورة، ولم يستطيعوا التصدي لثورات العلويين التي ازدادت في العهد العباسي الثاني وتغلبت على حكم المدينة المنورة لفترة طويلة خلال النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وأخيرًا عندما اتضح للعباسيين ضعفهم وعدم قدرتهم على حماية الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة أوكلوا مهمة حماية الحرمين الشريفين إلى الدولة الإخشيدية في مصر سنة 331هـ / 943م وذلك في عهد الخليفة العباسي المتقي الذي أقر للإخشيد بحكم مصر والشام، وأضاف إليه بلاد الحرمين الشريفين  
 
أما إدارة المدينة المنورة فكانت في العهد العباسي الأول تُدار بوساطة أمراء من الأسرة العباسية تكريمًا لهم وضمانًا لبقائها تحت الحكم العباسي المباشر بوساطة أمراء العباسيين الذين هم محل ثقة الخلفاء، ولكن ذلك لا يمنع وجود بعض الأمراء من خارج البيت العباسي من قريش أو بعض قبائل العرب ممن عرفوا بالولاء والإخلاص للعباسيين.
 
وكانت منطقة نفوذ الوالي في بداية الدولة العباسية واسعة تشمل الحجاز بأسره واليمامة واليمن كما في ولاية داود بن علي عم أبي العباس السفاح  ،  ثم تقلصت منطقة نفوذ والي المدينة المنورة واقتصرت على المدينة المنورة نفسها في عهود الخلفاء التالين، أما في العهد العباسي الثاني فأصبحت مكة المكرمة مقر الوالي العباسي، ويرسل من قبله من ينوب عنه في المدينة المنورة، ومن الظواهر الجديدة في إمارة المدينة المنورة في العهد العباسي الثاني الإمارة الفخرية لبعض كبار رجال الدولة والقادة والأتراك مثل إيتاخ الخزري الذي ولاه الخليفة العباسي المعتصم إمارة الحج والحرمين سنة 234هـ / 849م، وعج بن حاج أمير الحرمين في عهد الخليفة المعتضد سنة 306هـ / 918م، ومؤتمن الخادم والمظفر بن حاج وغيرهم  .  وتعد إمارة أغلب هؤلاء إمارة فخرية لا يباشرونها بأنفسهم بل يقيمون في عاصمة الخلافة بغداد أو في مكة المكرمة وينيبون عنهم من يقوم بأعبائها 
 
ولقد كانت سلطات أمير المدينة المنورة محدودة، ولا يمتلك قوة الدفاع عنها لأنها ليست من بلدان الثغور، وحتى رجال الشرطة الذين يفترض أن يقوموا بحماية الأمن في المدينة المنورة كان عددهم قليلاً جدًا، فاقتصر دورهم على حماية الأمير، ولعل ذلك ما شجع الأعراب ورجال القبائل على غزو المدينة المنورة ونهبها دون أن يجدوا قوة رادعة حتى بعثت الخلافة العباسية قوة لمحاربتهم والقضاء على المتمردين منهم.
 
شارك المقالة:
46 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook