سياسة الملك فيصل بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
سياسة الملك فيصل بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية

سياسة الملك فيصل بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية.

 
 
بعد مبايعة الملك فيصل ملكًا حَدَّد سياسته الخارجية المتمثلة في التعاون مع الدول العربية، والعمل مع الدول الإسلامية في كل ما يحقق للمسلمين رفعة شأنهم، والاتجاه الدولي بالتعامل مع الدول الأجنبية على أساس الصداقة والمعاملة بالمثل؛ مُجَـنِّبًا بلاده السير إلى التحالفات أو المعسكرات سواء في الشرق أو الغرب  . 
 

سياسته خليجيًا

 
حرص الملك فيصل على تصفية أي خلاف مع جيرانه من دول الخليج العربية، وعُقدت اتفاقيات تحديد الحدود بين المملكة وكل من دولتَي الكويت وقطر، وقد تمت في ذي الحجة 1385هـ / مارس 1966م  .  ومع إعلان بريطانيا في شوال 1387هـ / يناير 1968م عن رغبتها في الانسحاب من الخليج العربي عام 1391هـ / 1971م؛ رأت إيران في الانسحاب فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها في الخليج من خلال موقفها المناهض لاستقلال البحرين، ولتأسيس الإمارات العربية المتحدة وتبعية الجزر الثلاث (أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى) لها  . ومع بروز ادِّعاءات إيران تجاه البحرين قدَّم الملك فيصل دعمًا صريحًا لاستقلال البحرين، وظهر ذلك في استقبال الرياض لأمير البحرين في 15 شوال 1387هـ الموافق 15 يناير 1968م بوصفه رئيس دولة، وتأكيد الملك فيصل للشيخ عيسى أن: "... أي هجوم على البحرين سيُعتبر هجومًا على السعودية وسيواجَه بكل الموارد المتاحة لبلاده"  . وكان حرص إيران على تعزيز العلاقات مع المملكة يتطلب معالجة قضية أخرى تمثلت في النـزاع على الحدود البحرية السعودية - الإيرانية في وسط الخليج العربي؛ فاتفق الطرفان في الطائف في 23 ربيع الأول 1388هـ الموافق 29 يونيو 1968م على تقسيم جغرافي للمنطقة، بالإضافة إلى تقاسم النفط الموجود بين الطرفين بالتساوي  ،  ووافق الملك فيصل على ذلك كي يضمن تأييد إيران لقيام اتحاد الإمارات العربية  . وقد تَعامَلَ الملك فيصل مع القضية الأكثر تعقيدًا؛ والمتمثلة في مساعي إيران إلى ضم الجزر الإماراتية ومعارضتها لمشروع إنشاء الإمارات العربية المتحدة بسبب الخلاف حول الجزر  ؛  فسعى الملك فيصل إلى دعم موقف أمراء الخليج العربي ومشايخهم في قيام اتحاد بينهم، وذلك بالاتفاق مع الكويت على إعطاء مزيد من الدعم لموقف إمارات الخليج.كما واصل الاتصال مع حكام إمارات الخليج عن طريق الزيارات المتبادلة  ، وعن طريق تبادل إرسال مبعوثين بينه وبينهم لتسوية المسائل المعلَّقة ولإتمام الاتحاد قبل الانسحاب البريطاني، كما أعلن أن الولايات المتحدة ستساعد على قيام اتحاد بين الإمارات العربية  . 
 

سياسته عربيًا

 
سعى الملك فيصل إلى حل مشكلة اليمن، والتي لم تـنجح قرارات مؤتمر الكويت في حسمها، فانعقد مؤتمر في مدينة الطائف في شهر ربيع الآخر 1385هـ / أغسطس 1965م، الذي يُعد امتدادًا لسلسلة المؤتمرات التي تحاول إيجاد حل فعال للأزمة اليمنية  ،  كما التقى الملك فيصل الرئيس جمال عبدالناصر في جدة في 25 ربيع الآخر 1385هـ الموافق 22 أغسطس 1965م حيث توصلا إلى توقيع اتفاقية جدة، التي كان من أهم بنودها أن يُـتْرَك للشعب اليمني تحديد نوع الحكم الذي يرتضيه، وأن تسحب مصر قواتها من اليمن، وأن تمنع السعودية الملكيين من استخدام أراضيها، إضافة إلى التعاون في تشكيل مؤتمر انتقالي لتحقيق السلام وتقرير نوع الحكم  . وأصبح للملك فيصل حضور قوي في تسوية القضايا العربية؛ فمع اقتراب موعد القمة العربية بالدار البيضاء في 1385هـ / 1965م كانت الخلافات العربية على أَشَدِّها بين مصر وسوريا، علاوةً على فتور العلاقة بين مصر والجزائر عقب انقلاب صفر 1385هـ / يونيو 1965م في الجزائر، وكذلك كانت الحال بين العراق والسودان، فسارع الملك فيصل إلى لَـمِّ الشمل العربي بإقناعه جمال عبدالناصر بالحضور، وافتُتِحَتْ أعمال القمة في 17 جمادى الأولى 1385هـ الموافق 12 سبتمبر 1965م، وكانت مشاركة الملك فيصل إحدى الدعائم التي ساعدت على قيام بوادر التضامن العربي، وقد أُطلق على تلك القمة (قمة التضامن العربي) نظرًا إلى أهمية القرارات التي توصل إليها المجتمعون، والتي كانت تهدف إلى لَمِّ الشمل العربي لمواجهة العدو الإسرائيلي، والبعد عن الخلافات وتَـدَخُّـلِ كل دولة في أمور الأخرى  . غير أن الأمر لم يتحقق؛ إذ عاد الموقف إلى تأزمه السابق بانبعاث مشكلة اليمن مجددًا؛ نظرًا إلى تبدل موقف مصر بدعم من الاتحاد السوفييتي؛ إذ أعلنت عن بقاء قواتها في اليمن  . وأمام المشكلات المتعددة والقضايا المتنوعة التي كانت تواجه العالم العربي، والتي من أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي؛ برز دور المملكة خلال هذه المرحلة، وأصبحت عنصرًا فاعلاً في الساحة العربية والإسلامية. ومن هذا المنطلق استطاع الملك فيصل القيام بدور المُحاور الأساسي للأطراف العربية بشأن أهم القضايا العربية، وكانت فترة حكمه من أهم الفترات حسمًا في تاريخ الأمة العربية عمومًا؛ فقد كان من أكثر القادة العرب وضوحًا في الرؤية، وسدادًا في الرأي، وصوابًا في اتخاذ القرار لصالح قضية العرب الأولى (الصراع مع إسرائيل)  . فمع وقوع حرب يونيو (27 صفر 1387هـ الموافق 5 يونيو 1967م) أعلن الملك فيصل تأييده لمصر، على الرغم من خلافه مع الرئيس جمال عبدالناصر، وكان أول من أرسل قوات إلى الأردن، وأعلن التعبئة العامة في المملكة، وأبدى استعداد المملكة لخوض المعركة إلى جانب الدول العربية المعتَدَى عليها  ،  ثم أعلن في 1 ربيع الأول 1387هـ الموافق 10 يونيو 1967م إيقاف ضخ النفط السعودي إلى كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لمساندتهما إسرائيل  .  وبذل الملك فيصل جهودًا لعقد مؤتمرات عربية وإسلامية لدعم قضية العرب ضد إسرائيل، والتي هي إحدى الثوابت التي كان يؤكدها دائمًا وتأخذ موقع الصدارة في خطاباته الرسمية وفي تحركاته الدبلوماسية  . ومن أبرز المؤتمرات التي حضرها وكان المُحاور الأساسي فيها مؤتمر الخرطوم في جمادى الأولى 1387هـ / أغسطس 1967م، الذي حضره ممثلون عن 14 دولة، والذي تَقَرَّرَ فيه دعم مصر وسوريا والأردن لإعادة تسليح هذه الدول وتمكينها من مواجهة آثار الضربة السياسية والعسكرية التي ألحقتها إسرائيل بالعالَم العربي، وقد أسهمت المملكة بالنصيب الأكبر من ذلك الدعم  .  وتم في هذا المؤتمر إقرار مبدأ اللاءات الثلاثة المشهورة: لا صلح مع إسرائيل، لا تفاوض معها، لا اعتراف بها  ،  كما تمت فيه تصفية الخلافات القائمة بين الملك فيصل والرئيس جمال عبدالناصر؛ مما تَرَتَّبَ عليه سحب القوات المصرية من اليمن  . 
 

سياسته إسلاميًا

 
قام الملك فيصل بتوسيع التضامن العربي إلى دائرة أوسع هي التضامن الإسلامي  ، الذي كان يبتغي من ورائه تحقيق ثلاثة أهداف عالمية، الأول: التعاون في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين شعوب العالَم الإسلامي وحكوماته كلها، والثاني: محاولة طرد النفوذ الشيوعي واليساري المتطرف من المنطقة العربية، والثالث: جذب الدعم الإسلامي لصالح الموقف العربي لمواجهة إسرائيل  .  ولذلك زار الملك فيصل عددًا من البلاد الإسلامية والعربية في قارتَي آسيا وإفريقية مبتدئًا بإيران (شعبان 1385هـ / ديسمبر1965م)، ثم الأردن (شوال 1385هـ / يناير 1966م)، ثم السودان (ذو القعدة 1385هـ / 1966م)، ثم باكستان (ذو الحجة 1385هـ / إبريل 1966م)  ،  ثم قيامه بدءًا من 13 جمادى الأولى 1386هـ الموافق 29 أغسطس 1966م وانتهاءً في 10 جمادى الآخرة 1386هـ الموافق 25 سبتمبر 1966م بزيارة خمس دول هي: تركيا، والمغرب، وغينيا، ومالي، وتونس   .وقد كان الملك فيصل من أبرز المشاركين في المؤتمرات الإسلامية ومن أهمها: مؤتمر عَمَّان في 17 جمادى الآخرة 1387هـ الموافق 21 سبتمبر 1967م، الذي حضره ممثلون عن 21 دولة إسلامية لبحث العدوان الإسرائيلي  .  مؤتمر القمة الإسلامي الأول في الرباط في 11 رجب 1389هـ الموافق 22 سبتمبر 1969م بعد قيام إسرائيل بإحراق المسجد الأقصى، والذي عُقد بناءً على النداء الموجَّه من الملك فيصل إلى العالَم الإسلامي للتشاور مع قادة الأمة الإسلامية في وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية  ،  وقد حضر المؤتمرَ مندوبو 26 دولة إسلامية  ،  وكان الملك فيصل منذ إحراق المسجد الأقصى يفكر في منظمة إسلامية تكون رديفةً للجامعة العربية لا بديلةً عنها  . وكان من نتائج المؤتمر تحوُّل القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى قضية إسلامية بدعم الدول الإسلامية للشعب الفلسطيني، وهو ما كان يهدف إليه الملك فيصل من خلال دعوته إلى التضامن الإسلامي، وكانت موافَقَة إيران وبعض الدول الإسلامية الإفريقية التي تقيم علاقات مع إسرائيل على قرارات المؤتمر نجاحًا كبيرًا لسياسة الملك فيصل في تحقيق التضامن الإسلامي، وكان من نتائج المؤتمر أيضًا: قيام الملك فيصل بتوجيه الدعوة إلى عقد مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة، وقد افتُتِحَ في 15 محرم 1390هـ الموافق 23 مارس 1970م، وتَقَرَّرَ فيه تأسيس أمانة عامة للدول الإسلامية لتصبح هذه الأمانة منظمة عالمية. وفي الاجتماع الثاني الذي عُقِدَ أيضًا في جدة في 27 ربيع الآخر 1391هـ الموافق 20 يونيو 1971م وافق المجتمعون على تنظيم علاقات الدول الإسلامية من خلال ميثاق مكتوب. وفي المؤتمر الثالث الذي عُقِدَ في 14 محرم 1392هـ الموافق 29 فبراير 1972م  وصل عدد أعضاء المنظمة إلى 30 دولة إسلامية، ووافق الأعضاء على تبنِّي الميثاق، وأن تحمل هذه المنظمة اسم (منظمة المؤتمر الإسلامي)، وبذلك يكون الملك فيصل قد نجح في الوصول بدعوة التضامن الإسلامي إلى ميثاق ومنظمة للدول الإسلامية اعترفت بها هيئة الأمم المتحدة بعد عامين من تأسيسها؛ إذ اتضحت فعاليتها على المستويين الإسلامي والدولي  . وللعمل على ضم أعضاء جدد إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، ودفع تلك الدول إلى اتخاذ مواقف لصالح قضية فلسطين؛ قام الملك فيصل برحلة إلى إفريقية شملت أوغندا في 8 شوال 1392هـ الموافق 14 نوفمبر 1972م، وتشاد في 11 شوال 1392هـ الموافق 17 نوفمبر 1972م، والسنغال في 14 شوال 1392هـ الموافق 20 نوفمبر 1972م، وموريتانيا في 17 شوال 1392هـ الموافق 23 نوفمبر 1972م، والنيجر في 20 شوال 1392هـ الموافق 26 نوفمبر 1972م  .  وقد أسفرت تلك الجهود عن قطع الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لمصلحة الأقطار العربية والإسلامية  . وأضفى الملك فيصل أهمية كبيرة على زياراته لإفريقية، فكان يحرص على التنقل بين أكثر من مدينة داخل الدولة الواحدة، على الرغم مما يسببه ذلك من تعب وإرهاق في ظل ظروف المواصلات، فمثلاً غطَّت زيارته لتشاد ثلاث مدن متباعدة هي: العاصمة فورت لامي، وأبش في شرقي تشاد، ومدينة سار في الجنوب  . ومن جانب آخر اتجه الملك فيصل اتجاهًا جديدًا في السياسة السعودية، فوجَّه أنظاره نحو دول الشرق الأقصى لكسب مزيد من التأييد للقضايا العربية والإسلامية، فزار الصين الوطنية خلال الفترة من 22 - 25 ربيع الأول 1391هـ الموافق 17 - 20 مايو 1971م  ، ثم اليابان خلال الفترة من 25 - 30 ربيع الأول 1391هـ الموافق 20 - 25 مايو 1971م  . وفي العاشر من رمضان 1393هـ الموافق السادس من أكتوبر 1973م اشتعلت الحرب العربية - الإسرائيلية الرابعة، والتي كان الملك فيصل قد أدى قبلها دورًا بالغ الأهمية بجانب مصر وسوريا في الإعداد للمعركة والتخطيط لها، وقاد الملك فيصل فيها (معركة النفط)، فَخَفَّضَ إنتاج النفط بنسبة 5% شهريًا حتى تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1387هـ / 1967م، علمًا بأن هذا القرار لم يَسْرِ على الدول المحايدة والصديقة التي وقفت بجانب العرب في ذلك الوقت، ومن بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والهند  . ومع استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل أعلن الملك فيصل خفض إنتاج بلاده من النفط عن الدول المساندة لإسرائيل - وهو يعني الولايات المتحدة الأمريكية - بنسبة 10%، وقد تبعته الدول العربية الأخرى. ومع زيادة التعنت الأمريكي أصدر الملك فيصل في 23 رمضان 1393هـ الموافق 19 أكتوبر 1973م بيانًا يقضي بفرض الحظر الكامل لتصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومعها هولندا والبرتغال وروديسيا وجنوبي إفريقية  . وقد كانت معركة النفط التي قادها الملك فيصل متـناسقة مع التحركات العسكرية لمصر وسوريا، وأسهمت في جعل العرب يكسبون هذه الحرب، كما نجحت هذه الحرب في صنع جبهة عربية متماسكة، وكان من نتائجها أن سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام كل الوسائل الدبلوماسية للبحث عن تسوية للصراع العربي الإسرائيلي  ،  وكذلك تأييد الدول الأوروبية للحق العربي، ومعها الدول الاشتراكية غير المنحازة، وظهور التضامن الإفريقي، والتضامن الإسلامي بكل صوره بجانب القضية العربية.ومن الواضح أن الملك فيصل كان حريصًا خلال جهوده على إبراز التضامن العربي   الإسلامي أمام العالَم، وهو ما بلغ ذروته في القمة الإسلامية الثانية في لاهور بباكستان التي عُقِدَتْ في 30 محرم 1394هـ الموافق 22 فبراير 1974م، وكانت شاهدًا على أكبر تجمُّع إسلامي؛ إذ حضرته جميع الدول الإسلامية باستـثـناء غينيا التي أرسل رئيسها سيكتوري برقية بالاعتذار. وشهدت الأمة جهود الملك فيصل في دعم حركة التضامن الإسلامي، وكان من نتائجها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية  ،  وإنشاء صندوق التضامن الإسلامي لتمويل أنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي التي منها دعم صمود الشعب الفلسطيني في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة  ،  وكذلك مؤتمر القمة العربي السابع بالرباط (في 10 - 14 شوال 1394هـ الموافق 26 - 30 أكتوبر 1974م) لبحث مسار السياسة العربية بعد حرب أكتوبر، وتَقَرَّرَ في هذا المؤتمر إنشاء صندوق مالي لدعم القضية الفلسطينية  . وجاءت قرارات الأمم المتحدة الصادرة في 6 ذي القعدة 1394هـ الموافق 22 نوفمبر 1974م نجاحًا للدبلوماسية العربية التي برزت فيها جهود الملك فيصل؛ فقد نَصَّتْ على تأييد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في السيادة والاستقلال، وعلى منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب في الجمعية العامة والمؤتمرات الدولية التي تـنعقد في ظل هيئة الأمم المتحدة  . 
 

 سياسته دوليًا

 
احتفظ الملك فيصل بعلاقات خارجية جيدة لبلاده مع الدول الأجنبية الصديقة وخصوصًا الغربية منها، إلا في حالة تعارض سياسة تلك البلاد مع سياسة المملكة وقناعاته الشخصية، وخصوصًا فيما يخص مشكلة فلسطين والعلاقة مع إسرائيل. فبالنسبة إلى الدول الأوربية قطع الملك فيصل العلاقات الدبلوماسية لبلاده مع ألمانيا الغربية في 13 محرم 1385هـ الموافق 14 مايو 1965م لموافقتها على دفع مبالغ ضخمة لإسرائيل سُمِّيَتْ (تعويضات) عما يُزْعَمُ من اضطهاد ألمانيا (النازية) لليهود  ،  ومع احتفاظ المملكة بعلاقات صداقة مع بريطانيا إلا أن الملك فيصلاً قطع النفط عن بريطانيا إبَّانَ العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1387هـ / 1967م، وظل يحاور الدبلوماسية البريطانية، حتى كان أحد العاملين على إقناعها بأن تقف إلى جانب الحق العربي، وهو ما ظهر حين عُرِضَتِ القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة عام 1394هـ / 1974م  . وقد تعرَّضت علاقة المملكة مع فرنسا إلى نوع من التوتر؛ نظرًا إلى مناصرة الملك فيصل للبلاد العربية المستعمَرة من قِبَل فرنسا مثل الجزائر التي قَدَّم لها المال والسلاح والتأييد  .  وكان اللقاء بين الملك فيصل والرئيس شارل ديجول عشية العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1387هـ / 1967م أحد أهم العوامل في تغيُّر موقف فرنسا لصالح الحق العربي  . وعلى هذا المثال سارت علاقات المملكة مع باقي الدول الأوروبية، وحتى دول شرق آسيا، وهي علاقات تقوم على الصداقة والاحترام، ولم تكن تشوبها أي شائبة سوى موقف بعض هذه الدول من القضايا العربية والإسلامية التي كان الملك فيصل حريصًا عليها ويعمل على تدعيمها  . وكانت العلاقات السعودية الأمريكية حجر الزاوية لعلاقات المملكة الخارجية التي شكلت شخصية الملك فيصل أساسها بالدرجة الأولى؛ إذ كانت الإدارة الأمريكية تنظر بعين الاحترام والتقدير إليه؛ نظرًا إلى الحضور الشخصي وقوة البيان اللَّذَين أظهرهما الملك فيصل خلال زياراته للولايات المتحدة الأمريكية وتعامله مع الرؤساء الأمريكيين، والتي دفعت بمصداقيته إلى الصدارة  ،  فخلال الفترة من 3 - 12 ربيع الأول 1386هـ الموافق 21 - 30 يونيو 1966م زار الملك فيصل الولايات المتحدة الأمريكية بناءً على دعوة من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، بهدف تعزيز الصداقة بين البلدين وتسوية الأوضاع مع اليمن، وقد كان الملك فيصل صُلْبًا في إصراره على تسوية الأوضاع في الشرق الأوسط بشروطه الخاصة. وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية للملك فيصل دعمها لصفقات الأسلحة بين المملكة وأمريكا  . ومن جانب آخر فإن دعوة الملك فيصل إلى التضامن الإسلامي لم تلقَ التأييد من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها كانت تنظر إلى الملك فيصل بوصفه القادر على تحقيق علاقات وثيقة تكون مفيدة للبلدين  . وبعد خمس سنوات زار الملك فيصل واشنطن مرة أخرى؛ حيث التقى الرئيس ريتشارد نيكسون في 1 ربيع الآخر 1391هـ الموافق 25 مايو 1971م  ، وكانت حرب يونيو 1967م (صفر 1387 ه) قد خَلَّفَتْ وراءها علاقات عربية أمريكية ممزقة، ووضعت القضية الفلسطينية في محور الشؤون الدبلوماسية للشرق الأوسط، وقد أوضح الملك فيصل مرارة العدوان، واحتلال الأرض العربية والمقدَّسات، وتشرد الشعب العربي في الأراضي المحتلة. أمَّا الولايات المتحدة الأمريكية فقد أثارت مع الملك فيصل الوضع في الخليج العربي بعد انسحاب القوات البريطانية منه، والعلاقات السعودية الإيرانية، وتناولت بناء العلاقات الأمريكية مع المملكة وإيران على أسس جديدة. وكانت واشنطن ترى أن مسؤولية استقرار الخليج العربي بعد انسحاب القوات البريطانية تقع على عاتق كُـلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران  . وفي 24 جمادى الأولى 1394هـ الموافق 14 يونيو 1974م زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الرياض، وهو أول رئيس أمريكي يقوم بزيارة المملكة  ،  وقد أشاد نيكسون في مذكراته بالملك فيصل إذ عَـدَّهُ "واحدًا من أكثر القادة حكمةً في المنطقة بأسرها"  . 
 

وفاته

 
استشهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - في يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975م؛ إذ قُـتِـلَ على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد؛ عن عُمْر يناهز واحدًا وسبعين عامًا، ودُفن في مقبرة العود بمدينة الرياض.
 
شارك المقالة:
53 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook