شبكات التصريف المائي بمنطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
شبكات التصريف المائي بمنطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

شبكات التصريف المائي بمنطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعكس شبكة التصريف المائي للأودية بمنطقة مكة المكرمة التضاريس والبنية الجيولوجية للسطح في غرب المملكة العربية السعودية، فقد أدى امتداد جبال السروات من الشمال إلى الجنوب - وما يتصف به القطاع العرضي لهذه الجبال والهضاب المجاورة لها شرقًا من انحدار شديد في الغرب وانحدار تدريجي في الشرق - إلى وجود شبكات من الأودية تأثرت بهذه التضاريس والبنية الجيولوجية، وقد كان لاقتراب السلاسل الجبلية من ساحل البحر الأحمر أن قصرت أطوال مجاري الأودية التي تصب فيه، على العكس من الأودية الشرقية
وتفصل قمم الجرف الصدعي لجبال السروات الذي يشكل خط تقسيم المياه بين نموذجين من الأودية يتجه الأول نحو الشرق بشكل عام، بينما يتجه الآخر نحو الغرب لينتهي في البحر الأحمر. ويمكن عرضها كما يأتي:
 

 أودية النموذج الأول

تتمثل أودية هذا النموذج بالأودية الواقعة إلى الشرق من الجرف الصدعي لجبال السروات، وهي تتجه عمومًا مع الانحدار العام للسفوح الشرقية لهذه الجبال نحو الشمال الشرقي كأودية بيشة وتربة ورنية ولية ووج، إلا أن الثلاثة الأولى منها تعكس اتجاهها نحو الجنوب الشرقي لتلتقي معًا مع وادي تثليث وتشكل المجرى الأعلى لوادي الدواسر خارج منطقة مكة المكرمة، بينما ينتهي واديا لية ووج في سهل ركبة، وبالإضافة إلى ذلك نجد أن وادي العقيق يتجه شمالاً محاذيًا للأطراف الشرقية لحرة رهاط
وتقطع أودية هذا النموذج السفوح الشرقية لجبال السروات وهضبة السروات أيضًا، وتتشابه في خصائصها المورفولوجية، إذ إنها قد شقت مجاريها في صخور نارية ومتحولة لما قبل الكامبري، وتستمد معظم مياهها من قمم جبال السروات، ومن ثم يتغير المناخ بين مجاريها العليا ومجاريها الدنيا بشكل واضح
وعلى الرغم من الفرق الواسع بين انحدار هذه الأودية وتلك المنحدرة نحو الغرب إلا أن بعض قطاعاتها العرضية وبخاصة في المجاري العليا لها تبدو خانقية نتيجة للتعمق الرأسي الذي قامت به، كما تميزت قطاعاتها الطولية كذلك بشدة الانحدار في مواقع الخوانق نفسها
ومع وجود فارق كبير بين منابع أودية بيشة ورنية وتربة والتقائها بوادي الدواسر، فإن زيادة طولها قد أدت إلى قلة انحدارها واتساع مجاريها الدنيا بشكل واضح
وتتميز أودية هذا النموذج بوفرة الجريان السطحي المرتبط بتساقط الأمطار على جبال السروات والحجاز، وتراوح كميات الجريان السطحي فيها بين 70 مليون متر مكعب في وادي بيشة إلى أقل من 30 مليون متر مكعب في وادي رنية  ،  وعادة ما ترتبط كمية الجريان بكل من سعة الحوض وكمية الأمطار الساقطة عليه، وعلى كل حال لا يمكن مقارنة الجريان في هذه الأحواض بتلك المتجهة نحو البحر الأحمر التي تفوقها بعدة مرات وهذا لمواجهة أحواضها للأعاصير المطرية، وفيما يأتي لمحة سريعة عن أهم أحواض أودية هذا النموذج:
 
1 - أودية تربة ورنية وبيشة:
تنحدر المجاري العليا لأودية تربة ورنية  وبيشة من السفوح الشرقية لجبال السروات حيث ينحدر وادي تربة من بلاد زهران بعد أن تشكله مجموعة من الروافد، ثم يتجه نحو الشمال الشرقي مارًّا بين حرتي حضن شمالاً والنواصف والبقوم جنوبًا، مخترقًا تربة والخرمة قبل أن يغير اتجاهه بزاوية قائمة نحو الجنوب الشرقي عند عروق سبيع، أما وادي رنية فينحدر من سراة غامد نحو الشمال الشرقي موازيًا للأطراف الجنوبية الشرقية لحرة النواصف والبقوم، حيث ترفده مجموعة من روافد الحرة قبل أن يمر بمدينة رنية ويضيع في عروق سبيع، والشيء نفسه يقال عن وادي بيشة الذي تبدأ روافده من بلاد بني شهر ثم يتجه نحو الشمال الشرقي مارًّا بمدينة بيشة، قبل أن يلتقي مع الأودية السابقة في سهل الفرشة ويشكل معها وادي الفرشة الذي يعد الرافد الرئيس لوادي الدواسر مع وادي تثليث
وتجدر الإشارة إلى أن معظم منابع هذه الأودية باستثناء وادي تربة، تقع خارج منطقة مكة المكرمة
 
2 - واديا لية ووج:
ينحدر واديا لية ووج من السفوح الشرقية لجبال السروات والحجاز - الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة الطائف - من ارتفاعات تزيد على 2500م فوق مستوى سطح البحر، وهما واديان متوازيان يتجهان من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي وينتهيان في سهل ركبة إلى الشمال الشرقي من الطائف، في حين يمر وادي وج من وسط مدينة الطائف، ويبعد وادي لية  بما لا يزيد على بضعة كيلومترات حيث تتجاور خطوط تقسيم هذين الواديين في المنابع عند منطقة الشفا، كما يجريان في الاتجاه نفسه في حوضين ضيقين متجاورين
 

أودية النموذج الثاني

تتمثل أودية هذا النموذج في الأودية التي تتجه غربًا إلى البحر الأحمر، وهي تتشكل من الواجهة الغربية للجرف الصدعي لجبال السروات وتنحدر منها إلى السهل الساحلي (تهامة)، وتتعدد هذه الأودية من الجنوب إلى الشمال ابتداءً من مدينة القنفذة كأودية قنونة والأحسبة ودوقة والشواق والليث والسعدية (ويلملم) وإدام ونعمان وفاطمة وعسفان وخليص ورابغ، إضافة إلى عدد من أحواض الأودية الأقل مساحة، وقد تأثرت جميع هذه الأودية بعدد من المؤثرات لعل أهمها التركيب الجيولوجي لصخور أحواضها، إضافة إلى الصدوع التي أصابتها، كما تأثرت أيضًا بتباين ارتفاع منسوب مجاريها العليا في جبال السروات والحجاز
ويمكن تلخيص أهم الخصائص المورفولوجية لأودية البحر الأحمر في أن قطاعاتها الطولية شديدة الانحدار وبخاصة في مجاريها العليا التي تتصف أيضًا بقطاعاتها العرضية العميقة، حيث تظهر الفجوج في هذه الأجزاء من مجاريها، إضافة إلى ظهور عدد من الانقطاعات الفجائية في الانحدار، إذ تشكلت الشلالات والمسارع نتيجة لتقاطعها مع صخور نارية اندفاعية صلبة أو صدوع عرضية، كما تكثر في مجاريها الجلاميد الضخمة من مختلف الأحجام، وفي الاتجاه نحو السهل الساحلي وقبل خروجها من المنطقة الجبلية يقل انحدارها بشكل كبير، وتتسع قطاعاتها العرضية وتبدأ في ترسيب ما تحمله من رواسب أصغر حجمًا، حتى تصل إلى مصباتها في البحر مشكلة دلتاوات تتباين مساحاتها حسب سعة حوض تصريف هذه الأودية وما تحمله من رواسب
أما نظام الجريان في أودية البحر الأحمر في منطقة مكة المكرمة فيختلف بين الأودية الشمالية الواقعة إلى الشمال من الليث وتلك الواقعة إلى الجنوب منها، إذ يقل الجريان في الشمال بشكل واضح بحيث لا يتعدى متوسط عدد السيول 1 - 2 سيل سنويًا، كما هو الحال في أودية نعمان وفاطمة وخليص ورابغ، بينما يزيد هذا المعدل في الأودية الواقعة إلى الجنوب من الليث، وأكثر من ذلك فإنه من النادر أن تصل سيول الأودية الشمالية إلى البحر على العكس من الأودية الواقعة في جنوب المنطقة
وقد تطورت أحواض الأودية ومجاريها في منطقة مكة المكرمة وبخاصة في الجنوب، ويظهر ذلك جليًا في تراجع خط تقسيم المياه في جبال السروات نحو الشرق المتمثل في الجرف الصدعي، حيث تقوم رؤوس الروافد بعملية النحت التراجعي لهذا الجرف أو إزالته أو تخفيضه أحيانًا، ونتيجة لشدة عمليات النحت على هذه الجبال فقد زادت عمليات الإرساب على السهل الساحلي مما أدى إلى زيادة اتساعه كلما اتجهنا نحو جنوب المنطقة
وعلى الرغم من تشكل الدلتاوات منذ الزمن الثالث الجيولوجي في بعض أودية ساحل منطقتي المدينة المنورة وتبوك، إلا أن حداثة الدلتاوات كلما اتجهنا جنوبًا تصبح أكثر وضوحًا ابتداءً من دلتا وادي عسفان - الغولاء ومرورًا بدلتا وادي فاطمة حتى تلك الدلتاوات الواقعة إلى الجنوب من دلتا وادي الليث الذي يصح تسميته بساحل الدلتاوات، إذ لا يزال يتشكل بعضها حتى الوقت الحاضر
وتتناسب مساحات الدلتاوات عند مصبات الأودية في البحر الأحمر حسب غزارة جريانها وما تحمله من رواسب تلقي بها عند خط الساحل، وهذا يعني ارتباط هذه الدلتاوات بالخصائص الطبيعية لأحواض هذه الأودية إضافة إلى الظروف البيئية في منطقة المصب
لقد سبقت الإشارة إلى عدد من الأودية الرئيسة التي تصب في البحر الأحمر منحدرة من جبال السروات، إضافة إلى أودية أخرى تعد أحواضها أقل مساحة، وفيما يأتي لمحة سريعة عن أربعة أحواض رئيسة في منطقة مكة المكرمة، وهي من الجنوب إلى الشمال أودية (الليث، نعمان، فاطمة، وخليص)
 
1 - وادي الليث: 
يستمد وادي الليث مياهه من مجموعة روافد تضرب برؤوسها حواف الجرف الصدعي الممتد من بني سعد حتى جبل الحدب في ميسان بلحارث، ويتكون من مجموعة روافد رئيسة إضافة إلى عدد كبير من الروافد الثانوية، وأهم هذه الروافد أودية (ذرى والحمر وبطحان) من الجانب الأيمن وأودية (مقس وسلبة وأتابة وذهب) من الجانب الأيسر، ويتجه المجرى الرئيس للوادي من الشمال إلى الجنوب لينحرف قليلاً إلى الجنوب الغربي قبيل مصبه عند مدينة الليث، ولوجود العيون الحارة إلى الشرق من قرية غميقة في المجرى الأدنى للوادي فقد لفت الوادي الأنظار مما ساهم في تسارع إعماره
 
2 - وادي نعمان: 
تبدأ مجاريه العليا من السفح الغربي للجرف الصدعي لجبال السروات والحجاز في المنطقة الممتدة بين جنوب جبل حبلة، حيث يتشكل خط تقسيم المياه بينه وبين الروافد العليا لوادي اليمانية - فاطمة، المتمثلة في أودية الشرقة ومحرم - الغديرين وذلك في منطقة الهدا عند مستوى يزيد على 2300م فوق مستوى سطح البحر، وتتكون المجاري العليا لوادي نعمان من عدد من الروافد الرئيسة، وهي وادي يعرج ووادي بني حسن ووادي عرنة التي ترفده من الجانب الأيمن، إضافة إلى عدد من الروافد الرئيسة الأخرى التي ترفده من الجانب الأيسر، ولعل أهمها وادي مجاريش ووادي عرعر ووادي رهجان، كما ترفده مجموعة أخرى من الروافد الأقل أهمية، وأشهرها وادي إبراهيم الخليل الذي نشأت حوله مدينة مكة المكرمة، ثم يتابع وادي نعمان مجراه في السهل الساحلي الذي يتلاشى فيه المجرى أحيانًا أو يصل حتى البحر حسب غزارة الجريان الذي غالبًا ما يكون نادرًا، ويصل الطول الإجمالي له إلى 161كم
وتشير الدراسات إلى الأصل الواحد لشبكة نعمان - فاطمة قبل أن ينفصل الأخير ويغير مجراه إلى الشمال قليلاً من المصب القديم، ويؤكد ذلك وجود الرواسب في دلتا وادي نعمان التي اشتقت من صخور تكوين فاطمة الذي يقتصر وجوده على الحوض الأخير
 
3 - وادي فاطمة: 
يكاد يشبه وادي فاطمة وادي الحمض في أن رافدين من أهم روافده وهما واديا الشامية واليمانية يشقان مجاريهما العليا على السفوح الشرقية للجرف الصدعي في منطقة الهدا والغديرين - محرم إلى الغرب من مدينة الطائف، حيث يصرف وادي الغديرين - محرم ووادي الشرقة مياه هذه السفوح إلى وادي اليمانية من ارتفاعات هي نفسها التي تفصله عن حوض وادي نعمان السابق، ويتجه واديا الشامية واليمانية إلى الشمال في أودية صدعية قد يكون أهمها صدع اليمانية الذي استغله وادي اليمانية، وصدع المضيق الذي استغله وادي الشامية، وغيَّر اتجاهه نحو الغرب
وبعد التقاء واديي الشامية واليمانية عند قرية سولة ينشأ ما يعرف بوادي فاطمة الذي يستمر في الجريان غربًا ليلتقي برافده الرئيس الأخير وهو وادي حورة المنحدر من جنوب حرة رهاط عند عين الريان، ثم يتابع وادي فاطمة مجراه غربًا لينحرف بعدها نحو الجنوب الغربي نتيجة لنطاق صدعي يأخذ اسم الوادي قبل أن يغير مجراه مرة أخرى قبل المصب ويتجه نحو الشمال الغربي ليصب في البحر الأحمر عند الخمرة جنوب مدينة جدة، وذلك بطول إجمالي يصل إلى 225كم
وتجدر الإشارة إلى أن رافدي الشامية واليمانية قد تكونا فوق صخور نارية ومتحولة من العصر ما قبل الكامبري، بينما شكلت صخور البازلت لحرة رهاط المجرى الأعلى لوادي حورة الرافد الثالث لوادي فاطمة والمعروف بوادي الضريبة
 
4 - وادي خليص:
ينشأ وادي خليص من السفوح الجنوبية الغربية لحرة رهاط من مجموعة من الروافد التي تنحدر من خط تقسيم مياه الحرة إلى الشرق من قريتي القعر الأسفل والقعر الأعلى من ارتفاع يزيد على 1500م فوق مستوى سطح البحر، إضافة إلى عدد من الروافد التي تنحدر من جرف خط الصدع في جبال شيماء ناصر المكونة من الصخور النارية التي تعد امتدادًا للجرف الصدعي لجبال السروات نحو الشمال
ومن أهم الأودية وادي عويبكة الذي يلتقي بوادي الحريف عند قرية الكامل ليشكلا معًا وادي المرواني الذي يشكل المجرى الرئيس لوادي خليص، وبعد حرة الخليصية الواقعة شمال مدينة خليص يتفرع الوادي إلى عدة أفرع على شكل دلتا تضم عددًا من المصبات لهذا الوادي، وتمتد بين خور المرة جنوبًا ومدينة ثول شمالاً
وتجدر الإشارة إلى أن معظم الروافد الرئيسة لوادي خليص وبخاصة وادي الحريف هي أودية صدعية استغلت مجموعة من خطوط الصدع لتشق مجاريها في اتجاه الجنوب الغربي
ونخلص مما سبق إلى أن الأودية في منطقة مكة المكرمة يمكن تقسيمها حسب أصولها إلى عدد من المجموعات قد تكون الأودية الصدعية أكثرها شيوعًا كما هو الحال في المجرى الأدنى لوادي نعمان ومجاريه العليا (مجاريش - بني حسن)، والمجرى الأدنى لوادي فاطمة والمجاري العليا لوادي خليص، ويلي ذلك الأودية التي نشأت في مناطق خطوط التماس بين التكوينات الصخرية، وغالبًا ما تشكل هذه الأودية الروافد الثانوية لشبكات الأودية
أما المجموعة الثالثة من الأودية فهي تلك التي غيرت مجاريها نتيجة لتجدد حركات الرفع الأرضي ومن أبرز الأمثلة على ذلك المجرى الأدنى لوادي فاطمة الذي غير مصبه مرتين، الأولى عندما كان يصب مع وادي نعمان في الدلتا القديمة جنوبًا والثانية عندما غير مجراه شمالاً ليصب في الخمرة جنوب مدينة جدة
أما المجموعة الرابعة من الأودية فهي تلك التي نشأت فوق صخور البازلت سواء فوق حرة رهاط أو حرات كشب أو النواصف والبقوم، أما أودية تربة ورنية وبيشة فهي أودية تابعة أصلاً، إلا أنها قد استغلت بعض الصدوع كما هو الحال في مجاريها الدنيا قبل التقائها بوادي الدواسر خارج منطقة مكة المكرمة
 
شارك المقالة:
114 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook