قضى الله -تعالى- بحكمته وإرادته أن يفطر الرجل والمرأة على ضرورة الاتصال برباط الزوجية؛ ليكون من ذلك الاتصال الذريّة والأولاد، ولتحقيق مفهوم الاستخلاف في الأرض، وعمارة الكون واستغلال كنوزه وثرواته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويقضي بفنائها، وقد كرَّم الله -تعالى- الإنسان فلم يجعل اجتماع الرجل بالمرأة علاقة بهيمية، وإنَّما جعل الزواج وسيلة، ورتَّب عليها العديد من الحقوق والواجبات، حتى يكون هذا الاجتماع قائماً على أساسٍ متين من المودّة والرحمة، يقول الشيخ شلتوت رحمه الله: (وما الزواج في واقعه إلا ظاهرة من ظواهر التنظيم لفطرة أودعت في الإنسان كما أودعت في غيره من أنواع الحيوان، ولولا الزواج الذي هو تنظيم لتلك الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية هذه الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع).
ولمّا كانت الأُسرة هي اللَّبنة الأساس في المجتمع المسلم، كان لزاماً على المسلمين إقامتها على أساس يتّسم بالقوة والصلاح؛ لما يتفرع عن الأُسرة من أجيال ترتقي الأُمة برُقيّهم وصلاحهم، عن طريق إكرامهم وإحسان تربيتهم، ويكون هذا عند تزويج صاحب الخُلق والدين من المرأة الصالحة القادرة على تعليم أولادها لدين الله -تعالى- من القرآن الكريم والسنة النبوية، فالطفل كالصحيفة البيضاء ينقش فيها المُربي ما شاء من الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، كما أنَّ الزواج من أقوى الوسائل لتحقيق السكن النفسي، إذا عامل الزوج زوجته بالمعروف، وتعاونا على الخير، فالزواج شركة قائمة على الوفاء والعفة والصدق.
شرع الله -تعالى- النكاح وجعله مؤكّداً في حق صاحب الشهوة القادر عليه، كما أنَّ الزواج من سنّة الأنبياء والمرسلين، فقد تزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال العلماء في هذا الشأن أنَّ التزويج مع الشهوة خيرٌ من القيام بالنوافل، لما فيه من المصالح الكبيرة، وينتقل حكم الزواج من الاستحباب إلى الوجوب إذا كان الرجل قوي الشهوة إلى حد الخوف من الوقوع في الحرام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ)، أمَّا عن شروط الزواج فهي:
للزواج في الإسلام أهمية كبيرة، فقد حثَّ الله -تعالى- على مشروعيته في الكتاب والسنة، ورتَّب عليه بحكمته العديد من الفوائد، فالزواج حفظ للزوجين وإحصان لهما من الوقوع في الفاحشة التي تقضي على المجتمعات البشرية، وتنزع منها المروءة والأخلاق، ومما لا شك فيه أنَّ الميل للجنس الآخر أمر فطري جُبل عليه الناس، فشرَع الله -تعالى- الزواج؛ لتصريف هذه الغريزة في ما يرضي الله، كما أنَّ الزواج يُحقق الأُنس والسكينة للزوجين، ويحصل به التعارف والتقارب بين الأُسر، كما أنَّ الله -تعالى- حفظ به النوع الإنساني من الفناء، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، وجعل الله -تعالى- الزواج سبباً في حصول الأولاد الذين هم زينة الحياة الدُنيا، كما يؤدي الإنجاب كذلك إلى تكثير عدد المسلمين.
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- معشر المؤمنين الزواج من المرأة الودود الولود، يقول ابن القيم في فوائد الزواج: (ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فَرْجِه عن التِفاتِه إلى ما حرَّم الله تعالى، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأةٍ يعفُّها الله به ويثيبه على قَضاء وطَرِه ووطَرِها، فهو في لذَّاته وصحائف حسناته تتزايَدُ، ولو لم يكن فيه إلا ما يُثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومَسكَنها ورفع اللقمة إلى فيها)، فالزواج من نعم الله -تعالى- التي تستحق الثناء على الله -تعالى- وشكره.
موسوعة موضوع