شكرا وعذرا يا رسول الله

الكاتب: المدير -
شكرا وعذرا يا رسول الله
"شكرًا وعذرًا يا رسول الله

 

شكرًا إلى ذلك الرجل الطاهر الأُمِّيِّ الأمين الذي وُلد في بني هاشم، ونشأ في قريش، واستُرضع في بني سعد، وتزوَّج في بني أسد، وهاجر إلى بني عمرو وهم الأوسُ والخزرج، فهذه هي القبائل التي تقلَّب فيها، وهم أفصح القبائل في اللغة العربية، حتى اكتسب منها البلاغةَ ونهجَ الكلام، وبعدها رعى الغنم، ثم قاد الأمم.

هو حبيب الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ مُوحِّدُ الأُمَّة، وجامع الكلمة.

 

شكرًا له؛ لأنه حمل رسالة الإسلام إلى العرب، وأخرجنا به من الظُّلمات إلى النور، وعرَّفنا إلى الله تعالى، وأنقذنا من عبادة الأوثان، وأهدى إلينا أفصحَ البيان، الذي لا يُوزنُ بأي ميزان، وهو القرآن؛ كلامُ الرحمن، تاج الإيمان، ونور القلوب، وشفاء الأبدان، ومُزيل الهمِّ والأحزان، الذي لا يخيب من تلاه وأدام تلاوته، وطبَّق أحكامه، وهو الكَنزُ العظيم والمُلْكُ الذي لا يفنى، وهو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عنه: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ رواه مسلم.

 

وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين))؛ رواه مسلم.

 

شكرًا لك يا من اسمك مع الله يُذكَر في كل موعد صلاة عند رفع الأذان في كل مكان وزمان، ما أعظمك وما أرفع شأنك عند الله تعالى! إذ إنك عرَّفتنا على طريق الحق حتى في الأذان كما قلتَ: ((لو يعلمُ الناس ما في النداء والصَّفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهِموا عليه لاستهَموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمة والصُّبح لأتوهما ولو حبوًا))؛ متفق عليه.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك عرَّفتنا ووجَّهتنا إلى الخير والمعروف وكسب الحسنات في كل عمل، وإن كان هذا العملُ الوضوءَ، كما ذُكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضَّأَ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرجَ من تحت أظفارِه))؛ رواه مسلم.

 

شكرًا لك يا رسول الله، يا من علَّمتنا الصلاة التي فيها تتعلَّق قلوبُنا بالله جل في علاه، وحذَّرت مَن ترَكَها قطعَ صلته بالله مهما علَّل وبرَّر، والتي قلتَ فيها كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة: كفارةٌ لما بينهن، ما لم تُغْشَ الكبائر))؛ رواه مسلم.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك علمتنا الصيام الذي فيه تهذيبُ النفوس، وتطهير القلوب من الذنوب؛ وقولك عن الصيام: عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابًا يُقال له: الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلقَ، فلم يدخل منه أحد))؛ متفق عليه.

 

شكرًا لك يا رسول الله، يا من علَّمتنا كل أنواع العبادة حتى الدعاء؛ وقولك عن الدعاء: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي محمد قال: ((الدعاء هو العبادة))، وإذا اقترن الدعاء بالعبادة، فهذا يعني أن كل عمل فيه رضاءُ الله هو عبادة، فالعبادة لم تختص بالصلاة والصيام وقراءة القرآن الكريم فقط، وإنما الدعاء أيضًا عبادة.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك ما أمرتنا بأمر إلا فيه صلاحٌ لأنفسنا ولديننا ولأمَّتنا؛ ومن هذه الأمور: ذكر الله والتسبيح والاستغفار، وكل نوع من أنواع الذكر الذي هو أعظم أنواع العبادات؛ وقولك عن الذكر: ((ألا أُنبِّئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاقكم الذهبَ والورق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذكر الله)).

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك أوصيتنا أن نُطهِّر أنفسنا وأموالنا بالزكاة التي قلتَ عنها: عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: ((تعبدُ الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصلُ الرَّحِم))؛ متفق عليه.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك فرضت علينا أجملَ عبادة، تلك التي نغسل فيها ذنوبَنا، ونسعى إلى رضا الله عنَّا، وهي عبادة الحج والعمرة، التي قلتَ عنها: عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بُنيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحَج البيت، وصوم رمضان))؛ متفق عليه.

 

شكرًا لك يا رسول المحبَّة والسلام، شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك آخيتَ بين المسلمين بقولك: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))؛ متفق عليه.

 

وقولك عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُه، ولا يُسْلِمُه، من كان في حاجة أخيه، كان اللهُ في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كُرْبةً، فرج الله عنه بها كربة من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة))؛ متفق عليه.

 

وقولك في الحثِّ على التراحم بين الإخوة المسلمين: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى))؛ متفق عليه.

 

فأين نحن مما يحدث اليوم بين الإخوة والأهل، وبين المسلمين بصورة عامة من أحاديث الرسول هذه؟

شكرًا لك يا رسول الله من كلِّ القوارير التي حرَّرْتَهُنَّ من العبودية، وما رحلتَ عن الدنيا حتى أوصيتَ بهنَّ خيرًا في قولك: ((رِفقًا بالقوارير)).

 

وشكرًا لك من كل الأمهات - والكثير منهن عِشْنَ قهرًا، وذُقْنَ مُرًّا - على قولك فيهن: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسن صَحابَتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثُمَّ من؟، قال: ((أمك))، قال: ثم من؟، قال: ((أمك))، قال: ثم من؟، قال: ((أبوك))؛ متفق عليه.

 

شكرًا لك يا رسول الله من كل الأيتام والأرامل الذين أوصيت بهم في قولك: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله))؛ متفق عليه.

وكذلك قولك: ((أنا وكافلُ اليتيم في الجنة هكذا))، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّجَ بينهما؛ رواه البخاري.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك علَّمتنا إكرامَ الضيف، وصلةَ الأرحام، ومواصلةَ الأهل والجيران في قولك: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فليكرمْ ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصلْ رحِمَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقلْ خيرًا أو ليصمُتْ))؛ متفق عليه.

 

وكذلك قولك: ((خيرُ الأصحاب عند الله تعالى خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره))؛ رواه الترمذي.

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك لم تفرِّقْ بين أصحابك.

 

شكرًا لك يا رسول الله؛ لأنك أمرتنا بكل أمرٍ يُرضي الله عنا، ونهيتنا عن كل أمر يُغضِب اللهَ عنا من أقوال وأفعال في كلِّ حالٍ من الأحوال.

 

وبعد كل شكر قدَّمتُه إليك يا رسول الله، أَوَدُّ أن أعتذرَ نيابة عن كلِّ أمَّتك منك، وأقول: ليس كلُّ ما أمرتنا به طبَّقْناه، وليس كل ما نهيتنا عنه انتهينا عنه.

 

عذْرًا يا رسول الله، لم نكن مثلما تريد، ولم نُقدِّمْ للإسلام شيئًا يجعلك تفتخر بنا يوم القيامة كأُمَّةٍ قضيتَ كثيرًا من حياتك في المعارك من أجلها.

 

عذرًا يا رسول الله على ما وصل إليه المسلمون من أمتك حيث ارتكبوا ما نهيتهم عنه من تفرُّقٍ وقتالٍ لبعضهم البعض، لا كما أوصيتهم: ((لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِب بعضُكم رقابَ بعض)).

 

ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ؛ إذ إننا ادَّعينا محبَّتَك وتركنا سُنَّتَك، وركضْنا وراء مُغريات الحضارة الغربية، وتركنا حضارتَنا الإسلامية.

ادَّعينا الحرية والتحرر؛ ولكننا قيَّدنا أنفسنا بسلاسل العبودية والانحلال الأخلاقي، فانحلَّتْ الأجيالُ الجديدة في كل شيء.

 

عذرًا يا رسول الله؛ لأننا لم نستحقَّ الصرحَ العظيم الذي قدمته لنا، وهو الإسلام، ولم نستحق شفاعتَك فينا، وقولَك: ((أمتي أمتي!)) يوم القيامة، إذ كل الأنبياء تقول: نفسي نفسي إلا أنت يا رسول الله تستغيث لأمتك.

عذرًا عذرًا يا رسول الله!


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook