شهر الرحمة

الكاتب: مروى قويدر -
شهر الرحمة

شهر الرحمة.

 

 

رمضان شهر الرَّحمة

 

مَنّ الله -تعالى- على عباده في شهر رمضان المبارك بكثيرٍ من النِّعَم والعطايا؛ ولا شكّ بأنّ تلك النِّعم تُشكّل حافزاً للمسلم يحثُّه على بذل المزيد من الجهد في الطاعة، والعمل؛ ابتغاء مرضاة الله -سبحانه-؛ ففي شهر رمضان تتجلّى معاني الرحمة الإلهيّة، والمغفرة للذنوب والخطايا، والعِتق من النيران، ودخول الجِنان، وقد ضاعف الله أجور الصائمين؛ إذ إنّ عبادة الصيام لا يَطّلع عليها أحدٌ إلّا الله، ومن النِّعم التي تتحقّق للعباد في شهر رمضان أيضاً مغفرة ذنوب الصائمين من رمضان إلى رمضان الذي يليه، كما أنّ الصِّيام من العبادات التي تشفع للعباد يوم القيامة، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ:أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ).

 

 

مظاهر الرحمة في شهر رمضان

 

مظاهر رحمة الله بالخَلْق في شهر رمضان

 

تتجلّى مظاهر رحمة الله -سبحانه- بعباده بالعديد من المظاهر، بيان وتفصيل البعض منها فيما يأتي:

  • تيسير أداء العبادات؛ فمن بركات شهر رمضان، ومظاهر رحمة الخَلْق فيه إقبالُ المسلمين على أداء العبادات، والطاعات؛ من فرائض، ونوافل، فتُقبل النفوس على العبادة بمَحبّةٍ ورغبةٍ من غير قيادةٍ، كأنّها تُساق إلى ما يُحقّق لها رضا الله -سبحانه-؛ فتمتلئ المساجد بالطائعين القائمين المستغفرين، وفي المقابل تَحجِم النفوس العاصية عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وترجع إلى ربّها طائعةً، دون عنادٍ، أو تفريطٍ.
  • فتح أبواب الجِنان، وغَلق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين؛ فمن مظاهر رحمة الله بالخَلْق في شهر رمضان إعانتهم على أداء العبادات والطاعات؛ بفَتْح أبواب الجنّة، وغَلق أبواب النيران، كما تُسلسَل الشياطين وتُقيَّد، وفي ذلك عونٌ للمسلم على الصيام وفضائل الأعمال، وتصفيد الشياطين يكون بتقييد حركتها، وبالتالي تُكبَح جماح الشهوات، ويُفسَّر ارتكاب الذنوب في شهر رمضان تزامُناً مع تصفيد الشياطين بعدّة تأويلاتٍ؛ فقد قِيل إنّ التصفيد لا يكون إلّا للعتاة من الشياطين دون غيرهم، بالإضافة إلى عدم حصر مصدر الذنوب في الشياطين؛ فتُضاف إليهم النفوس الأمّارة بالسوء، والرغبة في اتّباع الهوى، وغيرها من الأسباب الباعثة على ارتكاب ما لا يُرضي الله، وربّما يُراد بتصفيد الشياطين عدم ارتكاب الذنوب في رمضان التي تُرتكب غالباً في غيره من الشهور؛ لفضل رمضان، وحُرمة وقته.
  • فتح باب التوبة للعباد؛ ففي شهر رمضان يتقرّب العباد من ربّهم، ويتوبون إليه من ذنوبهم؛ لنَيل المغفرة والعفو، فرمضان شهر التوبة والإنابة؛ إذ إنّ الله -سبحانه- يجود على عباده، ويصفح عنهم، ويعتق عدداً منهم من النار في كلّ ليلةٍ من ليالي الشهر.
  • مضاعفة أُجور الصائمين؛ فالأُجور المُترتّبة على الأعمال والطاعات في شهر رمضان مختلفة عمّا سواه من الشهور؛ فأجر الصائم يُؤدّى بلا حسابٍ، فينال المسلم في رمضان مضاعفة الأعمال والعبادات، ومضاعفة الأُجور المُترتّبة عليها.

 

 

مظاهر رحمة الخَلْق ببعضهم في شهر رمضان

 

حثّ الله -تعالى- عباده على التراحُم فيما بينهم؛ لعدّة أسبابٍ؛ فالله -سبحانه- رحيمٌ يحبّ الرُّحماء من عباده، ولذلك فالرحمة مطلوبةٌ من المسلم تِجاه أخيه المسلم، ومطلوبةٌ من الحاكم والمسؤول تجاه رعيّته، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اللَّهُمَّ، مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ)، وقال الله -سبحانه- مادحاً نبيّه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).


ويُشار إلى أنّ الرَّحمة تضعف في قلوب العباد لعدّة أسبابٍ، منها: الذنوب، والخطايا؛ فالقلب يكتسي بالرّان بزيادة ذنوبه، فتزيد قسوة القلوب، قال الله -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ومن أسباب قسوة القلب أيضاً المُسارعة في تحقيق الشهوات؛ فكان الصيام من أسباب استشعار المسلم حاجة أخيه المسلم، فتزداد الرحمة في قلبه، فيرحم غيره، ويشفق على أحوالهم، ويشاركهم همومهم وآلامهم، ومن مظاهر تراحم العباد ببعضهم البعض في شهر رمضان ما يأتي:

  • رحمة الغني بالفقراء والمساكين؛ بأن يستشعر أحوالهم، ويقدّم لهم يد المساعدة بما يُيسّر عليهم عيشهم، ويُعينهم على حياتهم، وتُعدّ الصدقة في رمضان من أعظم أبواب الأجر؛ لما فيها من إعانة الصائمين الفقراء على قضاء حوائجهم؛ فجزاء من أحسن بالبذل أن يحسن الله إليه بالفضل والعطاء.
  • رحمة الوالدَين بأولادهم؛ فعلى الوالدَين أن يُدركا أنّ حنانهما وإشفاقهما على ولدهما سبيل لصلاحه، وطريق لاستقامة أخلاقه، بينما تعكس القسوة أثراً عكسيّاً على طبائع الأولاد، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه).
  • رحمة الدُّعاة إلى الله بالمَدعُوّين؛ فالدَّعوة إلى الله لا بدّ أن تكون بكلّ رحمةٍ وشفقةٍ، دون تجريح أيّ أحدٍ، أو التشهير به، أو فَضْح العصاة والمُذنبين، وإنّما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة؛ امتثالاً لقول الله -تعالى-: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)، وقال أيضاً ناصحاً موسى وهارون -عليهما السلام- في دعوتهما لفرعون: (فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى).
  • رحمة الإمام بمأموميه؛ فلا يشقّ عليهم؛ بإطالة القراءة، أو السجود، أو الركوع، وإنّما يتوجّب عليه الرفق بهم، ومراعاة أحوال المُصلّين المختلفة، أخرج الإمام مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن أمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فإنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ، وإنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وإنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وإنَّ فيهم ذا الحاجَةِ، وإذا صَلَّى أحَدُكُمْ وحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كيفَ شاءَ)، كما أنّ النبيّ قال لمعاذ حين أطال بالقراءة: (أفتَّانٌ أنتَ يا مُعاذُ، أفتَّانٌ أنتَ يا مُعاذُ).
  • رحمة المُعلّم بطلابه؛ بأن يتّبع معهم أسهل الطرق، وأحسن السُّبل؛ كي ينتفعوا بتعليمه لهم، فينال الأجر والثواب.
شارك المقالة:
167 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook