صلاح الدين الأيوبي، هو يوسف بن أيّوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الدُّويني، وهو من أشهر القادة الإسلاميّين، وقد لُقِّب بالملك الناصر، وصلاح الدين تكريتيّ المولد، وأبوه هو نجم الدين، ويعود أَصله إلى دُوين، وهي بلدة بأطراف أذربيجان، حيث انتقلَت عائلته إلى تكريت بعد أن انضمّوا إلى قُوّات مجاهد الدين قائد حامية العراق، إذ حرصوا على خدمته، وفي تلك البلدة وُلِد صلاح الدين الأيّوبي، في عام 532 هـ، أي ما يوافق 1137م، علماً بأنّه قد تُوفِّي في عام 589هـ، أي ما يوافق 1193م
ويمكن القول بأنّ صلاح الدين الأيّوبي ليس من أَصْل عربيّ، بل هو كرديُّ الأَصْل، وكان والده نجم الدين حاكماً لقلعة تكريت، وعندما وُلِد صلاح الدين، اُجبِر والده على الخروج من تكريت، وعندها توجَّه إلى الموصل، إلّا أنّ والده تشاءم عند ولادته، وعندها نصحه أحد الرجال بعدم التشاؤم، وذلك لأنّ صلاح الدين قد يكون من أعظم الملوك، فيشتهر ويذيع صيته في أنحاء البلاد، وبدأت نشأة صلاح الدين في الموصل، كما عاش في بعلبك أيضاً، ونزل هو ووالده عند عماد الدين زنكي؛ حيث كان والده أحد ضبّاطه، فنشأ عنده نشأة مُميَّزة تربّى فيها على حبِّ الجهاد والفروسيّة، كما تدرَّب على السلاح، وتعلَّم القرآن الكريم، وحفظ الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة.
نشأ صلاح الدين نشأة قياديّة مُتميِّزة، وتعرَّض للعديد من التوجيهات العسكريّة والإسلاميّة، الأمر الذي أثَّر في شخصيّته وصقلَها، فقد أصبح فقيهاً وراوياً للحديث، كما كان يمتلك حماسة عالية في الشعر، إضافة إلى أنّه كان جديراً بالإمارة، وشجاعاً، ومقداماً، حيث إنّه كان كثير الغزوات، كما كان مجاهداً مثابراً، إذ كانت حياته كلّها جهاد، فهو ما إن يعود من غزو حتى يخرج إلى غزو آخر، كما عُرِف بالهمّة العالية، وبكرمه، وإحسانه، أمّا في مأكله، وملبسه، ومركبه، فقد كان بسيطاً جدّاً، ولم يكن يبحث عن ألقاب زائفة، كما لم تكن الدنيا ضمن همومه قطّ، وإنّما كان صاحب دين، وعقيدة، وكان يأخذ بالأسباب في جميع أموره.
وقد اتَّصفَ بعَدْله أيضاً؛ فلم يكن من أمر صلاح الدين الأيوبيّ أنّه حَكَم بناءً على التهمة أو الظن فقط، وإنّما كان يستدعي الشهود؛ ليسمع منهم عن أمر المُتَّهم؛ كي لا يظلمه، كما اتَّبع حُكْم الشريعة في حُكْمه وإمارته، حيث كان يجلس في كل اثنين وخميس من كلّ أسبوع، في مجلس عام؛ ليقيمَ العدل، وكان يحضرُ مجلسَه العديد من الفقهاء، والكثير من الناس، دون أيّ وجه تفرقة بينهم، ولعَدْله، وحكمته ساد العَدْل في البلاد، وقلَّ عدد المُفسِدين فيها، وأَمن الناس على أنفسهم، وأموالهم،
والجدير بالذكر أنّ صلاح الدين كان حريصاً على طلب العِلم، ولم يلهِه الجهاد في سبيل الله عن استمراريّة طَلَبه للعِلم، ومن الأمثلة على اهتمامه بطَلَب العِلم، أنّه كان يحثُّ الجنود على قراءة صحيح البخاري أثناء تجهيزهم لمعركة حطّين.
أولى الحملات العسكريّة عاش صلاح الدين حياة عاديّة كسائر الشباب في ذلك الوقت، وكان يلهو لَهو الشباب ويحبُّ ركوب الخيل، إلّا أنّ حياته تبدَّلت عندما صار يخرج مع عمّه أسد الدين شيركوه، وهو قائد عسكريّ من قادة نور الدين زنكي، حيث خرج صلاح الدين مع أسد الدين في غزوه لمصر، وقاد ثلاث حملات عسكريّة؛ ليمنعَ سقوط مصر في أيدي المسيحيّين اللاتينيّين، وبعد حدوث عدّة معارك بين عموري الأوّل ملك بيت المقدس، وشاور وزير مصر في عَهد الخلافة الفاطميّة، ضدّ أسد الدين شيركوه، فانتصرَ عليهم أسد الدين، وعيَّن صلاح الدين الأيّوبي وزيراً في مصر للخليفة الفاطميّ، وكان ذلك في عام 1169م، حيث كان عمره 31 عاماً، وقد كانت هذه الحملات هي بداية صلاح الدين العسكريّة.
ومن أهمّ الأعمال التي أنجزها صلاح الدين الأيّوبي جهاد الصليبيّين، وفَتْح بيت المقدس، حيث كان صلاح الدين يهتمّ لأَمر القدس اهتماماً كبيراً، فقد كان من كلامه: (كيف يطيبُ لي الفرح والطعام ولذّة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيّين)
وبدأ جهاده ضدّ الصليبيّين سنة 568 هـ، من الكرك، والشوبك، وخاض معارك كثيرة بين الإفرنج، ولم ينتصر عليهم، إلّا أنّه في تلك الأثناء قضى على المُتمرِّدين من الشيعة، وبعد أن تُوفِّي نور الدين زنكي، اتّجه صلاح الدين إلى دمشق، وبدأ إصلاحاته فيها، بعد أن تبدَّلت أحوالها منذ وفاة نور الدين زنكي، وأصبحت بلاد الشام وما حولها تُقدِّم له الولاء، والطاعة.
فَتَح صلاح الدين بيت المقدس من خلال معركة حطّين، في 4 تموز/يوليو من عام 1187م، أي ما يوافق 14 ربيع الآخر سنة 583هـ، في شمال فلسطين، حيث هزمَت جيوش صلاح الدين ملك القدس، وكانت واقعة حطّين من الأيّام التي سَطَّر فيها المسلمون مجدَهم، إذ كان عدد الصليبيّين نحو 63 ألف جنديّ، أُسِر منهم 30 ألفاً، وقُتِل منهم 30 ألفاً، كما فرَّ منهم نحو 3 آلاف من الجرحى، وحصلَ المسلمون على الكثير من الغنائم.
ألقى صلاح الدين القبض على حاكم الكرك أرناط، حيث كانت له أفعال مشينة ضدّ الإسلام والمسلمين؛ فقد قَتَل عدداً من الحُجّاج المسلمين، واستهزأَ بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما قَبض صلاح الدين عليه، أحضرَه أمام الناس، وقال لهم إنّه آن الأوان كي ينتصرَ للرسول عليه الصلاة والسلام، وضَرَب عنقَه، إلّا أنّه قَبْل أن يضرب عنقَه دعاه إلى الإسلام، ولكنّه رَفَض، فقَتَله، وبعد ذلك رَحل إلى صلاح الدين إلى عكّا، وقاتل الصليبيّين فيها، فانتصرَ عليهم، وأخذَها منهم، ثم انتشر جيشه في الساحل؛ للسيطرة على القلاع، والحصون المنيعة، ومن ثمّ انتقلوا إلى صيدا وسيطروا عليها، ومن ثمّ سيطروا على بيروت.
وعندما وَصَل صلاح الدين إلى عسقلان، والأماكن الأخرى حول القدس، اجتمعَ مع جيوشه، واتّجه معهم نحو القدس الشريف، ووَصَلوا إلى القدس سنة 583هـ في الخامس من شهر رجب، ونَصَب المجانيق؛ استعداداً للقتال، وعندما شَعرَ الصليبيّون بالخطر المحيط بهم، طلبوا الأمان، وفي 27 رجب في 583هـ، تسلَّم صلاح الدين مفاتيح بيت المقدس، ومنه أكمل فَتْح بقيّة بلاد الشام حتى وقعت جميعها بين يديه، وانتهت حروب الصليبيّين بانتصار صلاح الدين الأيّوبي، وصُلْحه معهم