صفعه أثناء النقاش!

الكاتب: المدير -
صفعه أثناء النقاش!
"صَفعهُ أثناءَ النقاش!

 

كنت قد أنشأت منذ أعوام مجموعة عبر تطبيق الواتس آب، أسميتها طلب العلم فريضة، جمعت فيها دكاترة وأساتذة وطلاب علم، مختلفي المشارب والتوجهات؛ غير أن ما يجمع الكلّ هو العلم والثقافة والالتزام. شهدت تلك المجموعة اضطرابات وصولات وجولات، وكرًاّ وفرًاّ، ونصراً وهزيمةً، خلال طرح الأفكار، والميول لمنهج ضدَّ آخر والانتصار له، وكثيراً ما كان الإخوة، غفر الله لهم، يتجاوزون الشروط التي جعلتها في المجموعة ومنها، عدم التجريح، وعدم مهاجمة الأشخاص والتيارات، وإن أبيتم فهناك مجموعات أخرى يمكن التحدث فيها بتلك المواضيع وذلك منعاً للفتنة والجدل، فلم يحصر العلم وطلبه في هذه المجموعة.

 

خرج الدكتور، وتطاول الشيخ، وطعن الملتزم، وهاجم طالب العلم، وحاولت لآخر نفسٍ أن تبقى المجموعة في جوٍّ هادئ من الحوار والنقاش، بقصد الاستفادة والاطلاع على طرق التفكير والاختلاف.

 

كنت أحياناً أنشغل عن تلك المجموعة بسبب كثرة الواجبات والمهمَّات ومتطلبات الحياة اليومية.. وفي إحدى الأيام فتحتها بعد غياب فوجدت آلاف الرسائل، والمهاجمة والتطاول، فأرسلت رسالة اعتذار عن الخروج من المجموعة فما عاد باستطاعتي ضبط الأمور، وأن إثمها بات أكثر من نفعها، وعينتُ أكثر من 50 أخاً عضواً فيها وهم جميع أعضائها مسؤولين عنها ثمّ خرجتُ.

 

تبعني عدة إخوة وخرجوا من المجموعة، غير أن الأمر لم ينته هنا!

بعد فترة كنت في ضيافة أحد الإخوة الأحباب والذي كان عضواً في المجموعة وخرج مبكراً، فاستأذنت منه لأركن سيارتي بالمكان المناسب، بعد أن طلب أحد الجيران ذلك، نزلت فالتقيت بأخٍ عزيز ثم آخر في الشارع، فقلقَ صاحبي من تأخري، فنزل ليطمئن علي فوجدني مع الأخوين، ثم دار نقاش بين الصاحبين الذين التقيتهما، ثم دخل الأخ الذي كنت في ضيافته في النقاش، وثلاثتهم أعرفهم، ويعرف بعضهم بعضاً، فجميعهم كان في تلك المجموعة، ليستكملوا أحد النقاشات العقيمة السقيمة التي كانت تجري داخل المجموعة. تحوَّل النقاش إلى جدال.. ثم كانت المفاجأة أن ضرب أحد الأخوين من كنت بضيافته وصفعه على وجهه وسقطت نظارته على الأرض! ثم كانت ردَّة فعل المضروب أن تطاول عليه بالكلام ومما قاله اذهب واطلب العلم، فأراد الضارب أن ينقض عليه، فقال له الأخ الثالث إنه يقول لك اذهب واطلب العلم، ومن منّا قد جمع العلم، اذهب واطلبه.. ثم انصرف وتصالحا فيما بعدها.

 

لعل هذا كافٍ في محاولة توصيف الآثار السلبية لكثير من النقاشات عبر الواتساب التي لا تنتهي في مكانها، بل تحمل معها ضغائن ناتجة عن عدم الانتصار للفكرة، وكثيراً ما كنا نجلس ويجلس الضارب والمضروب معنا في نقاش وربما يحتدّ، ولكن لم نشهد خلال أكثر من عشر سنوات أن ضرب أحدهما الآخر، بل ولم أسمع يوماً بأن ملتزما بل طالب علم أن ضرب زميله أو أخاه!

 

لماذا لا نجتمع، لماذا لا نلتقي، لماذا لا نجلس إلى بعضنا ونرى تعابير الوجوه؟ فكم من عبارة عبر الواتس آب قُرئت بطريقة سلبية، وكم من نقاش استمر لساعات لو جلسنا إلى بعضنا لانتهى بخمس دقائق.

 

جلست مرّة إلى شيخ فوجدته تعباً ومنتفخ العينين، قلت ما بالك! قال 7 ساعات وأنا أناقش عبر إحدى المجموعات! قلت سبع ساعات تطبع من خلال الهاتف؟! قال نعم.

 

سبحان الله كيف بات وقت طلاب العلم يضيع عبر الواتساب بدعوى التبليغ أو الانتفاع، كيف نقضي الساعات الطوال نقرأ عبارةً هنا وحكمة هناك، ولو صرفنا هذا الوقت لمدة أسبوع لقرأنا فيه كتاباً، أو فصلاً في أحد كتب الفقه، لسمعنا محاضرات في السيرة والتاريخ والأدب والحديث والتفسير!

 

لماذا بات بعض المتحمسين يمارسون النقاش العلمي وكأنهم في مقام الجهاد؟ بينما مقام الجهاد يناسبه القوة والشدّة والبأس، بخلاف مقام الدعوة التي أساس نجاحها اللين والرحمة والتذلل للمؤمنين.

 

أين الرأفة بالخطاب، واللين بالقول، أين نحن من قوله سبحانه ?اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ? حين أرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى ذلك الطاغية. سبحانك يا رب، إذا كانت هذه رحمتك بمن قال أنا ربكم الأعلى، فكيف بمن يقول سبحان ربي الأعلى، كيف برحمته سبحانه بطالب العلم، بالملتزم المستقيم على شرع الله، أليس أولى بالرحمة من ذلك الكافر بل مدعي الربوبية!

 

دخل أحد الأعراب على هارون الرشيد، فقال الأعرابي: يا هارون إن عندي كلاماً شديداً قاسياً فاسمع له قال: والله لا أسمع له، قال: ولمَ؟ قال: لأن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني، وقال عز وجل: ? فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ?.

 

فعليكم يا طلاب العلم بالحكمة والموعظة الحسنة واستغلال الوقت والاستفادة منه لأقصى حدّ، وتجنب الخوض في النقاشات العلمية عبر مجموعات الواتس آب التي تضيع الوقت، وتصعب القول، وتغير المقصود، وتتيح المجال لأبليس يمارس تلبيسه، وللنفس أن تستثار فتظهر حسد قابيل، وجرأة النمرود، وجهل أبي جهل، وحقد الجمل.


"
شارك المقالة:
17 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook