اختلفت آراء المذاهب الفقهيّة في بيان عدد ركعات صلاة التراويح، وبيان رأي كلٍّ منها فيما يأتي:
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخلاف في عدد ركعات صلاة التراويح يُعَدّ خلافاً مُستساغاً؛ فلا بأس بالأخذ بأيّ رأيٍ من الآراء السابقة كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، إذ قال: "والتراويح إنّ صلّاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعةً، أو: كمذهب مالك ستاً وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نصّ عليه الإمام أحمد؛ لعدم التوقيف، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طُول القيام وقُصره".
تعريف صلاة التهجُّد
بيان المقصود بالتهجُّد وصلاته في اللغة والاصطلاح الشرعيّ فيما يأتي:
عدد ركعات صلاة التهجُّد
اتّفق العلماء على أنّ أقلّ عدد ركعات صلاة التهجُّد ركعتَان خفيفتان؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، إلّا أنّهم اختلفوا في أكثر عدد الركعات، وبيان خلافهم على النحو الآتي:
وفي الحقيقة يرجع سبب الخِلاف بين العلماء في الحدّ الأعلى لعدد ركعات التهجُّد إلى اختلاف الروايات التي تُبيّن عدد ركعات تهجُّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُصلّي في الليل ثلاث عشرة ركعةً، وثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا)، وذكرت في روايةٍ أخرى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يتهجّد بثلاث عشرة ركعةً، منهنّ صلاة الوتْر، وركعتا الفجر.
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة في حُبّ الله -تعالى-، وحُسْن عبادته؛ فعلى الرغم من أنّ الله -تعالى- غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، إلّا أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه من كثرة الوقوف؛ لِقَوْل أبي هريرة -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقومُ حتى تَرِمَ قَدَمَاهُ)؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم-، يقومون ثُلثَي الليل في بعض الليالي تقريباً، ونِصفه، أو ثُلثَه في ليالٍ أخرى، قال الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ)، أمّا صلاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الليل، فقد كان يُطيل فيها القراءة، والقيام، والركوع، والسجود؛ إذ ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّه كان: (يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا).
وممّا يدلّ على طُول قيامه -عليه الصلاة والسلام- في التهجُّد أنّه قرأ في ركعةٍ واحدةٍ كلّاً من سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، كما ثبت في الصحيح عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ: يُصَلِّي بهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلتُ: يَرْكَعُ بهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ...)، كما ثبت أيضاً عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأطَالَ حتَّى هَمَمْتُ بأَمْرِ سَوْءٍ، قالَ: قيلَ: وَما هَمَمْتَ بهِ؟ قالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ)، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يحافظ على صلاة القيام في رمضان، وفي غيره من أوقات العام، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقضيها في النهار شَفْعاً إن فاتَته في الليل.
يُعَدّ قيام الليل ومنه صلاة التراويح في رمضان من أفضل الأعمال، وأجلّ القُربات إلى الله -تعالى-؛ فقد مدح الله -سبحانه- عباده المُحافظين على قيام الليل، ووعدهم بخيرَي الدُّنيا والآخرة، كما حَثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الصحابة -رضي الله عنهم- على التهجُّد، وأوصى به الأمّة الإسلاميّة من بعده، وسار علماء الأمّة على خُطى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الحَثّ والترغيب في هذه العبادة العظيمة، وبيان فَضْلها على الناس، ووصيّته لهم بالمحافظة عليها، حتى نال المُحافظ والحريص على قيام الليل مكانةً عظيمةً، ومن الجدير بالذِّكر أنّ لقيام الليل فضائل عظيمة؛ إذ بيَّنَ الله -تعالى- أنّ قيام الليل أحد أسباب دخول العباد المُتّقين إلى جنّات الخُلد، وتمتُّعهم بالنعيم المُقيم؛ لقَوْل الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فقد بيَّنَت الآيات الكريمة بعض صفات المُتَّقين؛ من قلّة النوم، وطُول القيام في الليل إلى وقت السَّحَر، وكثرة الاستغفار.
كما وصف الله -تعالى عباده المُتَّقين في موضع آخرٍ من القرآن الكريم بأعظم الأخلاق، ومنها قيامهم في الليل، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وعباد الرحمن مُميَّزون بتلذُّذهم بالقيام وعبادة الله -تعالى-؛ لقَوْله -سبحانه وتعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ قيام رمضان -وهو المعروف بصلاة التراويح- له فَضْلٌ عظيمٌ؛ فقد وعد الله -تعالى- من قام شهر رمضان؛ إيماناً به -سبحانه وتعالى-، واحتساباً للأجر من عنده، بالمغفرة، والأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
موسوعة موضوع