صلاة قيام الليل

الكاتب: مروى قويدر -
صلاة قيام الليل

صلاة قيام الليل.

 

 

مشروعيّة صلاة قيام الليل

 

حُكم صلاة قيام الليل

قيام الليل من السُّنَن المُستحَبّة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء في فضله والترغيب فيه الكثير من الأدلّة، ومنها قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا*وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وقوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

 

حُكم قيام الليل بعد الوَتر

الأفضل في حَقّ الإنسان الذي يُريد أن يُؤدّي صلاة قيام الليل، وكان مُتأكّداً من أنّه سيقوم لها أن يُؤخّر صلاة الوَتر؛ ليختمَ بها قيامه؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)، ويجوز لِمَن صلّى الوَتر في أوّل الليل وأراد القيام في آخره أن يُصلّي ما شاء من الركعات؛ فالأمر في الحديث من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب؛ فقد ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يُصلّي بعد الوَتر ركعتَين جالساً.

 

كيفيّة صلاة قيام الليل

 

عدد ركعات قيام الليل

اتَّفق الفُقهاء على أنّ صلاة الليل ليس لها عددٌ مُعيَّن؛ فكُلّما زاد الإنسان فيها، زاد أجره، إلّا أنّهم اختلفوا في غالب فِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد كان يُصلّي في الغالب من أحواله إحدى عشرة ركعة، وأحياناً ثلاث عشرة ركعة مع الوَتر، وعندما كبر في العُمر كان يُصلّي تسع ركعات، وأحياناً سبع ركعات، وقد سُئِلت عائشة -رضي الله عنها- عن قيام النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: (سَبْعٌ، وتِسْعٌ، وإحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتي الفَجْرِ)، واختلف الفُقهاء في كيفيّة صلاة الليل، وبيان ذلك فيما يأتي:

  • جمهور الفقهاء: ذهب المالكيّة، والشافعية، والحنابلة وبعض الحنفية إلى أنّها تُصلّى ركعتَين ركعتَين؛ فيُسلِّم المُصلّي بعد كُلّ ركعتَين، واستدلّوا بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى).
  • أبو حنيفة: ذهب أبو حنيفة إلى أنّ المُصلّي في خيار من أمره بين صلاة ركعتَين، أو أربعٍ، أو ستٍّ، أو ثمانٍ بتسليمة واحدة، واستدلّ بظاهر الأحاديث التي وردت عن عائشة -رضي الله عنها-، كقولها: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي مِنَ اللَّيلِ ثلاثَ عَشرةَ رَكْعةً، يوترُ منها بخَمسٍ، لا يجلِسُ في شيءٍ منَ الخمسِ، حتَّى يجلِسَ في الآخرةِ فيسلِّمُ).

 

كيفيّة القراءة في قيام الليل

تجوز لقائم الليل الصلاة سرّاً، أو جهراً، واختلف الفُقهاء في الأفضليّة بينهما على أقوال، كما يأتي:

  • الحنفيّة والحنابلة: ذهبوا إلى أنّ المُصلّي مُخيَّر بين الجَهر، والإسرار؛ فذهب الحنفيّة إلى أنّ الجَهر أفضل ما لم يُزعج غيره، أمّا الحنابلة فذهبوا إلى أنّ الجَهر أفضل إن كان ذلك يُنشّطه لقيام الليل، أو لوجود من يستمع إليه وينتفع بقراءته، ويكون الإسرار أفضل بوجود غيره، أو من ينزعج بصوته، وهو مُخيَّرٌ في ما سوى هذه الحالات بينهما، واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد سأل عبدالله بن أبي قيس عائشة عن قراءة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الليل؛ بالجَهر، أو السرّ، فقالت: (كلُّ ذلك قد كان يفعلُ ، ربَّما أسرَّ بالقراءةِ ، وربُّما جهرَ فقلْتُ : الحمدُ للهِ الذي جعلَ في الأمرِ سعةً).
  • المالكيّة: الأفضل عندهم الجَهر في صلاة الليل ما لم يُزعج غيره، فإن أزعج غيره كان حراماً، والإسرار فيها خِلاف الأفضليّة.
  • الشافعيّة: الأفضل عندهم التوسُّط بين الجَهر، والإسرار، بشرط ألّا يُزعجَ غيره.

 

الأفضليّة بين طول القيام و كثرة الركعات

اختلف الفُقهاء في الأفضليّة بين تطويل صلاة القيام، وزيادة عدد الركعات فيها، إلى عدّة أقوال، وبيانها فيما يأتي:

  • القول الأوّل: إطالة القيام أفضل من كثرة عدد الركعات، فمثلاً من يُصلّي ركعتَين ويُطيل فيهما أفضل ممّن يُصلّي أربعاً لا يُطيل فيهنّ، وقد ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (أَفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ)؛ والقنوت هو القيام نفسه، وكان من فِعله -عليه الصلاة والسلام- المُداومة على التهجُّد مع الإطالة فيه، وهو قول جُمهور الفُقهاء من الحنفية، والشافعية، وفي رواية عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، وزاد الشافعية أنّ هذا يكون في حالة الصلاة قائماً، أمّا إن صلّى جالساً فإنّ كثرة العدد أفضل من طول القيام؛ لتساويهما في المَشقّة حال الجُلوس.
  • القول الثاني: تكون إطالة القيام أفضل إن لم يكن للمُسلم وردٌ من القُرآن يقرؤه، أمّا إن كان له وِرْدٌ فكثرة الركعات أفضل، وهو قول أبو يوسف من الحنفيّة.
  • القول الثالث: كثرة الركعات أفضل من إطالة القيام، واستدلّ القائلون بذلك بالأحاديث التي تَحُثّ على كثرة السجود، كحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي قال فيه: (عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً)، والسجود لا يكون إلّا لله -تعالى-، ويكون في الفَرض، والنَّفل، أمّا القيام فهو يسقُط في حال النافلة، وهو قول المالكية في المشهور عندهم، وفي رواية عن الحنابلة.
  • القول الرابع: كثرة الركعات وطول القيام سواء، ولا أفضليّة لأحدهما على الآخر؛ لوجود دليلٍ على كُلٍّ منهما، وهو قول عند الحنابلة.

 

مراتب قيام الليل

قسَّمَ العُلماء قيام الليل إلى عدّة مراتب، وبيانها فيما يأتي:

  • المرتبة الأولى: قيامُ الليل كُلّه.
  • المرتبة الثانية: قيام نصف الليل؛ وذلك بالنوم في الثُّلث الأوّل منه، والسُّدس الأخير منه فقط.
  • المرتبة الثالثة: قيام ثُلث الليل؛ وذلك بنوم النصف الأوّل منه، والسُّدس الأخير منه؛ وهو قيام نبيّ الله داود -عليه السلام-، ويُعَدّ أفضل القيام؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (وأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ).
  • المرتبة الرابعة: قيام سُدس الليل، أو خُمسه، وأفضله القيام في النصف الأخير منه.
  • المرتبة الخامسة: قيام الليل من غير تقدير ولا حسابٍ للوقت؛ فقد كان بعض الصحابة يقوم في أوّل الليل حتى ينعس، فينام، فإذا استيقظ من الليل صلّى، وإذا نعس نام، وهكذا حتى الصباح، أو ينام في أوّل الليل، وعندما يستيقظ يقوم ما تبقّى من الليل.
  • المرتبة السادسة: القيام بمقدار صلاة ركعتَين، أو أربع ركعات.

 

أفضل أوقات الليل للقيام

 

اتَّفَق الفُقهاء على أنّ أفضل وقتٍ لقيام الليل هو الثُّلث الأخير منه؛ لأنّه وقت تنزُّل الله -تعالى- بالرحمة، وهو وقت استجابة الدُّعاء، كما أنّه وقت يغفل عنه الناس، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إن أقربَ ما يكونُ الرَّبُّ من العبدِ جوفُ الليلِ الآخِرِ، فإن استطعتَ أن تكونَ ممن يَذكرُ اللهَ في تلك الساعةِ فكُنْ)؛فالعبادة في آخر الليل أفضل من أوّله للحديث المذكور.

 

فضل قيام الليل

 

لقيام الليل الكثير من الفضائل التي جاءت الأدلّة ببيانها، ومنها ما يأتي:

  • مُحافظة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عليها حتى تتشقّق قدماه؛ قالت عائشة -رضي الله عنها- في صفة صلاة النبيّ بالليل: (كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ).
  • قيام الليل من أسباب دُخول الجنّة، ورَفع الدرجات فيها، وهو سبب لتكفير السيّئات؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ ، و أطْعِمُوا الطَّعامَ ، وصِلُوا الأرحامَ ، و صلُّوا باللَّيلِ و النَّاسُ نيامٌ ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).
  • المُحافظة على قيام الليل من صفات المُحسنِين؛ قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
  • مَدْح الله -تعالى- لقائم الليل، وشهادته له بالإيمان؛ قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
  • قيام الليل أفضل الصلوات بعد الفريضة، وهو شرف المؤمن، كما أنّ صاحبه يُغبَط عليه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).
  • قراءة القُرآن الكريم في قيام الليل من أعظم الغنائم؛ لِما في ذلك من الأُجور العظيمة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ).
شارك المقالة:
59 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook