طرق التعليم التقليدية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
طرق التعليم التقليدية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

طرق التعليم التقليدية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
تُعد منطقة حائل من المناطق السعودية التي جرى فيها التعليم التقليدي أسوة بجميع مناطق المملكة، إذ عرفت منذ القدم أنماطًا متعددة من الكتاتيب؛ فمنها ما يُعنى بتعليم القرآن الكريم، ومنها ما يُعنى بتعليم مبادئ القراءة والكتابة. كما كان أكثر الكتاتيب مخصصًا لتعليم الذكور، وقل أن توجد كتاتيب لتعليم الفتيات.
 
التعليم في الكتاتيب 
 
كان التعليم يعتمد على الكتاتيب، ولم يكن منظمًا بالمعنى المتعارف عليه، وقد قام بهذه المهمة الجليلة بعض المشايخ الذين أتوا من موقق حائل وهجرة الأمير مرعيد التي كان لها دور مهم في تنشيط التعليم بمن أتى إليها من العلماء والمشايخ 
وكانت مدينة الروضة من أكثر بلدان المنطقة اهتمامًا بالجانب الثقافي والديني، محافظة على الشعائر الدينية، فقامت فيها حلقات تدريس القرآن الكريم، ويوجد بها كثير من حفظة القرآن، وكانت - ولا تزال - منارًا مشرقًا لبثِّ أعداد من خطباء المساجد الذين ينتشرون بها وبما حولها منذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر. ولا يقتصر هذا الجانب على الذكور، وإنما شمل الذكور والإناث، وذلك في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري أي نحو 1270هـ / 1854م، حتى افتتاح المدارس النظامية عام 1372هـ / 1953م للبنين، وعام 1384هـ / 1964م للبنات.
 
أ - صفة التعليم في الكتاتيب:
 
أما صفة التعليم في منطقة حائل في ذلك الوقت فقد كان يقتصر على مدارس الكتاتيب؛ وهي مدرسة غير نظامية، قوامها الشيخ (المطوع، الخطيب) حسب التسميات المتعارف عليها، فهو المدرس الوحيد؛ وهو مدير المدرسة، وتكون المدرسة إما بجزء من المسجد - خصوصًا في الصيف - أو في بيت الشيخ. ويكون وقت الدراسة نحو ثلاث ساعات يوميًا على فترتين: ساعتين صباحًا من نحو الساعة التاسعة حتى الحادية عشرة صباحًا، وساعة واحدة بعد صلاة العصر مباشرة حتى الساعة الخامسة تقريبًا، وهي مستمرة صيفًا وشتاءً.
 
أما المنهج الذي يدرسه الطلبة فهو تعلم حروف الهجاء على القاعدة البغدادية التي تُعنى بحركات الحروف من الفتحة، والكسرة، والضمة، والسكون، والتنوين، والتشديد مع الحركات المذكورة، ثم بعد ذلك يدرسون الأبجدية بحروف مجمعة كما يأتي: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى قراءة القرآن الكريم وتعلم الكتابة بنسخ الحروف المشار إليها من نُسَخ القرآن الكريم، ومتى تدرب الطالب على ذلك انتقل إلى نسخ السور القصيرة من القرآن ثم صفحات منه، ويتم النسخ على ألواح من الخشب ويُفضل خشب الأثل، ويكون اللوح بطول نحو 40سم، وعرض 20سم، وسماكة 2سم، وله من أعلاه مقبض يُمسك به، ويتم تبييض اللوح بعد طمس ما عليه من الكتابة بمادة بيضاء من فصيلة الجبس أو الحجر الرملي الأبيض تُسمى (بيضا لوح) 
 
ويقوم الطالب بكتابة الجزء الذي عُين له، وبعد عرضه على (الخطيب) الذي يعطي توجيهاته وإرشاداته للطالب يقوم الطالب بطمس اللّوح من جديد وإعادة الكتابة عليه... وهكذا حتى يتعلم الكتابة. أما الأقلام التي يُكتب بها فلا تعدو كونها من أغصان الشجر الصلبة، وربما كانت مصنوعة من أعواد القصب. وأما الحبر فيصنعه الطالب محليًا من عدد من الأشجار مثل حب شجر (الرّال)، وقشور ثمرة الرمان، وبعض الأصباغ أو سناج الصاج الأسود مضافًا إليه نسبة من الصمغ العربي ليتكون من ذلك حبر صالح للكتابة، وبهذه الطريقة يتم تمرين الطالب على الكتابة والقراءة في الوقت نفسه. ويركز الطالب على تعلم القرآن الكريم، ثم يتعلم الأصول الثلاثة، ويبدأ قراءة الكتب الفقهية، والحديث، وقواعد اللغة العربية. وليس للشيخ راتب معين من السلطة إلا ما يناله من الصدقة والزكاة، بالإضافة إلى ما يتقاضاه من هبات آباء الطلاب إما نقدًا أو عينًا من المنتجات الزراعية حبوبًا أو تمورًا أو منتجات نباتية أخرى، أو حيوانية، مثل: الأغنام أو مشتقات الألبان، وربما جعل الخطيب على الطالب مقدارًا من هذه المنتجات شهريًا قد لا يتعدى صاعًا من أي نوع، أو نقدًا كأن يكون ريالاً لفترة من الفترات على كل طالب، وعلى الرغم مما يقرره على كل طالب إلا أن الآباء والأمهات يبرونه ببعض الهدايا بغية الحصول على عنايته الخاصة بأبنائهم. وينضم لدى المعلم من 10 - 50 طالبًا، وقد يصل العدد إلى 100 طالب. وفي الأوقات الباردة يحتاج الطلاب إلى الدراسة في غرفة من بيت المعلم تُوقد فيها النار للتدفئة، وفي فصل الشتاء يكون على أولياء أمور الطلاب إحضار الكمية الكافية من الحطب ليضمنوا بقاء أبنائهم داخل الغرفة الدافئة، ويكفي عن الطالب حمل بعير من الحطب طيلة فصل الشتاء، أو أن يُحضر الطالب معه كل يوم ما يستطيع حمله من الحطب حتى يكون من ضمن الطلبة الدارسين داخل الغرفة الدافئة، وإن لم يحضر الطالب الحطب أو يؤمنه ولي أمره للمعلم فسيدرس في مكان خارج الغرفة الدافئة  
 
ب - العادات المرتبطة بختم القرآن:
 
كانت تُقام في المنطقة احتفالات بختم التلاميذ للقرآن، إذ كانت للمعلم هدية مجزية - بمقاييس ذلك الزمن - تتكون من النقود والملابس، أو من كمية من الطعام من والد الطالب عندما ينتهي من ختم القرآن الكريم. ويُعِد أهل الطالب الناجح لزملاء ابنهم وجيرانهم وليمة دسمة بهذه المناسبة، ويقدمون للمعلم هديته أثناء هذه الحفلة التي تُسمى (الخاتمة) وهي مناسبة طيبة يصطحب فيها الشيخ الطلبة، ويختارون النابه منهم والفصيح والجريء بالقراءة، وينطلقون من بيت المعلم في إحدى فترات الدراسة واضعين الطالب الناجح أمامهم ومعلمهم يمشي بمحاذاتهم ويمشون خلفه، ويقرأ فيهم زميلهم شيئًا من الأدعية والتراتيل وهم يرددون خلفه ما يقول، وأحيانًا يرددون كلمة (آمين) إذا كان ما يردده من الأدعية والابتهالات مثل:
الحـــمد للـــه الــذي هدانــا      للـــدين  والإســـلام واجتبانــا
ســبحان مــن خلقنــا ســبحانا      بفضلــــه علمنـــا القرآنـــا
علَّمنــــا معلِّــــمٌ يرعانـــا      أول  مــــا علَّمنـــا هِجانـــا
يضربنــــا بســـوطه أحيانـــا
وفي طريقهم من بيت المعلم إلى بيت أهل الطالب عبر الشوارع والأحياء يصطف الناس على الجانبين وعلى طول الطريق رجالاً ونساءً كبارًا وصغارًا، للمشاركة الرمزية في هذه المناسبة التي يتمنى الوالدان أن يصل ابنهما إليها. وتتواصل هذه المسيرة حتى تصل إلى بيت أهل الطالب، ليجدوهم في استقبالهم بالبشر والترحاب، فإذا اقتربوا من مكان الحفل رفع الطلبة زميلهم الناجح على الأكتاف وهم يرددون الأدعية المشار إليها تصاحبها الزغاريد والتهاليل حتى يضعوه داخل البيت، ثم يجلسون مع معلمهم لتناول القهوة العربية، ثم ينتقلون إلى تناول الطعام الذي أُعد لهم حسبما يستطيع أهل الطالب تقديمه، وغالبًا ما يبذلون الغالي والرخيص بهذه المناسبة الغالية، وبعد ذلك تُقدَّم للمعلم هدية مناسبة من النقود أوالملابس بحضور الجميع، وإن كانت الهدية من الطعام فتُرسل له إلى البيت على مشهد من الحضور. ويعيش الناس في ذلك الحي أو القرية يومًا مشهودًا، وتسهم النساء في تشجيع أبنائهن في هذه الناحية، فبعضهن تعد حفلاً للمعلم وطلابه كلما انتهى ابنها من دراسة جزء من القرآن وقراءته، مثل: جزء عم، وجزء تبارك إلى آخر أجزاء القرآن الكريم، وتُقدِّم إلى المعلم هدية رمزية من مالها الخاص  . 
وهكذا يتخرج الطالب في هذه المدرسة يقرأ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ويجيد الكتابة، أما النابهون فإنهم يواصلون دراستهم حتى يصلوا مرتبة عالية من التعليم.
 
مظاهر الثبات والتغير
 
لم يعد التعليم التقليدي يُمارس في أي ناحية من نواحي منطقة حائل، وكذلك الحال في أنحاء المجتمع السعودي كله، حتى حلقات التحفيظ التي تُقام في المساجد أصبحت أكثر تنظيمًا عما كان عليه التعليم في الكتَّاب، فقد انتشرت المدارس الرسمية، والتعليم الرسمي في أنحاء المنطقة كلها بما في ذلك القرى والهجر النائية التي أصبحت فيها مدارس رسمية للذكور والإناث، وأصبح التعليم الرسمي متاحًا للجميع  
 
أما التعليم التقليدي والكتَّاب فلم يعد يعرف عنه أغلب جيل الأبناء أي شيء، ولا يسمعون به إلا من خلال ما يشاهدونه في المسلسلات التلفزيونية، أو يقرؤونه في الكتب التاريخية أو الثقافية.
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook